الشحن الطائفي في عاشوراء.. عربون الدم القادم
| 11/1/1431 هـ
ما بين مئات الآلاف، وقيل الملايين ممن يسمون أنفسهم "حجاج" كربلاء، تصاعدت صيحات طلب الثأر من قتلة الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما، وزادت أعداد الحزانى ممن يضربون رءوسهم وصدورهم بأيديهم وظهورهم بالسلاسل واللاطمين واللاعنين فيما قيل إنه أكبر تجمع بشري يشهده العراق.
تجمعت الحشود غاضبة من استشهاد الحسين وآسفة على إسلام أهل الكوفة له ليلقى ربه صابراً محتسباً على يد خصومه من طائفة من الأمويين، وطالبة الثأر من قاتليه، ولا الخاذلون له أحياء، ولا جنوده، ولا خصومه كذلك.
القصة مؤلمة لا ريب للحسين وقد خذلته "شيعته" فأسلموه وانفضوا عنه، وحق لمن كان حاله كأهل الكوفة يومها أن يحزن، لكن هؤلاء كلهم قد ماتوا، وانقضت أجيال، فالشهيد والقاتل قد أفضيا إلى ربهما، وبقيت الموعظة من الحادثة ومثيلاتها.
بقي أن الخذلان سبيل المتاجرين بالأزمات، الذين ادعوا نصرة دين الحسين وكانوا للجبن أقراناً، وبقي أن لا وازرة تزر وزر أخرى، وأن تلك الأجيال التي انقضت والأمم التي فنيت كانت كفيلة بالالتفات من الذكرى إلى دروسها، وقد كان منها أن أرباب الشعارات البراقة الذين كاتبوا الحسين رضي الله عنه ليسوا هم الطليعة المرتجاة للإصلاح، وإنما الأمة بحاجة دوماً إلى من يخلص لها النصيحة ويبادر إلى الإصلاح الهادئ البعيد عن العبثية والفوضى.
لقد كنا سنسعد إذ نرى في يوم نجا الله فيه موسى عليه السلام وأنصاره، الأمة الإسلامية مصطفة في وجه الأعداء الحقيقيين للأمة الذين نهض في وجههم نبي الله يعلن براءته من وثنيتهم وشركهم، ولم يكن الحسين رضي الله عنه ليسعد حين يرى هذا الاستقطاب والاصطفاف يحصل فيما الأعداء يتربصون بأمة الإسلام.
إن ما عايناه من الشحن الطائفي البغيض خلال الأيام الماضيات على سائر القنوات الشيعية، والبرامج المفعمة بالتثوير لا ضد الصهيونية والصليبية الجديدة وإنما ضد السواد الأعظم من أمة الإسلام، يدمي القلب إذ تفقد الجموع البوصلة، وهي لا ترى عدواً لها إلا أمتها وجيرانها وشعوبها.
ما رأيناه ممن يشهر السيوف للانتقام والثأر من سائر الأمة باسم الحسين ـ وهو براء من المتاجرين باسمه ـ ومن تثوير في غير محله وتحميل السواد الأعظم من الأمة الإسلامية ذنب خذلان أهل الكوفة قبل أكثر من 1360 عاماً، نكراناً لمنهج الحسين ذاته الذي كان يتلوه في كتاب ربه "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، يفسر لنا تلك الحوادث الرهيبة التي شاهدناها من جلاوزة الميليشيات الدموية في العراق وفي مذابح صبرا وشاتيلا وحماة وغيرها.
الساعات يقضيها هؤلاء ـ بل والأيام ـ في لطم وضرب للصدور في حالة تنقل صاحبها إلى خارج دائرة الوعي، وتجعله مفعماً بحب الثأر في غير مكانه، حيث لا يرى للإسلام عدواً إلا أبناءه!!
لا مآتم لشهداء بدر ولا أحد ولا الغزوات ضد اليهود في المدينة وضواحيها، ولا مع الروم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا مناحة على شهداء اليرموك وأجنادين والقادسية ونهاوند وغيرها.. إنما المآتم فقط لمن قتلوا في فتن مر بها التاريخ الإسلامي الداخلي، وأما الثأر فمن "ورثة" تلك الفتن، وهم كل مسلم لا يدعي التشيع ولا يقبل بأن تكون الخلافة والإمامة وراثة سواء أكانت في نسل النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره، وكل من يؤمن بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه".
إن المعركة والثأر هنا، مع هذه الأمة لا سواها، هكذا يفهم اللاطمون واللاعنون و"الحجاج المستقلون بحجهم"، والدم تحمله الأمة كلها، وعليها أن تدفع ضريبة الدم، ولا غيرها من الأمم؛ فترى البكائين بأسهم بين المسلمين، وسواهم يسلم منهم، هذه الثقافة التي يسوقها المغرضون، وهكذا ينساق البسطاء؛ فاللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون..
الشيخ ناصر العمر
موقع المسلم