الصوفيون : لآ يأكلون ولا ينامون ولا يختلطون بالبشر ؟؟؟
الاكل والشرب والنوم ضروريات بشريه ..وليس من صفات الخالق تعالي ان يأكل ( قل اغير الله اتخذ وليا ؟ فاطر السماوات والارض وهو يطعم ولا يطعم – الانعام 14) , وليس له ان ينام ( لا تاخذه سنه ولا نوم .. البقره 255 ) , وزاد الصوفيه علي ذلك العزله عن البشر واجتنابهم طالما يطمحون للسمو فوق البشريه إلي الالوهيه وقد جعل الغزالي من صفات الولي : السهر والجوع والصمت والخلوه ليشابه الله او علي حد قوله (ليسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضره الربوبيه )( احياء ج3 /65: 66 ) . ويقول عن قله النوم إذا كان النوم بقدر الضروره يكون سبب المكاشفه بالاسرار – يقصد العلم الإلهي اللدني . وعن الجوع يقول (مقصود المريد إصلاح قلبه ليشاهد ربه ويصلح لقربه .. أما الجوع فإنه ينقص دم القلب ويبيضه وفي بياضه نوره , ويذيب شحم الفؤاد وفي ذوبانه رقته , ورقته مفتاح المكاشفه ) , ويقول عن الخلوه ( فائدتها دفع الشواغل وضبط السمع والبصر .. ففي مثل هذه الحاله يسمع نداء الحق ويشاهد جلال الحضره الربوبيه ( احياء ج3/65 :66 ) وهدفها الاستئناس بمناجاه الله تعالي والاشتغال باستكشاف أسرار الله تعالي في امر الدنيا والاخره وملكوت السماوات والارض , فإن ذلك يستدعي فراغا ( احياء ج2/ 201: 202 ) ولم يجد الغزالي دليلا قرانيا أو حديثا صحيحا فاستدل بأقوال الصوفيه ومنها ( من طوي لله اربعين يوما ظهرت له قدره من الملكوت , اي كوشف ببعض الاسرار الإلهيه ( احياء ج3/78 ) وفي العصر المملوكي طبقت تعاليم الغزالي فيما يخص الاعتقاد فيمن يدعي العزله وعدم الاكل والشرب مده طويله أو يشتهر عنه ذلك, فقيل مثلا في (ترجمه ابي علي حسينالصوفي 891) انه مكث بخلوه في غيط خارج باب البحر اربعين سنه لآ ياكل ولا يشرب وباب الخلوه مسدود ليس له إلآ طاقه يدخل منه الهواء , ثم خرج بعدها واظهر الكرامات والخوارق ( شذرات الذهب ج7/350 ) اي انه بعد ان تخلص من ( الحجاب ) البشري (الكثيف ) خرج للبشر بمؤهلات الالوهيه من كرامات وخوارق وتصريف في ملك الله تعالي ..وصار تقليدا صوفيا ان يدعي الشيخ او يشتهر عنه انه امتنع عن الاكل والشرب او النوم او هما معا مده طويله من الزمن قد تصل الي اشهر وسنوات تبعا لكميه الكذب التي تفيض بها الاسطوره .. فمعلوم ان طاقه البشر في الامتناع عن ضرورات الاكل والشرب والنوم محدوده بزمن معين ومعلوم – ايضا – ان الصوفيه بشر فيسري عليهم ما يسري علي علي البشر من خضوع لقوانين الله تعالي في خلقه . وبهذا فاننا نحكم علي تلك الروايات – قبل سردها بانها كاذبه لمناقضتها لقوانين البشر وتحملهم .. وقد قيل عن ابن خفيف انه ظل اربعون يوما بلا طعام ولا شراب (روض الرياحين 58) . وابن خفيف هذا امره ( خفيف ) فقد كان في بدايه التصوف ولا يتحمل عصره اكذوبه اكثر من هذه ..وبمرورالزمن وانتشار التصوف واذدياد نفوذه اذدادت الاكاذيب ومده الجوع فقيل عن ابن عمرو التباعي (ت702) انه كان يمكث الاشهر لا ياكل ولا يشرب , وفي السنه التي توفي فيها اقام سبعه اشهر ما ذاق فيها طعاما ( النبهاني كرامات الاولياء ج1/ 137) . ربما لتاهبه للتاليه الكامل حتي يتضخم ضريحه ويكثر اتباعه بعد موته .. وجاء القرن التاسع فعد من كرامات ابن عرب الصوفي (ت830) انه – أقام اكثر من عشرين سنه لا يشرب الماء أصلا ( الضوء الامع ج1/ 201) وعن النوم قيل في الاحياء ان الحريري مكث سنه بلا نوم ولا كلام ( احياء ج4/ 350) وان ابن عباش مكث اربعين عاما لا يضع جنبه علي فراش ( احياء ج4/ 35) اما في العصر المملوكي فقد تفاوتت الارقام تفاوتا عجيبا .. فيقال عن الكازروني انه ربما مكث الخمسه شهور او اكثر لا يضع جنبه الارض لا ليلا ولا نهارا (الطبقات الكبري للشعراني ج2/ 163) . وقد سال الشعراني شيخه الخواص عن قوله تعالي (لا تاخذه سنه ولا نوم ) هل خلع الله هذه الصفه علي احد من عباده المقربين فأجاب نعم – عيسي بن نجم الذي مكث سبعه عشر عاما لم يغمض له جفن في ليل او نهار ( الجواهر والدرر140- 141- 142 ) وقيل عن سلمان الحانوتي مكث نحو سبعه وثلاثين سنه لا يضع جنبه الارض كما اخبر بذلك ( الطبقات الكبري للشعراني ج2/169) وطبعا قال فصدقوه .. وابن المؤذن مكث اربعين سنه لا يضع جنبه علي الارض بالليل ( الشعراني . صحبه الاخبار 136) وطبعا لا يضع جنبه الارض بالنهار ايضا .. اما علي العياش فقد مكث نحو نيف وسبعين سنه لا يضع جنبه الارض الا من مرض شديد ( الطبقات الكبري للشعرانيج2/169) وذلك المرض استثناء لطيف حتي نصدق ان انسانا يظل اكثر من سبعين عاما بلا نوم .. ويمكن ان نقول ان الشيخ خلف من اصحاب البدوي حطم كل تلك الارقام القياسيه فقد كان لا يضع جنبه الارض ليلا ولا نهارا طيله حياته (عبد الصمد .. الجواهر السنيه 28) . وبعضهم جمع بين الجوع والسهر والعطش او اثنين منهما فقد قيل لابي يزيد البسطامي حدثنا عن مشاهداتك من الله تعالي , فصاح ثم قال : ويلكم لا يصلح لكم ان تعلموا ذلك , قيل فحدثنا بأشد مجاهداتك لنفسك فقال : وهذا ايضا لا يجوز ان اطلعكم عليه , قيل فحدثنا عن رياضه نفسك في بدايتك فقال نعم , دعوت نفسي الي الله فجمحت علي فعزمت عليها ان لا اشرب الماء سنه ولا اذوق النوم سنه فوفت لي بذلك ( احياء ج4/ 304 ) . فالبسطامي في بدايته ترك الماء والنوم سنه , فكيف به بعد ان وصل ..؟؟ وقال اليافعي عن احد اصحابه وله الي تأريخ تأليف هذا الكتاب خمس عشره سنه لم يضع جنبه الارض , ويمكُث اياما عديده لا يأكل فيها شيئا ( روض الرياحين179) وذكر في مناقب البدوي انه كان يطوي اربعين يوما لا يتناول طعاما ولا شرابا وفي اكثر اوقاته يكون شاخصا ببصره الي السماء ( الجواهرالسنيه 6,7,10) . وعيسي بن نجم البرلسي قال المرصفي عنه انه مكث سبعه عشر سنه لا يأكل ولا يشرب ولا ينام وهو علي وضوء واحد (الشعراني : تنبيه المغترين 13) أي لا يتغوط ولا يتبول .. فماذا بقي للبشريه فيه ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
من قطوف وثمار الكتب