رفقاً بالحياءhttp://saaid.net/Doat/almosimiry/14.htm
الدكتور رياض بن محمد المسيميري
الحياءُ خلقٌ فاضل، يبعثُ على طلب المعالي والترفع عن السفاسف والدنايا، سيما بحضرة الآخرين .
وقد كان نبينا- عليه الصلاة والسلام- مثالاً يُحتذى في هذا الخُلُق العظيم ، حتى كان أشدُّ حياءً من العذراء في خدرها ، وكان من حديثهِ الثابت في الصحيح قوله : (( إنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) ومرّ- عليه السلام- على رجلٍ يعظُ أخاهُ في الحياء، فقال : (( دعه فإنّ الحياء لا يأتي إلاَّ بخير)) .
ومن عيون الشعر :
إذا لم تَصُن عِرْضاً وتخش خالقاً *** ولم وتستحِ مخلوقاً فما شئتَ فاصنعِ
أقول : جالت هذه الخاطرةُ في ذهني، حين أتأملُ في واقع مجتمعنا الإسلامي اليوم، وما آلت إليه أحوالُ كثيرٍ من الناس، من قلة الحياء، وعدم اكتراثٍ بسمعتهم أمام الآخرين .
فهذا الذي ينصبُ " دُشاً " فوق سطحِ منزله، يستقبلُ من خلالهِ كلّ شيءٍّ إلاَّ الفضيلة والعفة ، أتراهُ يستحي من الآخرين الذين أطبقوا بلسان حالهم أو مقالهم، بأنّ " الدش " رمزٌ للجراءة على الله، والاستخفاف بمحارمه ؟! .
وهذا الموظفُ المستخف بطوابير المراجعين ، المتأبطُ صحيفته، خارجاً من دائرة العمل إلى مصالحه الشخصية، دون اكتراثٍ بمشاعر الناظرين إليه ذهولاً أو حنقاً ، أتظنهُ يحتفظ ولو برصيدٍ قليلٍ من الحياء، يحجزه عن الفعل اللامسئوول ؟!
وهذا العالمُ أو المتعالمُ، الذي اقتحم منابر الإعلام بحقٍ أو باطل، ثم استهوته وَجاهةُ المكان، وأدهشتهُ عدساتُ التصوير، وأعجبتهُ إطلالته على الجماهير كلّ يوم أو يومين، فأخذ يُحلل ويُحرم، ويُقدِّم ويُؤخر بمحض هواه، بدعوى التيسير تارة ، وبحجة التنوير أخرى أ فتراه يستحي من الله سبحانه ، فضلاً عن أن يستحي من عبادهِ المُبتلين به، وبأمثاله من المُضللين الفتّانين ؟ !
وهذا المذيعُ أو المقدِّم (التلفزيوني) أو ( الفَضَائي ) ، الذي بالغَ في العناية بمظهره ، وترتيب " عمامته " ، وافتعال ابتساماتٍ متكلفات، ونظراتٍ مُريبات ، وحركاتٍ مشبوهات، أتظنهُ- أخي في الله يعرف الحياء، أو ألقى له بالاً في يومٍ ما ؟ !
وتلك المرأة المتبرجة المتعطرة، الذارعة الأسواق طولاً وعرضاً، تضاحك هذا، وتمازحُ ذاك من الباعة وغيرهم، وتفتن عباد الله ممّن لا يحتاجون كبير جهدٍ أصلاً، للوقوع في شَرَك الفتن، وأجا بيل الهوى، أيظن ظان أنّ مثل هذه تعرف الحياء، أو ذاقت له طعماً ؟ !
إنّ الحياء يا مسلمون خلقٌ معطلٌ لدى الكثيرين، ورغم ذلك قلّ من يدعو إليه، أو يحاضر من أجله أو يُناضل في سبيل إشاعتهِ في النفوس .
ولك أيُّها القارئُ الكريم أن تتصفح مناهج التعليم، لترى بنفسك كم هو مهمشٌ ذاك الخلق الرفيع وأمثاله، على صفحات مناهجنا، فألفيت طلاباً أغراراً، لا يوقرون معلماً، ولا يبّرون والداً أو والدة .
ودونك مقاعد فصولهم ، وحوائط مدارسهم ، ناطقةً بمنتهى ما لديهم من العلم والأخلاق !!
فإلى متى تظلُّ أخلاقنا الاجتماعية آخذةً في الانحدار، على حساب قيمنا ومبادئ ديننا العظيم .
ولم لا تقومُ وسائل الإعلام بدورها الحقيقي في إشاعة أسمى الأخلاق، وأنبل السلوك، في أرجاءِ المجتمع، سيما الجيل الجديد الواعد علَّ ذالك، يسهم على المدى البعيد في ترشيد أخلاقنا بعامة، والحياءَ الجميل بوجهٍ أخص ؟ .
ولتختفي أو تقل تلك المظاهر السائدة في أوساط مجتمعاتنا رغم أنوفنا، في غمرة الغفلة الكبيرة ، عن مصادر عزتنا ونهضتنا الأدبية والأخلاقية من كتابٍ وسنة.