الورطة القوية
للمرجئـة الغـوية
الحمد لله القائل : (بَلْنَقْذِفُبِالْحَقِّعَلَىالْبَاطِلِفَيَدْمَغُهُفَإِذَاهُوَزَاهِقٌ ) [ الأنبياء : 18]،والصلاةوالسلامعلىمنأتىبكلسمحٍرائعٍرائق،أما بعد :
فإن مرجئة العصر قد شنجوا مسامعنا وأصموا آذاننا، بقولهم الضعيف السخيف : " إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر " . أهـ
وإننا بدورنا لن نرد على شبهتهم هذه هاهنا، فقد كفانا مشايخنا وعلمائنا مؤنة الرد عليها، فقاموا بقتل المسألة بحثاً، وحثوا الناس إلى الحق حثاً، ويكفي المنصف الأريب، أن يطالع كتاب شيخنا الحبيب أبي محمد المقدسي حفظه الله ورعاه، وسدد على الحق خطاه " إمتاع النظر، في كشف شبهات مرجئة العصر " [ ص 37 وما بعدها ] أو " كشف شبهات المجادلين عن عساكر الشرك وأنصار القوانين " [ ص 9 وما بعدها ] ففيها هداه، بعون الإله .. ولله در حارثة بن بدر الغداني حين قال :
إذا ما قتلت الشيء علماً فقلْ بهِ ولا تقلْ الشيءَ الذي أنت جاهلهْ
!
ولكننا هاهنا سنجاري المرجئة فيما ذهبوا إليه من باب المجادلة والمحاجة، كما قال الله تعالى: ( مَااتَّخَذَاللَّهُمِنْوَلَدٍوَمَاكَانَمَعَهُمِنْإِلَهٍإِذًالَذَهَبَكُلُّإِلَهٍبِمَاخَلَقَوَلَعَلَابَعْضُهُمْعَلَىبَعْضٍ ) [ المؤمنون : 91 ] ()، فنقول - وعلى الله وحده نعول - :
صحيح " إن الحكم بغير ما أنزل الله كفر دون كفر "، ولكن هؤلاء الحكام قد امتنعوا بقوة السلاح والرجال عليه ؛ فتهمة " الخيانة العظمى " و " إطالة اللسان " تنال كل من طعن بلسانه لا بسنانه في الحكم بغير ما أنزل الله، وقانون مكافحة الإرهاب بالمرصاد، لكل داعية لتحكيم شريعة رب العباد، فقد نصت المادة السادسة من قانون مكافحة الإرهاب على أن ( يعاقب بالسجن المؤبد كل من أنشأ أو أسس أو نظم أو أدار على خلاف أحكام القانون جمعية أو هيئة أو منظمة أو جماعة أو عصابة أو فرعاً لإحداها، أو تولى زعامة أو قيادة فيها، يكون الغرض منها الدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور أو القوانين... )..
فصار حكم هؤلاء الحكام الذين امتنعوا على ترك الحكم بما أنزل الله والحكم بسواه - وهو كفر دون كفر، كما هو مقرر عند مرجئة العصر – كحال الذين امتنعوا على ترك الزكاة وهي كفر دون كفر (). فلا خلاف إذن في كفر هؤلاء الحكام حتى لدى مرجئة العصر ؛ فإن الأمة الإسلامية بسلفها وخلفها قد أجمعت على كفر الممتنع على ارتكاب ما هو كفر دون كفر :
قال الإمام الجصاص رحمه الله في تفسير قوله تعالى ( فَلَاوَرَبِّكَلَايُؤْمِنُونَحَتَّىيُحَكِّمُوكَفِيمَاشَجَرَبَيْنَهُمْثُمَّلَايَجِدُوافِيأَنْفُسِهِمْحَرَجًامِمَّاقَضَيْتَوَيُسَلِّمُواتَسْلِيمًا ) [النساء: 65]: وفي هذه الآية دلالة على أن من ردّ شيئاً من أوامر الله تعالى، أو أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فهو خارج من الإسلام، سواءً ردّهُ من جهة الشكِ فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم، وذلك يوجب صحة ما ذهب إليه الصحابة رضي الله عنهم في حكمهم بارتداد من امتنع من أداء الزكاة وقتلهم وسبي ذراريهم لأنّ الله تعالى حكم بأنّ من لم يسلِّم للنبيّ صلى الله عليه وسلم قضاءه وحكمه فليس من أهل الإيمان . أهـ()
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما سُئِل عن قتال التتار مع نُطقهم بالشهادتين وزعمهم باتباعهم أصل الإسلام : ...كل طائفة ممتنعة عن الالتزام بشرائع الإسلام الظاهرة() من هؤلاء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه وإن كانوا مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه كالصلاة ، كما قاتل أبو بكر والصحابة رضي الله عنهم مانعي الزكاة، وعلى هذا اتفق الفقهاء بعدهم ، فأيّما طائفة امتنعت عن الصلوات المفروضات أو الصيام أو الحج أو عن التزام جهاد الكفار ... فإن الطائفة الممتنعة تُقَاتَل عليها وإن كانت مقرّة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء ، وهؤلاء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة بل هم خارجون عن الإسلام.... أهـ ()
وقال أيضاً رحمه الله : ...فأيّما طائفة امتنعت من بعض الصلوات المفروضات ، أو الصيام ، أو الحج ، أو عن التزام تحريم الدماء ، والأموال ، والخمر ، والزنا ، والميسر، أو عن نكاح ذوات المحارم ، أو عن التزام جهاد الكفار، أو ضرب الجزية على أهل الكتاب، وغير ذلك من واجبات الدين ومحرماته التي لا عذر لأحد في جحودها وتركها التي يكفر الجاحد لوجوبها، فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرّة بها، وهذا مما لا أعلم فيه خلافاً بين العلماء، وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السُنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة ، عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تُقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟ فأمّا الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة... فهم خارجون عن الإسلام... أهـ()
وقد نقل إجماع الصحابة رضي الله عنهم على تكفير مانعي الزكاة القاضي أبو يعلى رحمه الله في مسائل الإيمان بقوله: (وأيضا هو إجماع الصحابة وذلك أنهم نسبوا الكفر إلى مانعي الزكاة وقاتلوهم وحكموا عليهم بالردة).أهـ
وقال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (قال ابن تيمية رحمه الله في آخر كلامه على كفر مانعي الزكاة: والصحابة لم يقولوا هل أنت مقر بوجوبها أو جاحد لها، هذا لم يعهد عن الصحابة بحال بل قال الصديق لعمر رضي الله عنه.. والله لو منعوني عناقا.. لقاتلتهم على منعها، فجعل المبيح للقتال هو مجرد المنع لا جحد وجوبها، وقد روى أن طوائف منهم كانوا يقرون بالوجوب لكن بخلوا بها، ومع هذا فسيرة الخلفاء فيهم واحدة، وهي قتل مقاتلهم وسبي ذراريهم وغنيمة أموالهم والشهادة على قتلاهم بالنار، وسموهم جميعا أهل الردة) [الدرر السنية 8 / 131].
ولما سُئل الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ – مفتي بلاد الحرمين سابقاً – هل قتال مناعي الزكاة قتال ردة أم لا ؟ قال: (الصحيح أنه ردة، لأن الصديق رضي الله عنه لم يفرق بينهم، ولا الصحابة ولا من بعدهم) . أهـ [فتاوى ورسائل الشيخ نقلا عن كتاب الجامع 2 / 460].
وأقوال العلماء في تقرير هذه المسألة مشهورة منشورة، فمن امتنع عن شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة يُقاتل قتال المرتدين، فكيف بمن امتنع عن جميع شعائر وشرائع الإسلام فلم يُحكم الإسلام لا في قليلٍ ولا في كثير، لا في عظيمٍ ولا في حقير ؟!!!
بل وكيف بمن زاد على امتناعه على الحكم بغير ما أنزل الله موالاته لأعداء الله ومناصرتهم على المسلمين – كما هو حال الحكام - ؟!!! قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في سياق فتواه في التتار : ( وإذا كان السلف قد سموا مانعي الزكاة مرتدين – مع كونهم يصومون ويصلون ، ولم يكونوا يقاتلون جماعة المسلمين – فكيف بمن صار مع أعداء الله ورسوله قاتلاً للمسلمين ؟!).أهـ [ مجموع الفتاوى 28/289 ]
فهؤلاء الحكام مرتدون كفار، بإجماع العلماء الأبرار، ولا يتوقف تكفيرهم على شروط التكفير وموانعه والاستتابة ونحوها، فالصحابة لم يتوقفوا عن تكفير الممتنعين بهذه الحجة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الصارم المسلول ص 322 : ( المرتد لو امتنع بأن يلحق بدار الحرب ، أو بأن يكون المرتدون ذوي شوكة يمتنعون بها عن حكم الإسلام، فإنه يقتل قبل الاستتابة بلا تردد ) أهـ . وقال أيضاً فيه ص325 –326: ( على أن الممتنع لا يستتاب وإنما يستتاب المقدور عليه ) أهـ .
وبعد .. فإن الورطة التي سقط فيها مرجئة العصر تكمن في قولهم أن الحكم بما أنزل الله فريضة وتركه والحكم بسواه كفر دون كفر، ولقد تبين لكل ذي عينين أن الامتناع على ترك فريضة أو الامتناع على ارتكاب محرم كفر ناقل عن الملة .. فلا يُخرج مرجئة العصر من هذه الورطة إلا أن يزعموا أن الحكم بما أنزل الله سنة مستحبة مندوبة ! فعندئذ فقط يحصل الخلاص لهم غير الأكيد، كما مر معنا من كلام شيخ الإسلام في ذكر الخلاف في قتال الممتنع على ترك السنن فقال رحمه الله : وإنما اختلف الفقهاء في الطائفة الممتنعة إذا أصرت على ترك بعض السُنن كركعتي الفجر والأذان والإقامة ، عند من لا يقول بوجوبها ونحو ذلك من الشعائر، هل تُقاتل الطائفة الممتنعة على تركها أم لا ؟ فأمّا الواجبات والمحرمات المذكورة ونحوها فلا خلاف في القتال عليها، وهؤلاء عند المحققين من العلماء ليسوا بمنزلة البغاة... فهم خارجون عن الإسلام...أهـ()
وأخيراً أقول لكل من قرأ ما سقناه في هذه الورقات، أجب داعي الحق ودع عنك الهرطقات :
واعلمْ هُـديتَ بأنهــا حُججٌ تكونُ عليكَ منكَومن كابر وأخذته العزة بالإثم أقول له : " ردها عليّ إن استطعت ! "، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
وكتب
: أبو همام بكر بن عبد العزيز الأثري
"
ضاع الإرجاء بين قلمي ومنبري "
1430هـ - 2009م
ملاحظه
وضعت الموضوع هنا لأني أعلم أنهم سينقلونه هنا فأحببت توفير العناء عنهم
تقبلوا تحياتي