التحذير من النفاق
--------------------------------------------------------------------------------
قال تعالى:(وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا ) النساء آية 140.
أولى مراتب النفاق أن يجلس المؤمن مجلس يسمع فيه آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها، فيسكت ويتغاضى يسمي ذلك تسامحاً أو يسميه دهاء أو يسميه سعة صدر وأفق وإيماناً بحرية الرأي !!! وهي هي الهزيمة الداخلية تدب في أوصاله; وهو يموه على نفسه في أول الطريق حياء منه أن تأخذه نفسه متلبساً بالضعف والهوان !
إن الحمية لله ولدين الله ولآيات الله هي آية الإيمان وما تفتر هذه الحمية إلا وينهار بعدها كل سد; وينزاح بعدها كل حاجز وينجرف الحطام الواهي عند دفعة التيار وإن الحمية لتكبت في أول الأمر عمداً ثم تهمد ثم تخمد ثم تموت!
فمن سمع الاستهزاء بدينه في مجلس فإما أن يدفع وإما أن يقاطع المجلس وأهله فأما التغاضي والسكوت فهو أول مراحل الهزيمة وهو المعبر بين الإيمان والكفر على قنطرة النفاق!
وقد كان بعض المسلمين في المدينة يجلسون في مجالس كبار المنافقين ذوي النفوذ وكان ما يزال لهم ذلك النفوذ وجاء المنهج القرآني ينبه في النفوس تلك الحقيقة حقيقة أن غشيان هذه المجالس والسكوت على ما يجري فيها هو أولى مراحل الهزيمة وأراد أن يجنبهم إياها ولكن الملابسات في ذلك الحين لم تكن تسمح بأن يأمرهم أمراً بمقاطعة مجالس القوم إطلاقاً فبدأ يأمرهم بمقاطعتها حين يسمعون آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها وإلا فهو النفاق وهو المصير المفزع مصير المنافقين والكافرين:
"وقد نزل عليكم في الكتاب: أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً"...
والذي تحيل إليه الآية هنا مما سبق تنزيله في الكتاب هو قوله تعالى في سورة الأنعام ـ وهي مكية ـ "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره"...
والتهديد الذي يرتجف له كيان المؤمن:
"إنكم إذاً مثلهم"...
والوعيد الذي لا تبقى بعده بقية من تردد:
"إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً"...
ولكن قصر النهي على المجالس التي يكفر فيها بآيات الله ويستهزأ بها وعدم شموله لكل علاقات المسلمين بهؤلاء المنافقين يشي ـ كما أسلفنا ـ بطبيعة الفترة التي كانت تجتازها الجماعة المسلمة ـ إذ ذاك ـ والتي يمكن أن تتكرر في أجيال أخرى وبيئات أخرى كما تشي بطبيعة المنهج في أخذ الأمر رويداً رويداً; ومراعاة الرواسب والمشاعر والملابسات والوقائع في .. عالم الواقع .. مع الخطو المطرد الثابت نحو تبديل هذا الواقع !
"ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً"..
وفي تفسير هذه الآية وردت رواية أن المقصود بهذا النص يوم القيامة حيث يحكم الله بين المؤمنين والمنافقين فلا يكون هناك للكافرين على المؤمنين سبيل.
كما وردت رواية أخرى بأن المقصود هو الأمر في الدنيا بأن لا يسلط الله الكافرين على المسلمين تسليط استئصال وإن غلب المسلمون في بعض المعارك وفي بعض الأحايين.
وإطلاق النص في الدنيا والآخرة أقرب، لأنه ليس فيه تحديد.