بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
ان السالكين طريق رب العالمين لهم صفات ترشدهم، وتهديهم، تنير لهم الطريق، وتزلل لهم العقبات.. اول هذه الصفات الفهم ثم الاخلاص ثم ما جاء في هذا الكتاب..!!
إن النشاط والحرَكة، سلالِم المجد وآياتُ الرِّفعة، و الرجل الناشِط كالماء الجاري، طاهرٌ في نفسه مطهِّرٌ لغيره (يُصلِح نفسَه ويدعو غيرَه)، إنَّه كالرِّيح المرسَلة، لا يستطع الخمول أو الكسل أو التماوت، وإحساسه بنفسه يجعله دائمًا ملبِّيًا للنداءِ، كما قال طَرَفةُ بن العَبْد:
إِذَا الْقَوْمُ قَالُوا مَنْ فَتًى خِلْتُ أَنَّنِي دُعِيتُ فَلَمْ أَكْسَلْ وَلَمْ أَتَبَلَّدِ
لمَّا علِم موسى - عليه السلام - أنَّ هناك رجلاً أعلمَ منه، ورغب في الأخْذ عنه، والاستفادة منه، قال لخادمه: ﴿ لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ﴾ [الكهف: 60].
ولَمَّا دُعي لملاقاة ربِّه، مضى لفوره؛ كما قال - تعالى -: ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 83 - 84].
والمسلِمون عندما لبُّوا النِّداء، وتجاوبوا مع وحيِ السماء؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24]، ﴿ يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ ﴾ [الأحقاف: 31].
عندما تفاعَلوا مع هذه الكلمات، وغيرها مِن كتاب الله الذي هو منهجُ حياة، تربَّع على عروشهم أصفاهم قلْبًا، وأزكاهم نفْسًا، وأطهرهم ضميرًا، وأنضجهم عقلاً، قادَهم أتْقاهُم لله، وأرْحمُهم بعِباد الله، وأحْرصهم على حقِّ الله، وأحْفظهم لحدود الله، وأعْلمهم بالحلال والحرام؛ ﴿ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 73]، أمَّا عندما تمكَّنتِ السلبية من قلوب البشَر، تربَّع على عروشهم السلبيُّون، الذين لا يعرفون ربًّا، ولا ينصرون حقًّا، ولا يحفظون حدًّا، ولا يُقيمون فرضا، ولا يُنفذون وعدًا، ولا يراعون عهدًا، ومِن ثَمَّ لا ترتفع لهم راية، ولا ينتصر بهم دِين، ولا تتحقَّق لهم غاية.
إنَّ دعوه الإسلام لا تنتصر بأصحابِ المنافع، ولا بأرباب المصالِح، ولا بطلاَّب الدنيا، ولا بالباحثين عن الأضواءِ والشُّهرة، ولا بالمعطِّلين للدعوة الصادِّين عن سبيل الله، وقد حثَّ الله - عزَّ وجلَّ - نبيَّه - - صلى الله عليه وسلم- - منذ أوَّل لحظة على الإيجابيَّة؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ [المدثر: 1 - 2]، وخاطبَهم من قَبل ذلك بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً ﴾ [المزمل: 1 - 2].
وأعْلمَ نبيَّه - - صلى الله عليه وسلم- - كيف يدعو الناس إلى الله؛ ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ﴾ [سبأ: 46]، وقد خاطَب المصطفى - - صلى الله عليه وسلم- - أمَّتَه بما يضمنَ صلاحَها، ويضع عنها وزرَها، ويرفع عنها إصْرها؛ قال - تعالى -: ﴿ اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ﴾ [الشورى: 47].
اللهم شرفنا بالعمل لدينك، ووفقنا للجهاد في سبيلك، امنحنا التقوى وأهدنا السبيل وارزقنا معيتك، وأورثنا جنتك، اللهمَّ ارزُقْنا الإخلاص في القوْل والعمل، ولا تجعل الدنيا أكْبر همِّنا ولا مبلغَ عِلمنا.
وصلِّ اللهمَّ على سيِّدنا محمَّد، وعلى آله وصحْبه، وسلَّم، والحمد لله ربِّ العالمين.