ثم الأمانة..
أذكر الجميع بثقل الأمانة الذي يحملها إخواننا في البرلمان القادم، ويحملها المجلس العسكري، وتحملها الحكومة، وسيتحملها الرئيس القادم لمصر.
إنها أمانة ثقيلة وحمل كبير.. وهذا الحمل مسئولية كل من يعيش على أرض مصر.
فالأمانة لا تقتصر على مجرد الودائع الذي يستأمن عليها البعض أو يُستأمن عليها البعض {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا(72)}الأحزاب.
ماهي الأمانة؟
الأمانة مصدر قولهم أمُنَ بضم الميم..
أمُنَ يأمُن أمانة أي صار أمينا، وهي مأخوذة من أمن أيضاً التي تدل على طمأنينة وسكينة القلب وهي ضد الخيانة الأمانة.
الأمانة ضد الخيانة ولها ثلاثة أركان:
ـ عفت الأمين عن ما ليس له بحق.
ـ وأداء الأمين ما يجب عليه للآخرين من حق.
ـ وحفاظ الأمين على ما اسُتؤمن عليه من أمانات.
هذه أركان الأمانة: عفت الأمين الرجل الأمين يعف عن أخذ ما ليس له بحق، وإن كان قادرا على أخذه.
الرجل الأمين يؤدي ما يجب عليه للآخرين من حق، وإن كان قادرا على عدم الأداء. هو يستطيع أن لا يفعل لكنه يفعل لأمانته.
والرجل الأمين مستأمن على كل ما استُؤمن عليه من مال ومن إدارة ومن إرادة ومن مقدرات ومكتسبات. فهو بأمانته التي أودعها الله قلبه محافظا على كل هذه الأمانات التي استؤمن عليها.لذا قال ابن عباس في معنى الآية {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ} . قال ابن عباس: (الأمانة هي الفرائض) وقال أبو العالية: (الأمانة هي ما أمروا به وما نهوا عنه). وقال الحسن البصري: (الأمانة هي الدين فالدين كله أمانة).
تدبر معي..
الرجل الأمين له صفات.. رجل قوي.. قوي في إيمانه.. قوي في أمانته.. قوي في أخلاقه.
رجل يعف عن اخذ ما ليس له بحق. هو يستطيع أن يأخذ، يستطيع أن يسرق، يستطيع أن ينهب وأن يمتص دماء الخلق.
لكن الأمين لا يفعل يعف عن أخذ ما ليس له بحق، لا يمد يده أبداً إلى الحرام، لأنه يعلم أن الحرام قصير العمر عديم البركة لا خير فيه، وسيسأل عنه بين يدي الملك الحق {يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ (88) إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)}الشعراء. فهو يعف عن أخذ ما ليس له بحق.
والرجل الأمين يعف عن عدم تأدية ما يجب عليه من حق، بل يؤدي ما يجب عليه من حق وهو قادر لمكانته وشرفه وماله ووجاهته وسلطته قادر على أن لا يفعل قادر على أن لا يؤدي ما عليه من حقوق، لكن أمانته توجب عليه وتلزمه أن يؤدي ما عليه من حق، ولو لم يطالبه الآخرون بأداء هذا الحق، أو حتى في حالة عجز الآخرين عن مطالبتهم بهذا الحق عنده يؤديه لأمانته.
ومن سمات الرجل الأمين أيضاً، أنه رجل يحافظ على ما استؤمن عليه أياً كان نوع هذه الأمانة، فالإرادة أمانة، والمال أمانة، والكلمة أمانة، والعلم أمانة، والسر أمانة، والوظيفة التي يرأسها أمانة، ومقدرات ومكتسبات البلد الذي استؤمن عليها أمانة، وكرسيه في مجلس الشعب أو في وزارة أو في الحكم أمانة، فالرجل الأمين يعلم قدر هذه الأمانات.
ونحن في هذه المرحلة نحتاج إلى أهل الأمانة، وبكل أسف قد يتقدم الآن كثير ممن هم ليسوا أهلاً للأمانة ممن يتصورون أن الكراسي والمناصب فرصة للمغانم ونسي هؤلاء أنها أمانة.
ذهب أبو ذر وما أدراكم ما أبو ذر، أبو ذر الذي قال في حقه المصطفى:[ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق ولا أوفى من أبي ذر]. ومع ذلك ذهب أبو ذر يسأل النبي الولاية يقوله يقول له:[يا رسول الله آلا تستعملني؟] انت مش هتديني وزارة بقى؟ أنت مش هتديني محافظة يا رسول الله؟ مش هتديني كرسي ولا منصب؟ وأنت الذي شهدت لي بالصدق والأمانة [آلا تستعملني؟ فضرب النبي على منكبي أبي ذر وقال: يا أبا ذر إنك رجل ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها]
أمانة عظيمة ومسئولية والله كبيرة من حملها رغما عنه يلجأ إلى الله أن يعينه عليها.
يتقدم الكثيرون وهم ليسوا أهلاً لهذه الأمانات، فهذه المراكز والمناصب ليست مغنماً، إنما هي تكليف، إنما هي مغرم، إنما هي تكليف وليست تشريف على الإطلاق لمن عرف قدر الأمانة.
وقد حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حذيفة بن اليمان قال:[حدثنا رسول الله حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة.ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: ينام الرجل النومة] لا إله إلا الله ليلة واحدة يبيت أميناً ويصبح خائناً لا أمانة عنده. [ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر الوكد] الوكد هو بقعة السواد اليسيرة التي تترك في موضع ورفع وقبض الأمانة من القلب بقعة سواد في الجلد تقبض الأمانة من القلب ويبقى أثر سواد يسير في موضع رفع وقبض الأمانة [ثم ينام الرجل النومة] ليلة تانية [فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل أثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فنفض فتراه منتبرا وليس فيه شيء]. يعني ايه تقبض الأمانة من القلب فينتفض الجلد يعلوا الجلد
أنتم ترون هذا المشهد في يد أبائنا من الفلاحين مثلا أو الحدادين الذين يعملون بالفأس فيظهر في يده جلد منتفخ منتبر كأنه منتفخ بالماء فإذا ضغطت عليه انضغط وليس فيه شيء كذلك أثر الأمانة في الحالة الثانية حين تقبض من القلب ينتفض الجلد ينتفخ ويبدوا للناظر أنه ممتلئ لكنه فارغ لا شيء فيه [كجمر دحرجته على رجلك فنفض فتراه منتبرا أي منتفخ وليس فيه شيء فيكاد الناس يتبايعون ولا تكاد ترى فيهم رجلا اميناً حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أمينا وحتى يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه وما أعقله وليس في قلبه ذرة من إيمان أو مثقال خردل من إيمان يقول: وما كنت أعاني من بايعت إن كان مسلما رده علي إسلامه وإن كان نصرانيا رده علي ساعيه أما اليوم. يقول حذيفة: فما كنت أبايع إلا فلانا وفلانا] أي لا أبيع ولا أشتري إلا من فلانا وفلان.
هذا في عهد الصحابة رضي الله عنهم فكيف لو عاش حذيفة في عهدنا وراعي الشاة يحمي الذئب عنها فكيف إذا الرعاة لها الذئاب ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقال نبينا: [سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة. قيل: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: الرجل التافه وفي لفظ الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة].
الأمانة أيها الأفاضل معنى كبير وحمل ثقيل وربنا جل وعلا يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (27)}الأنفال.
قال ابن عباس: (لا تخونوا الله بترك فرائضه ولا تخونوا الرسول بترك سنته ولا تخونوا أماناتكم بتضييعها فيما بينكم).
المرحلة في مصر تحتاج إلى الأمانة وتحتاج إلى الأمناء وتحتاج إلى الصادقين من جميع من يعيش على أرض هذا الوطن.
يتبع إن شاء الله،،،