هل لدينا جمعيات نسائية واعية؟
زواج مسيار.. أي امتهان للمرأة
سمعت الكثير عن معنى "زواج المسيار" من أناس عاديين عرّفه كلٌ بطريقته وبحسب ما نقل إليهم، وقلت - بحسب ما نقل - إنه امتهان للمرأة واستغلال لضعفها، وقيل لكنه شرعي وتتوافر فيه شروط العقد الصحيح، فقلت كيف يبني الشرع شيئا فيه تعاسة للآخرين؟!
ولأن من يدعي اتباع الشرع والدين في تسويق مسائل تفوح منها رائحة الاستغلال يتطلب الوقوف أمامه بالدليل والاستئناس بأصحاب الرأي والعلم فقد اطلعت على بحث رصين للأستاذ أسامة عمر سليمان الأشقر بعنوان "مستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاقَ" عرج فيه بتفصيل مفيد حول هذه القضية ونشر في ملاحقه آراء علماء الشريعة أمثال د· إبراهيم الدبو، د· جبر الفضيلات، د· عبدالله الجبوري د· عمر سليمان الأشقر، محمد الزحيلي، د· محمد عبدالغفار الشريف، د· محمود السرطاوي، ومحمود خليل أبو الليل، د· نعمان السامرائي، د· وهبة الزحيلي·
وبداية يمكن تعريف ما يسمى بزواج المسيار بأنه عقد شرعي بين رجل وامرأة مستوفي الأركان لكن تقوم المرأة بالتنازل عن حقي السكن والنفقة!!
الأستاذ أسامة الأشقر ومن باب الأمانة العلمية عرض لـ 3 آراء حول هذا النمط المستحدث: الأول: القائل بالإباحة مع الكراهة ويمثلهم كل من العلماء (إمام المسجد الحرام سعود الشريم، وعضو هىئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والقاضي بمحكمة التمييز عبدالله بن منيع)·
الثاني: القائل بالحرمة: وهم من العلماء الذين ذكرناهم بداية، ويعتقدون أنه زواج استغلال·
الثالث: المتوقفون في المسألة لحاجتهم لمزيد من النظر ومن أمثالهم "بن عثيمين، د· عمر العيد الأستاذ بكلية أصول الدين في جامع الإمام محمد بن سعود" ولكنهم يعتقدون أنه - أي المسيار - صيغة استغلت من قبل ضعاف النفوس وأصبحت هناك مكاتب تتقاضى عمولة على عقد الزواج·
ولعل مريدي ومروجي هذا النوع من الزواج يعتمدون على الجانب الشكلي المتعلق بشروط العقد وتمامه، دون النظر إلى ما ينتج عن توثيقه وإتمامه·
فأول وأهم ما ينتج عن إتمام عقد ما يسمى زواج المسيار هو هدم مفهوم القوامة التي جاء بها القرآن الكريم "النساء 34" وهذا الزواج يقوم بالأساس على التنازل من قبل المرأة عن حقي الإنفاق والمبيت·· فكيف بالله عليكم يقضي شرع بذلك؟
يقول الأشقر في بحثه أن القوامة في زواج المسيار مختفية على ذلك، وإذا اختفت القوامة ضاعت مفاهيم أخرى من طاعة وتوجيه وإرشاد وقيادة ومسؤولية ويصبح دور الرجل هامشيا·
ويؤدي هذا النوع من الزواج كما يقول أيضا إلى "ضياع معاني الرجولة في مثل هؤلاء الناس، ومن ثم يقل تحفظهم وغيرتهم على نسائهم اللاتي لا يدرون عنهن إلا القليل من أخبارهن من خلال زياراتهم··"·
ويضيف أنه عندما تسقط النفقة عن الزوج فإن ذلك يخلق وضعا تصبح فيه المرأة مستعدة لمساعدة الآخرين، وربما أوصلها ذلك الحال - كما يرى الباحث - إلى مستنقعات الرذيلة·
ونتيجة أخرى يضيفها الأشقر وهي ضياع ثمرة الحياة الزوجية وهي بقاء النوع الإنساني وتكاثره لعمارة الأرض·
ويخلص في نهاء البحث إلى أنه "يجب منع هذا الزواج لما يترتب عليه من المفاسد وهذا الذي يسميه أهل العلم بسد الذرائع"·
وهنا يجدر بمؤسسات المجتمع المدني - وخاصة في دول الخليج - أن تحارب مثل هذه "الحيل" على ما هو مشروع ومحلل دينيا، إذ إن الزواج هو الزواج كما يعرفه الجميع، لا إضافة إليه ولا تشويه له، والجمعيات النسوية تحديدا معنية بشكل مباشر بهذا الموضوع، ومما يؤسف له هنا - ولدينا مثل في الكويت - يجري الترويج بشكل مكثف لمسألة "الحق السياسي" الذي لا جدال فيه، لكن قضايا تمتهن فيها المرأة يوميا لا تجد من يبحثها ويدافع عنها، الحق السياسي معركة تتصارع فيها أقطاب اجتماعية وسياسية داخل المجتمع، ويجب ألا تنغمس الحركة النسوية بتفاصيل هذا الصراع وتترك مواضيع لا تقل أهمية· وموضوع زواج المسيار أحد أهم هذه الموضوعات بما يمثله من تلاعب على الشرع وانتقاص لحقوق المرأة في حقي النفقة والمبيت بحجة أنها رضيت به وقت توقيع العقد·
لدينا مشكلة كبيرة في الكويت وسائر دول الخليج تتلخص في أن مشاكل اجتماعية خطيرة تنخر بالمرأة والطفل لكن طرقها لا يتعدى خطوط الهمس وحديث الصالونات، إن من أخطر الأمور تغليف الممارسات الإنسانية وتسويقها بأغطية دينية، ونموذج زواج المسيار هذا أحد أخطر الأمثلة التي على الرجل والمرأة تبنيها·· هو انتهاك لحقوق المرأة واستغلال لظروفها، فغالب من يتزوجن بهذه الطريقة من غير المقتدرات ماديا فيقبلن بـ "ظل رجل" ولكون هذا الزواج يشترط إسقاط النفقة فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما الخدمة التي قدمها الرجل الذي تزوج بالمسيار إذن؟!
أريد أخيرا أن أتناول بتلخيص شديد رأي العلماء الذين أجابوا الباحث أسامة الأشقر عن أسئلته حول هذا الزواج، والذين ذكرنا أسماءهم في بداية المقال:
- أ·د إبراهيم فاضل الدبو: "أميل إلى القول بحرمة زواج المسيار، لأنه لايحقق الغرض الذي يقصده الشارع من تشريعه الزواج، كما أنه ينطوي على كثير من المحاذير، إذ قد يتخذه بعض النسوة وسيلة لارتكاب الفاحشة والعياذ بالله بدعوى أنهن متزوجات"·
- د· جبر محمود الفضيلات: "هذا الزواج يؤدي إلى انتشار الرذيلة المستترة·· ولأنه يتعارض مع مقاصد الزواج"·· وفي موضع ثاني يقول "النفقة واجبة على الزوج، وتتنازل الزوجة عن النفقة لأنها غنية فكيف بالفقيرة"· وثالثا "إن إجازة هذا الزواج من أجل القضاء على العنوسة، وفي الحقيقة هو ترسيخ لمفهوم العنوسة الحقيقية"·
- أ·د عبدالله الجبوري: "مخالف مقتضى العقد من التنازل عن النفقة والمبيت والسكن، وإذا كان هذا التنازل قد جرى من المرأة قبل العقد فهو باطل، لأن هذه الحقوق لم تثبت لها بعد، فلا يصح تنازلها عنها"· ويضيف "ليس المقصود من الزواج في الإسلام قضاء الوطر الجنسي"·
- أ·د· سليمان عمر الأشقر: "لا نجده موافقا للنظام الشرعي في الزواج ولم يكن المسلمون يعرفون مثل هذا النوع في زواجهم"·
ويضيف "المتعاملون بزواج المسيار يخفون زواجهم،و ويتوارون خجلا حتى لا يعرفون"·
- د· محمد الزحيلي: "خالف مقتضى العقد ومقاصده الشرعية في الزواج من السكن والمودة" ويضيف "هو استغلال لظرف المرأة، فلو تحقق لها بزواج عادي لما قبلت بالأول، وفيه شيء من المهانة للمرأة"·
- د· محمد عبدالغفار الشريف: "بدعة ابتدعها بعض ضعاف النفوس الذين يريدون أن يتحللوا من كل مسؤليات الأسرة·· وقد تراجع عن إباحته فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين بعد أن كان يقول بإباحته"· ويضيف "العقود بمقاصدها لا بصورها"·
- أ· د· محمود السرطاوي: "من يشجعون زواج المسيار في بلاد الإسلام ومثله الزواج العرفي يقصدون هدم الأسرة وهدم المجتمع المسلم وإشاعة الجنس والفجور"·
خلاصة القول إن هذا النوع من الزواج وغيره من أنواع الزيجات كالزواج بنية الطلاق، والزواج العرفي، وزواج الـ (friend)، وزواج المتعة·· وكل نوع فيه أخذ ورد·· يجب أن يخضع لنقاش علني شفاف يبين من خلاله أخطاره وسلبياته بدلا من ممارسته في السر·
مظفر عبدالله