الرد على من حرم الجهاد في العراق
فضيلة الشيخ حامد العلي
ما ردك على الذين يقولون بحرمة الجهاد ضد الامريكان في العراق ، ولماذا ظهرت هذه الفتاوى اليوم عندما اشتد الامر على الامريكان ؟
الجواب :
الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
وبعد :
هؤلاء الذين يحتجون بمثل هذه الشبهات المتهافتة ، أحسبهم يعلمون في قرارة أنفسهم بطلان ما
يقولون ، لكنهم يفرون إلى هذه الحجج الساقطة للتغطية على وقوعهم تحت الإكراه ، وإلا فإن هذا
التهويل اللفظي ليس سوى سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ،
فالرايات المتواجهة في العراق اليوم رايتان ، راية الاحتلال ومن يؤيده ، وراية رفض الاحتلال ومن يقف
معها .
الراية الأولى : هي راية الصليبيين والرافضة ومن معهم من مرتزقتهم وزنادقة الليبراليين العرب الذين اتخذوا أمريكا ربا وإلها.
والراية الثانية : هي راية المقاومة وهو اسم عام يشمل كل رافض لبقاء القوات الصليبية المحتلة
في العراق ، وهي في أوساط أهل السنة عامة، ويتقدم هذه الراية المجاهدون .
والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، وهو إخراج المحتل الصليبي من بلاد الإسلام
، وحماية المسلمين من بقاءه وتمكنه فيها ، لأنّ كل يوم جديد يبقى المحتل في العراق ، فإنه
يتمكّن من إنجاح مخططه الواسع الأشد خطرا على أمتنا الإسلامية من كلّ ما مضى منذ عقود
، وهو مشروع القرن الأمريكي ، الذي صيغ ليعيد تشكيل المنطقة كلّها وفق متطلبات الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي الجديد .
ومن المعلوم أنه حتى في الجهاد الأفغاني ضد التدخل السوفيتي في أفغانستان مع أن الاحتلال
السوفيتي لم يدخل في حرب أطاح فيها بنظام الحكم وأصبح قوة احتلال ، بل بناء على طلب "
نجيب الله " وفق معاهدة من " ولي الأمر " !! كانت الجبهات الجهادية كلها تقاتل ضد نظام " نجيب
الله " الموالي للسوفيت ، والجيش السوفيتي في أفغانستان ، على حد سواء ، كما يحدث في
العراق تماما ، وكانت الجبهات في الجهاد الأفغاني ، متعددة الاتجاهات ، مختلفة العقائد ، ففيهم
حتى القبوريين ، وغلاة أهل الشرك والتصوف الفلسفي المتزندق ، غير أن النداءات كانت كلها
تدعوا إلى توحيد المواجهة مع العدو ، وأن اختلاف الجبهات لا ينبغي أن يشتت الهدف المشترك ، وهو طرد الروس من أفغانستان .
لم يكن أحد في ذلك اليوم ، يتحدث عن تحريم قتال جنود ولي الأمر " نجيب الله " الذي كان يظهر
كما أذكر جيدا في صور تنشرها بعض صحفنا الاشتراكية آنذاك ، وهو يصلي ويدعو رافعا يديه ، وتصور
تلك الصحف الخارجين عليه بأنهم خوارج بغاة ، يرضون سادتهم الأمريكيين بالقتال ضد من استنجد
بالروس حلفاءه ليقمع المتمردين الإرهاببين الخوارج !! ، وكان الحكم الشرعي في الجهاد الأفغاني
لا يختلف فيه اثنان ، فالاحتلال الكافر ، احتلال يجب جهاده ، ولا يغير هذا الحكم ، كونه نصب حكومة موالية له ، ولا تعدد جبهات القتال ضده ، واختلاف الرايأت .
وكذلك كان الأمر في احتلال القرن الماضي لبلادنا الإسلامية ، كان الاحتلال ينصب الحكام ، ويتخذ
من أهل البلاد الجند والشرط من المسلمين أو كانوا مسلمين قبل أن يوالوا المحتل ولم يكن في
علماء المسلمين من ينكر جهاد المحتل ومن والاه ، بل كان كل من يقوم بالجهاد ومقاومة المحتل
محمود في الأمة ، وجهاده مشكور ، ومن يحرض على قتال المحتلين من العلماء يعظم في
نفوسهم مكرما ، وينصبونه بينهم مقدما ، رغم كون الرايات المحاربة لاحتلال القرن الماضي ، أشد
اختلافا ، وأعظم تباينا، ففيها الرايات الإسلامية ، والعلمانية ، وحتى الرافضة قاتلوا ضد الاحتلال
الإنجليزي السالف للعراق على سبيل المثال .
كما أن الجهاد اليوم في فلسطين ، تختلف فيه الرايات اختلافا عظيما ، والجبهات العلمانية تقاتل جنبا إلى جنب مع الجبهات الإسلامية ، غير أن القتال كله يتوجه إلى هدف واضح ، هو دحر الصهاينة عن بلاد المسلمين ، وإفشال مخططهم الخبيث واجتثاث سرطانهم المزروع في بلاد
الإسلام ، وذلك لإنقاذ الأمة الإسلامية ، مع احتمال أن يستفيد من بعض ثمرات الجهاد ، بعض
الرايات العلمانية ، ولم يقل عاقل قط ، فضلا عن عالم بالشرع ، أن الجهاد في فلسطين حجر
محجور ، ويحرم على المسلمين أن يقاتلوا اليهود المحتلين ، حتى يأتي اليوم الذي يتوحد
الفلسطينيون تحت راية إسلاميّة سنيّة واحدة ، ولو قال هذا مغفل لقدم أكبر خدمة للاحتلال .
والحاصل أن اتفاق المسلمين مع غيرهم على قتال عدو يراه الطرفان خطرا عليهما ، وفي دحره وإفشال مخططاته ، دفع خطر
عام على أمة الإسلام ، لا ينكره إلاّ جاهل ، وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن المسلمين يقاتلون
والروم عدوا من وراءهم في آخر الزمان ، فليس في هذا ما يخالف الشرع مادامت المصلحة في عاقبة القتال أرجح .
ومعلوم أن الأمريكيين أشدّ ما يخافون مما يفشل مشروعهم في العراق ، هو دخول المقاتلين
عليهم من خارجها ، فهم يريدون أن يستفردوا بالعراق ، ويحولوه إلى سجن كبير ، يفعلون
فيها ما يشاؤون وهم في أمن من أي معكر خارجي ، حتى إذا انتهوا من الاستقرار التام فيه
، وباضوا وفرخوا في ربوعه ، انتقلوا إلى مايليه من بلاد الإسلام ، ولهذا فهم يفرضون
اليوم حتى على بعض العلماء بواسطة حكومات المنطقة أن يخدموا العلم الأمريكي ، ويسيروا
في ركابه ، حتى تحط رحال الصليب في كل العواصم ، فتُنزل بأمّة الإسلام كلّ قاصم .
ويبدو واضحا لكل ذي بصيرة أن الضغط الامريكي على حكوماتنا هو الذي بات يوجه الفتاوى الشرعية
، وهذا وإن كان لايحدث دئما بأسلوب مباشر ، غير أنه يمر عبر مراحل تنتهي بتوجيه الفتوى لصالح
السياسة الامريكية المفروضة على دولنا شاءت ام أبت ، وكأنّك ترى لو كان الروس هم الذين احتلوا
العراق أو أي دولة أخرى تنافس أمريكا ، كأنك ترى المتحمّسين اليوم للفتاوى المخذلة لإخوانهم
المجاهدين في العراق ، متجاوزين كل المعوقات ، متعامين عن كل شبهة ، يفتون بلا خوف من
سلطان ، ولا جزع من جلاد أو سجان ، بوجوب الجهاد كما كانوا يفتون أيام الجهاد الأفغاني ، في
سبيل إرضاء السياسة الأمريكية ، ولأصبح الجهاد في العراق أعظم من كل جهاد ، والمحرضون عليه جهابذة العلماء ، ليسوا خوارج ولا بغاة .
فسبحانك اللهم ، سبحانك مقلب القلوب والأبصار ، ثبت قلوبنا على دينك ، وثبت عقولنا ، ونجنا من الفتن ما ظهر منها وما
بطن ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين " إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا
فاغفرنا لنا وارحمنا وأنت غير الغافرين "