[frame="15 98"]
الكاتب -المحب لصاحبه
الحـمد لله عـظيم الـمـنة وناصر الـدين بأهل الـسـنـة والـصلاة والـسلام عـلى سـيدنا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
مقتطفات من حـياة الـفاروق عـمر..... نرويها:
لا أدري ماذا يسطر قلمي .. إن الفكر يطوف بالرأس فلا يستقر على قرار ولا يثبت عند كلمات معينة ...
والقلب على اتساعه وعظم ما فيه من أحاسيس ليحار ... لا عجب في هذا ...فالإنسان الذي هو محور
الحديث .. ليس كغيرة من البشر العاديين .. إنه نسيج مستقل ..عقلية جبارة جمعت لصاحبها كل أركان
القوة سواء ...لحاكم يسوس أمة أو قائد يقود جيشاً نحو النصر أو لرجل اقتصادي يرفع غوائل الفقر عن
رعيته أو قاضٍ يتحرى العدل في كل ما ينطق من أحكام وغيرها وغيرها وغيرها
حـسـبـــت الـقـوافـي وحـسـبـي حـيــــن أُلـقـيـهــــا ...... أنــــــي إلــــى ســاحــةِ الفــــاروقِ أُهْـديهـــــا
لاهُــــــم هــــــــب لــــي بيــــانــا أستـعـــــين بــــه ..... عـلــــى قضـــــــاءِ حقــــوق نــام قـــاضيهـــــا
قــــــد نــــــــازَعَـتـْنــــيَ نـفســــــي أنْ أُوفَّـيهــــــا ...... وليــس َ فـــي طَــوْقِ مثلـــــي أن يـــــوفَّيهـــا
فـمـــــــُرْ سَـــــريّ المـعـــــانـــي أن يـُواتِيـَنــــــي ...... فيـهــــــا فـإنـــــّي ضَعـيـــــفُ الحـالِ وَهيـهــــا
لقد جمع الفاروق عمـر رضي الله عنه كل الخصال الحميدة ... حتى جعل الله الحق على لسانه وقلبه ..
فـفي مرة كان الـرسول صلى الله عليه وسلم يتـلـو على مسامع عمر قرآناً نزل لتوه من الوحي ، وفيه
يصف مراحل خلق الإنسان وإبداع البارئُ جل شأنه في صنعته ، فإذا بأحاسيس عمر تتعلق كلها بهذا
التنزيل وإذا به يقول من فوره ( فتبارك الله أحسن الخالقين ) فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال ( هكذا أُنزلت يا عمر ) وأكمل الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم الآية كما قال عمر رضي الله عنه
حرفاً بحرف . وقد أورد هذا الأمر ابن كثير في تفسير سورة ( المؤمنون ).
وهاهو حكم المولى عز وجل يـنزل مـوافـقاً لرأي ( عمـر رضي الله عنه ) .. وقد حدث بعد غزوة بدر أن
اخـذ المسلمون أسرى من قـريـش ، وهذه أول غزوة لهم ولم ينزل بشأنها حكم من السماء .. وان (
الرسول صلى الله عليه وسلم ) قد استشار ( علياً رضي الله عنه ) و ( أبا بكر رضي الله عنه )..فقال أبا
بكر : يا رسول الله هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن نأخذ منهم الفدية ، فيكون ما
أخذناه قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدا .فقال ( رسول الله صلى الله عليه
وسلم ) ما ترى ( يا ابن الخطاب ؟ ) .قال : قلت والله ما أرى ما رأى ( أبو بكر ) ، ولكن أرى أن تمكنني
من فلان ــ قريب عمر ــ فأضرب عنقه ، وتمكن علياً من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان ــ
أخيه ــ فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ..وهؤلاء صناديدهم وأئمتهم
وقادتهم ، فأخذ ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رأي ( أبو بكر رضي الله عنه ) وأخذ منهم الفداء .
فلما كان الغد قال ( عمر رضي الله عنه ): فغدوت إلى ( النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله
عنه ) وهما يبكيان فقلت يا رسول الله أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد
تباكيت لبكائكما ..فقال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء
قد عُرض علي عذابكم أدني من هذه الشجرة .
( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللَّهُ
عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .
رأيـــتَ فـــــــي الــديـــــــــن آراءً مــوفقـــــــــةً ...... فــأنــــــــــزلَ الله قـــــرآنـــــــاً يــُزكَـّـيهــــا
وكـنــــــت أول مــن قــــــرَّتْ بـصـُحْـبـَـتــــِــــــهِ ...... عـيــــنُ الـحـنـيـفــــةِ واجـتـازتْ أمـانـيـهـــا
قـــد كـنـــتَ أعــدى أعـاديـهـا فصـرتَ لهـــــــــا ...... بـنـعـمـــةِ الله حـصـنـــــاً مــن أعـاديـهـــــــا
هـكذا كان مـوفق فسـبـحان من أرشده....
أما إسلامه فـي السنة السادسة من النبوة بعد إسلام حمزة رضي الله عنه بثلاث أيام في ذي الحجة ،
وقـد ذكـر هذا أبـن الجـوزي رحمه الله تعالى ..وقد أعز الله الإسلام بعمر ورفع من شأن المسـلمـين
وأذهب بـه خوفهم مـن صــدورهم فـباتــوا سـعداء بإسلامه ..كيف لا يسعدون والطـمـأنيـنة قد أضــلتهـم
بعد خوف لاحـقـتهم سنـيـن ..روى البخاري عن( ابن مسعود رضي الله عنه ) أنه قال\ مازلنا أعزة منذ
أسلم عمر ) مجلد 4/242 .
وقد جاء في التاريخ ابن سعد .. مجلد 1/193 ... وذكر ذلك السيوطي في تاريخ الخلفاء عن ( بن
مسعود رضي الله عنه ) أيضاً أنه قال ( كان إسلام عمر فتحا، وكانت هجرته نصراً ، وكانت إمارته
رحمة ، لقد رأينا وما نستطيع أن نصلي بالبيت حتى أسلم عمر ، فلما أسلم قاتلهم حتى تركونا فصلينا )
وهاهو ( ابن الخطاب رضي الله عنه ) لم يقنع بـدخوله في زمرة المـؤمنين القانـتين لله ، بل أراد أن
يصـفي نـفـسـه ، كـما يـصـفى الـذهـب من الـشـوائب. فهاهو عمر ينصرف إلى ( النبي صلى الله عليه
وسلم ) بعد إسلامه وهو ظاهر على المشركين فيقول له ( ما يحبسك بأبي أنت وأمي ، فو الله ما بقي
مجلس كنت أجلس فيه بالكفر إلا أظهرت فيه الإيمان ، غير هائب ولا خائف ، لا نعبد الله سرا بعد اليوم )
فأنزل الله سبحانه وتعالى ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) وذلك أول ما نزل من
تسمية الصحابة ( مؤمنين ) فصار عمر يتعمد الجلوس في مجالس الكفار ويعلن الإسلام غير هياب ولا
وجل ، بل كان يفعل أكثر من هذا ، ويذهب الى بيوت رؤوس الكفر ويخبرهم أنه أسلم ، ومن هول
المفاجأة يغلقون الأبواب دونه .
إن مفاخر الفاروق ليس لها حد تقف عنده فحياته كلها درة في جـبين الإنسانية. فقد رُوي عن علي مخبرا
عن هجرة عمر فقال --ما علمت أن أحدا من المهاجرين هاجر إلا مختفيا إلا عمر بن الخطاب ، فإن لما
هم بالهجرة ، تقلد سيفه وتنكب قويه ، وانتضى في يده أسهما ، واختصر عنزته ( عصاة ) ومضى قِبَلَ
الكعبة ، والملأ من قريش بفنائها ، فطاف في البيت سبعا متمكنا ، ثم أتى المقام فصلى ، ثم وقف على
الخلق واحدة واحدة فقـــــال لهــــم : شاهدت الوجوه ، لا يرغم الله إلا هذا المعاطيس ، من أراد أن يُثكل
أمه ، أو يوتم ولده ، أو يرمل زوجته ، فليلقني وراء هذا الوادي. قال علي : فما اتبعه إلا قوم من
المستضعفين علمهم ما أرشدهم ثم مضي لوجهه ) .
خـرجــتَ تـبـغــي أذاهـا فــي محُمـّدِهــــــا ....... ولـلحنيــفـــةِ جبـَّــــــــارٌ يــــوالـيـهـــا
فـلــم تـكــد تـسـمـــع الآيــــاتِ بالـغــــــــةً ...... حـتـى انـكفـأتَ تـُنــادي مـــن ينـاديـهــا
سـمـعـــتَ ســــورةَ طـــه مـــن مرتـّلهــــا ...... فــزلـزلـــتْ نيّــــةً قــد كنـتَ تنــويهــــا
وقـلـــتَ فـيهـــا مـقــــالاً لايـــُطـــاوِلــــــــُهُ ...... قولُ الـمُحـبُ الـذي قـد بـاتَ يطريـهـــا
ويــومَ أسْلـمـتَ عــــزَّ الحــقُّ وارتـفـعــــتُ ..... عــن كـاهـل الديـن أثـْقــالٌ يـُعــانـيهــــا
وصــاحَ فـيـهَ بــلالٌ صـيـحـــةً خـشـعـــــتْ ...... لـها القـلـوبُ ولـَـبـَّتْ أمـْرَ بــاريـهَــــــا
فـــأنــتَ فـي زمـنِ المُخْـتــارِ منجــدُهـــــــا ...... وأنـتَ في زمــنِ الصـدَّيـقِ مـُنْجـيهــــا
كــم اســتـراكَ رســـــول الله مغـتـبطــــــــاً ...... بحـكمةٍ لــك عِــنْـدَ الـرأي يـلغيـهــــــــا
فقد روى ابن هشـام فـي سـيـرته (مجلد 2/289) والطبري في تاريخه (مجلد3/128)لما باغت
المشركون جيش المسلمين في غزوة حنين وانشمر الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد ، وانحاز (
رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ذات اليمين ثم قال ( أين أيها الناس ، هلموا إلي أنا رسول الله ! أنا
محمد بن عبد الله ! فلم يسمع أحد ، وحملت الإبل بعضها على بعض ، فانطلق الناس ، إلا أنه قد بقي مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته ، وكان فيمن ثبت معه من
المهاجرين أبو بكر وعمر ومن أهل بيته علي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب ، وابنه الفضل ،
وأبو سفيان بن الحارث ، وابنه ربيعة بن الحارث وغيرهم ) .
لله دره من شجاع مقـدام فـإذا تقـدم الشجعـان كان أولهم ... وإن تـأخـر الشجعان خوفا تراه يثـبت ثبات
الجـبال الراسـيات ... بعـزيـمة لا تـلين ، وقـوة لا تعـرف الضـعـف والعـجـز .
[/frame]