لولا اللين ما ثبتوا ساعة
محمد جلال القصاص
كانت يهودُ تسكن الوادي جنوب المدينة المنورة ، متجاورون في حصونهم ... بنو قريظة وبنو النضير وبنو قينقاع ، ونزلت عليهم الأوس والخزرج [1]بين الحرتين ، وفي الشمال على بعد مئة ميل فقط من المدينة المنورة يهود خيبر ويهود وادي القرى ويهود فَدَك ،. . جمع غفير من اليهود في حصونٍ على الجبال يملكون العدد والعتاد . . . تُساندهم قبائل غطفان وذراع من المنافقين داخل الصف المؤمن ، ولك أن تقارن بين عدد المسلمين ( أقصى ما وصلوا إليه في حربهم مع اليهود كان ألف وأربعمائة يوم خيبر ) وبين عدد اليهود ( يهود قينقاع والنضير وقريظة وخيبر ووادي القرى وفدك . ومن عاونهم من غطفان) ، ولك أن تقارن بين تجهيزات اليهود من حصون وآلات حرب ووفرة في المال والمئونة ، وبين حال المسلمين وهم مائتا فارس[2] ليس معهم إلا السيوف والحراب وبعضهم حاسر لا شيء عليه . وهم يقاتلون على جميع الجبهات .
لم أقصد أن أنبه على أن العدد ليس من الأهمية بمكان ، ولكن لاحظت من تدبري لحال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ مع يهود في القتال وفي الدعوة باللسان ، أنهم لم يخرجوا إليه أبدا لا بالسيوف ولا بالشبهات .
اتفقوا على مخالفة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ وعداوته ، ولم يخرجوا إليه ، بل قلَّبوا الأحزاب حتى أحاطوا بالمدينة ولم يشاركوا معهم بجيش ... فقط غدرت قريظة حين بدى لها أن معسكر المسلمين في خطر قد يذهب به .
وكان المنطق يقول أن يبدؤوه بالقتال حين هاجر إلى المدينة ، وأن يقضوا على الدعوة في مهدها ، ولكنها يهود .
بل لم يتعاونوا مع بعضهم حين كان النبي يقاتل فريقا منهم . وتدبر :
أُجْلِيَت بنو قينقاع ، وجيرانُهم من بني قريظة والنضير يتفرجون ولم يحركوا ساكنا .
وحدث ذات الشيء مع بني النضير ولم تتحرك قريظة لنصرتهم .
وحوصرت قريظة ورضيت بالتحكيم ( وهي تعلم أنه الذبح[3] ) ولم تقاتل .
ويهود خيبر كانوا وراء الجدر يرمون بالسهام ، وحين التحمت الصفوف لم يثبت إلا نفر أو نفران ــ وهي قلة لا يُقاس عليها ــ وفرَّ الباقون إلى الحصن المجاور ثم الذي يليه حتى نزلوا على الصلح ، ورضوا بالزرع وأذناب البقر .
وفي أمر الشبهات ، لم تكن يهود تذهب إلى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتحاوره هي بنفسها ــ إلا قليلا جدا ــ وإنما احتضنت المنافقين وأمدتهم بالشبهات كيما يتكلمون هم بها[4] .
ــ ويلاحظ أن النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ كان شديد الخشونة في التعامل مع يهود حين تتطاول ، ولك أن تطالع كتب السير وكل من كتب عن الوقائع بين الرسول واليهود ، لترى أنه ليس بين كشف عورة المرأة في سوق بني قينقاع وبين حصارهم أي شيء ، لا يوجد أي كلام بين حادث الغدر ــ كشف عورة المرأة ــ وبين الحصار والإصرار على قتلهم لولا وقاحة ابن سلول في شفاعته لهم .
وحين حاولت يهود بني النضير اغتيال رسولَ الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ لم يتكلم ولم يفاوض ولم يُظهر اعتبارا لهم ولحصونهم ، ولا لأعوانهم المندسين بين الصفوف ، وقد ساندوا بني قينقاع بالأمس وشفعوا فيهم فلم يقتلوا ــ أعني المنافقين ــ ، بل وتسربت الأخبار أنهم تراسلوا في الخفاء وتقاسموا على النصرة [5]، ولا لجيرانهم من إخوانهم بني قريظة ولا لأهل خيبر ووادي القرى وفدك وحلفائهم من غطفان .... لم يلتفت لهذا كله . كان الرد حازما جدا ، وسريعا جدا .
وغدرت قريظة فذبحت وما أمهلت قدر صلاة .
ثم تحرك لخيبر وهو يعلم جيدا مناعة حصونها وعدد رجالها وأن ورائهم غطفان ... وكان ما كان .
إن يهود هي يهود ... تجمع وتستكثر ، وتُجعجع وتزمجر أمام نساءها وصبيانها وأذنابها من المنافقين ، وتكبر في حس كل مرجف جبان أحب الحياة الدنيا على الآخرة ، فيملأ ( الفضاء ) بإرجافه، وحين ترى يهود الموت لا تحملها ساقُها وتلقي سلاحَها وإن كانت مستيقنة من أنه الذبح ــ وليس إلا الموتُ يرجعها ــ .
فوالله لو لا اللين لما ثبتوا ساعة ، فليسوا بأشجع من مَرَحَبْ وبن أخطب . واقرؤوا التاريخ .
وفي المقابل حين تظهر يهود تقتل النساء والصبيان والشيوخ والشبان . . . وكتابهم يأمرهم بهذا [6]خندقُ اليهود لا يقف فيه اليهود وحدهم بل يقف فيه الأحمق المطاع بجيشه الجرار ( عُيَيَّنَة بن حصن بالأمس وبوش اليوم ) ويقف فيه المنافقون الذين يحملون أسماء إسلامية ويدّعون الانتساب للإسلام وأنهم يفعلون ذلك من باب العقلانية وخشية الدوائر .والكل يرمي على الصف المؤمن . منقول للفائده