بسم الله الرحمن الرحيم
إن البلاد لا تعمر إلا بساكنيها , والدين لا يقوم إلا بأهله , ومتى قاموا به نصرهم الله مهما كان أعدائهم , قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } وإذا كان الدين لا يقوم إلا بأهله فإن علينا - أهل الإسلام وحملة لوائه – أن نقوم بأنفسنا أولاً , لنكون أهلاً للقيادة والهداية , ومحلاً للتوفيق والسداد .
وإن الأجدر بنا أن ننطلق من البداية فنتأمل في شبابنا وما هم عليه من أفكار وأعمال, كي ننمي منها ما كان صالحاً ونصلح منها ما كان فاسداً , لأن الشباب اليوم هم رجال الغد , وهم الأصل الذي ينبني عليه مستقبل الأمة فإذا صلح الشباب وهم الأصل , وكان صلاحاً مبنياً على دعائم قوية من الدين والأخلاق , فسيكون للأمة مستقبل زاهر , ولشيوخها خلفاء صالحون إن شاء الله .
تساؤلات ؟؟؟
هل تأملت هذا الرجل الذي احدودب ظهره وابيض شعره وتثاقلت خطاه وخارت قواه وسقط حاجباه , وتناثرت أسنانه ؟
فهو يقوم بصعوبة , ويجلس بصعوبة , وينام بصعوبة , ويصلي بصعوبة , وصوم بصعوبة , ويأكل بصعوبة ويشرب بصعوبة , ويقضي حاجته بصعوبة !!
هل تأملت هذا الرجل ؟ ألم يكن شاباً مثلك ؟
يعيش حياة الشباب .. ويسير سيرهم .. ويلهوا لهوهم .. ويلعب لعبهم .. لقد ظن هذا الرجل أن أيام الشباب طويلة وأن قوة الشباب قاهرة , وأن نظرة الشباب تزهو على الليالي والأيام!!
واليوم .. وبعد أن كبرت سنه , وضعف بنيانه , وتنوعت أسقامه , يبكي على ما ضاع من عمره في اللهو واللعب , يبكي على قوة الشباب التي ولت , وعلى نضرة الحيوية التي استبدلت بالكبر والشيخوخة , ويتمنى أن يعود إليه شبابه وقوته ليصرفها في طاعة الله ومرضاته ..
ولكن ... ولكن ماذا ؟!
أظنك تعرف الجواب .. فأنت ذو عقل راجح ولسان طلق وعضلات مفتولة وقوة على التعبير بليغة , ولذلك اخترتك لتقرأ رسالتي هذه ..
إنها لك لا لغيرك , نعم أنت من أريد .. أنت .. أنت من أبحث عنه طويل السنين .. أنت من أرق عيني التفكير فيه , ومن أوجل قلبي شفقة عليه .. اخترتك لأنك حفيد العزة , وصاحب ميدان الإباء والطموح , أنت الذي في قلبك شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ..
أكتب لك هذه الكلمات من قلب مفعم بالحب لك وحدك .. كلمات هي قطرات دم , وآهات نفس , ودموع عين , وزفرات قلب ... ولتعلم العلم اليقين أن ما خرج من القلب وافق القلب ينتج الشيء الكثير ...
حديث الروح للأرواح يسري *** وتدركه القلوب بلا عناء
وقفات عجلى .. وكلمات حرى ... ليس لك جامع إلا أنك قارئها ... ومن ثم ...
الأولى : بدون عنوان ؟! ..
ما الذي جعل أبو طالب – عم رسول الله صلى الله عليه وسلم – خالداً مخلداً في ضحضاحٍ من النار بعد أن كان على قاب قوسين أو أدنى من الإسلام ؟!! إن كنت تعرف الجواب فانتقل للوقفة الثانية .. حيث إنك قد فهمت المقصود وإلا فازدد علماً ..
إنه أخي المبارك – صديق السوء : أبو جهل - عليه لعنة الله – وإن الأصدقاء على قسمين : صديق مخلص , وفي إذا احتجت إليه كان نعم العون , وإن استشرته كان نعم المشير , وإن رآك على انحراف بين لك الصواب والطريق , وإن جالسك كان نعم الجليس الصالح يمدك بالمعارف , ويحافظ على وقتك بما هو نافع , مزاياه أكثر من أن تعد قال تعالى :{ الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف :67]
والقسم الثاني : صديق الرخاء والسوء وهو من إذا رجا منك غرضاً أو حاجة كان لك الصديق الحميم , لسانه أحلى من العسل وقلبه قلب ذئب , يموه الحقائق فيقلب الحسن قبيحاً والقبيح حسناً , ويسير بك نحو الغواية والشقاية وهو متبرأ منك لا محالة , إن في الدنيا وإن في الأخرة , قال تعالى { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتِي لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً } [الفرقان :27-28]
فاختر لنفسك ما تشاء إما عداوة براءة أو صداقة ملازمة ..