هذا درس للشيخ محمد بن صالح المنجد مفرغ بخصوص الرؤى والأحلام مقروء ومسموعولقد تكلم الشيخ في هذا الدرس عن تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما، مبيناً أهمية الرؤيا ومنزلتها في الإسلام، ومعنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة كما جاءت الأحاديث دالة على ذلك، ثم ذكر أنواع الرؤى، موضحاً صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان، مذكراً بعقوبة الكاذب في المنام، وقد تطرق إلى مسألة مهمة وهي: هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ ثم ختم الموضوع بذكر آداب الرؤيا وبعض الرؤى التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم.
لمن أراد سماع الدرس كاملا فمن هنا
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/106.rm[/RAMS]
ولمن أراد سماعه مجزأ على حسب التفصيل أدناه تحت كل تفصيل تجد المادة الصوتية
أسأل الله أن ينفعنا وإياكم بها وأترككم مع المحاضرة
تعريف الرؤيا والحلم والفرق بينهما
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين. وبعــد: ففي هذه الليلة وهي أول ليالي العشر من هذا الشهر الكريم ، والذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد تواطأت رؤى الصحابة على أن ليلة القدر في ليالي العشر، قال: (أني أرى رؤياكم قد تواطأت على هذه العشر) ففيها ليلة القدر كما أخبر عليه الصلاة والسلام. وبهذه المناسبة، نريد أن نتحدث قليلاً -أيها الإخوة- عن موضوع الرؤى والأحلام، وما جاء في الشريعة بشأن هذا الموضوع. الرؤيا هي: ما يراه الإنسان في منامه حسناً. والحلم: ما يتحلم به وما يراه في المنام، فالرؤى والأحلام من المترادفات، وعرف ابن القيم رحمه الله الرؤى بأنها: أمثال مضروبة يضربها الملك الذي قد وكله الله بالرؤيا ليستدل الرائي مما ضرب له من المثل على نظيره ويعبر منه إلى شبهه. والفرق بين الرؤيا والحلم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان) فالرؤيا التي تضاف إلى الله تعالى لا يقال لها: حلم، والتي تضاف إلى الشيطان لا يقال لها: رؤيا وهذا فرق عظيم دل عليه كلام الشارع، من أن هذه من الله، وهذه من الشيطان. الشيخ : محمد المنجد
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060001.rm[/RAMS]
أهمية الرؤيا ومنزلتها في الإسلام
أما أهمية الرؤى ومنزلتها في الإسلام، فقد كان للأنبياء معها مواقف ومن ذلك موقف الخليل إبراهيم عليه السلام لما عزم على ذبح ابنه من أجل رؤيا رآها فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [الصافات:102-105]. وكذلك الرؤيا شغلت جزءاً كبيراً من قصة يوسف عليه السلام وما فيها من رؤيا الملك، وكيف عبرها يوسف عليه السلام، وكذلك رؤيا صاحبي السجن. وفي سورة الأنفال كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر ، حينما رأى الكافرين قلة ليشجع الله المؤمنين على قتالهم، وفي سورة الفتح كذلك نجد رؤياه صلى الله عليه وسلم في دخوله مكة مع أصحابه معتمرين، وتتحقق تلك الرؤيا في عام الفتح: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ [الفتح:27]. وقد امتن الله تعالى على نبيه يوسف عليه السلام، بأنه يعلمه تأويل الرؤى وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ [يوسف:6] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً رؤيا مهمة، كانت من دلائل النبوة، وهي قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث : (إني عبد الله وخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته) يعني: مضطجع وملقى على الأرض في طينته، قبل أن ينفخ فيه الروح، والنبي عليه الصلاة والسلام مكتوب عند الله أنه خاتم النبيين، وسأخبركم عن ذلك وهي دعوة أبي إبراهيم: رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ [البقرة:129] واستجاب الله تعالى بعد آلاف السنين، وبعث الله عز وجل بنبينا عليه الصلاة والسلام: (دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى بي، ورؤيا أمي التي رأت -وكذلك أمهات النبيين يرينه ترى مناماً على أن ما في بطنها له شأن- وإن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام) رواه الإمام أحمد وهو حديث حسن، وقال الهيثمي : وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح، غير سعيد بن سويد وهو ثقة . وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فالرؤيا لها قدر عظيم، وفيها من المنافع ما الله به عليم، وإذا تأملنا في غزوة بدر كم حصل لرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم من المنافع، وكم اندفع من المضار، ورؤيا ملك مصر ، ورؤيا يوسف وما حصل بها من الخيرات الكثيرة، ورفعه الله تعالى درجات، ورؤيا عبد الله بن زيد ، وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في الأذان والإقامة، ترتب عليها مشروعية الأذان والإقامة، لما وافق الوحي على ذلك وأقره، وصار ذلك سبباً لشرع هذه الشعيرة العظيمة، وفي العشر الأواخر تواطأت رؤى الصحابة، على أن ليلة القدر في أحد ليالي هذه العشر. فرؤيا الأنبياء والصالحين فيها منافع مهمة، وثمرات طيبة، وهذا من بديع خلق الله سبحانه وتعالى ولطفه، مما يزيد المؤمنين إيماناً، قال ابن عبد البر رحمه الله: وعلم تأويل الرؤيا من علوم الأنبياء، وأهل الإيمان، وحسبك بما أخبر الله من ذلك عن يوسف عليه السلام وما جاء في الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع أهل الهدى من أئمة الهدى، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين، أهل السنة والجماعة على الإيمان بها، وأنها حكمة بالغة ونعمة يمن الله بها على من يشاء، وهي المبشرات الباقية بعد النبي عليه الصلاة والسلام. أيها الإخوة: إن كثيراً من الناس في عصرنا تخبطوا في مسألة الرؤى والأحلام، فاقتنى بعضهم قواميس وكتب يقولون أنها تفسر الرؤى والأحلام، وأن من رأى ماء معناها كذا، ومن رأى حية معناها كذا، ونحو ذلك من الأشياء، ولنعلم بأن قضايا الرؤى ليس لها قانون، ليس لها شيء يضبطها، وإنما يكون معناه بالنسبة لشخص يراه يختلف عن معناه بالنسبة لشخص آخر قد يرى الشيء نفسه، وقد حصل على عهد ابن سيرين رحمه الله وهو من مشاهير من كان يفسر الأحلام في هذه الأمة، أنه أتاه رجلان، كل واحد منها يذكر أنه رأى في المنام أنه يؤذن، فقال للأول: أنت تحج، وقال للآخر: أنت تسرق فتقتطع يدك، فقيل له كيف ذلك؟ قال: رأيت على الأول علامات الصلاح فتأولت قول الله تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ [الحج:27] ورأيت على الثاني علامات الخبث والفجور، فأولت قوله تعالى : ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ [يوسف:70] مع أن الرؤيا نفسها هنا وهنا، لكن قال للأول: أنت تحج وقال للآخر: أنت تسرق فتقطع يدك. فإذاً -أيها الإخوة- ليس هناك قانون يضبط الرؤى، وليس هناك شيء موحد لجميع الرؤى، وليس كل من رأى في المنام نهراً أو بحراً، معناه شيء معين، وليس كل من رأى في المنام أنه يقلع منه ضرس، أنه سيفقد واحداً من أولاده، هذا قانون مضطرب وليست قاعدة في كل من يرى هذا الشيء. المسألة تختلف باختلاف الأحوال والأشخاص، والله عز وجل يلقي في قلوب الذين يعلمون تفسير هذه الرؤيا إلهاماً فلا تستطيع أن تقول: إن لها قاعدة. وقد نسبت كتب كثيرة لأناس من أهل العلم على أنهم ألفوها في هذا، منهم الكتاب المنسوب لـابن سيرين، ولعل الغالب على الظن أنه مما جمعه طلابه من بعده، وليس مما كتبه هو. وكذلك لا يمكن الاعتماد على معاجم تفاسير الأحلام. التي ظهرت، بحيث أنها تكون قاعدة مطردة. الشيخ : محمد المنجد
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060002.rm[/RAMS]
معنى كون الرؤيا جزءاً من النبوة
بالنسبة لكون الرؤيا جزء من النبوة، فما معناه؟ أولاً: الأحاديث الواردة فيه إذا ألقينا عليها نظرة نجد تفاوتاً في الأرقام، فمثلاً بعض الروايات فيها، (الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) وفي رواية أخرى: (الرؤيا الصالحة جزء من سبعين جزءاً من النبوة) الحديث الأول في الصحيح، والثاني أيضاً رواه مسلم ، والثالث: (رؤيا المسلم جزء من خمس وأربعين جزءاً من النبوة) كذلك في مسلم . فـابن حجر رحمه الله لما علق على هذه الروايات قال: تصل إلى خمسة عشر لفظاً، وأنها تتفاوت، من ست وعشرين إلى سبعين، وأشهر الروايات: (جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) فما معنى هذا الاختلاف؟ وما مدلوله؟ ولعل من أمثل ما ذكر في الجمع بين هذه الروايات أن ذلك يختلف باختلاف أحوال الرائين، فبعض الناس أحوالهم صادقة جداً ورؤياهم صادقة جداً فتكون رؤياهم جزء من -مثلاً- ست وأربعين، وبعض الناس في الصدق والتقوى والإيمان أقل، فتكون رؤياه جزء من سبعين، ولكن ما المقصود أن الرؤيا جزء من النبوة؟ النبوة فيها أشياء كثيرة، فيها تشريع وأحكام، وفيها أخبار عما سبق وعما سيأتي من الغيب، وغيرها من الأشياء الكثيرة من إنذار وبشارات، والنبوة تحتمل معجزات؛ لأن فيها إخباراً بالغيب، والرؤيا الصالحة يمكن أن تدل على شيء يحدث في المستقبل، سواء كان بشارة أو نذارة، سواء كان شيئاً حسناً أو شيئاً سيئاً، أو شيئاً من الشر سيقع، فيمهد للمؤمن نفسياً بهذه الرؤيا لكي يستعد لمواجهة الحدث الذي سيكون. إذاً.. الرؤيا ممكن أن يكون فيها إخبار عن شيء سيحدث في المستقبل، وبما أن النبوة جزء منها إخبار بالغيب فتلتقي الرؤيا مع النبوة في هذه النقطة، وفي هذه الجزئية. وكذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أنه لم يبق من النبوة إلا المبشرات، مثل بشائر نصر الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه قد أعطي الكنزين الأحمر والأبيض، وأن الكنز الأبيض والأحمر: الفضة والذهب، وهما كنزا كسرى وقيصر. وكما أن في النبوة مبشرات، كذلك الرؤى فيها مبشرات، فالنبي عليه الصلاة والسلام صح عنه أنه قال (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) والبشر: هو الذي يظهر على الإنسان من طلاقة الوجه وفرحه ونحو ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا نبوة بعدي، فشق ذلك على الناس، فقال : لكن المبشرات، قالوا: يا رسول الله! وما المبشرات؟ قال: رؤيا المسلم وهي جزء من أجزاء النبوة) رواه الترمذي وهو حديث حسن، وفي رواية لـأحمد : (لا يبقى بعدي من النبوة شيء إلا المبشرات، قالوا: يا رسول الله! ما المبشرات ؟ قال: الرؤيا الصالحة يراها العبد أو ترى له) رواه الإمام أحمد ورجاله رجال الصحيح، وقد قال بعض المفسرين في قوله تعالى: لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [يونس:64] قالوا: الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له. ففي هذه الأحاديث بشارة من الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم للمؤمنين لبقاء ما يتحفهم وما يأنسهم من أجزاء النبوة مما فيه إشارة للرائي، والمرئي له، وقد جاءت أحاديث كثيرة في هذا الشأن، إذاً هذه بشائر من الله عز وجل، ومن لطائف ما روي في هذا أن الإمام الشافعي رحمه الله رأى وهو بـمصر أن الإمام أحمد رحمه الله سيبتلى فكتب له بذلك؛ ليستعد للمحنة، وهكذا حدث فعلاً، وامتحن الإمام أحمد رحمه الله. فإذاً: يمكن أن يرى الإنسان لنفسه أو يُرى له شيء يقع في المستقبل ويكون من شخص صالح، فهذا إما يفرحه أو يجعله يستعد لحدث في المستقبل، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (أصدق الناس رؤيا أصدقهم حديثاً) وهذا يدل على أن هناك علاقة بين صحة الرؤيا وبين صدق الشخص الذي يرى، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، وأصدقهم رؤيا، أصدقهم حديثاً).
الشيخ محمد المنجد
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060003.rm[/RAMS]
أنواع الرؤيا
والرؤيا ثلاثة أنواع: (بشرى من الله عز وجل، ورؤيا مما يحدث الإنسان به نفسه، ورؤيا من تحزين الشيطان، فإذا رأى أحدكم ما يكره، فلا يحدث به، وليقم وليصل، والقيد في المنام ثبات في الدين -إذا رأى نفسه مقيداً في المنام فهذا دليل أو علامة على ثباته في الدين- والغل أكرهه) جمع اليدين إلى العنق بالأغلال يكرهه، يكره رؤيته عليه الصلاة والسلام، هذا الحديث رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى. ولذلك لا يوثق إلا برؤيا الرجل الذي عرف صدقه، أما من عرف كذبه لا يمكن الوثوق برؤياه إطلاقاً، وقد يدعي أنه رأى رؤيا وهو كذاب، وقد يكون رأى أشياء لكن فساده ومعاصيه أظلمت قلبه، فكان ما يراه بقلبه في المنام لا قيمة له، ولذلك لا يمكن الاعتماد عليه، فالحديث (أصدقهم رؤيا أصدقهم حديثاً) فيه إشارة إلى أن طهارة الباطن من أسباب نقاء الرؤيا ووضوحها ومجيئها كفلق الصبح في الصدق، تقع في الواقع كما رآها، وكلما كان أصدق في الحديث كانت رؤياه أصدق في الحدوث والبيان والوضوح والوقوع أيضاً، وقد يندر أن يرى إنسان كافر أو كذاب رؤية صحيحة في المنام، لكن ممكن أن يقع ذلك على ندرته، مثلما رأى فرعون الكفار رؤيا صحيحة، لكن الحقيقة أن الله ما أراه كرامة له، ومثل ملك مصر ، ما أراه الله الرؤيا إلا لأجل يوسف، كي يخرج يوسف من السجن، ويبحث الملك عن تعبيرها، ولا يرى أحداً يعبر، ولا ينبري لذلك إلا يوسف فيكون سبب الإفراج عنه، وأن يتبوأ المنزلة العالية ويكون على خزائن الأرض. فيندر أن يكون من الفاسد أو الكذاب أو الكافر رؤية صحيحة. محمد المنجد
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060004.rm[/RAMS]
صدق رؤيا المؤمن في آخر الزمان
وأما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اقترب الزمان لا تكاد رؤيا المؤمن تكذب) فما معنى اقتراب الزمان؟ بعض العلماء فسره بتقارب الليل والنهار، أي اعتدال الزمنين، وهذا يكون في وقت الربيع، وأن الرؤى عند ذلك تكون أصدق وهذا في العموم، ولكن الراجح والله أعلم ليس هذا، وإنما المراد باقتراب الزمان قرب قيام الساعة، وانتهاء مدة الدنيا، كلما اقتربنا من نهاية الدنيا وقيام الساعة، تكون رؤى المؤمنين لا تكاد تكذب، كأنه لما صار الكذب في آخر الزمان متفشياً، وكذلك الكفر والظلم والجهل، عوض الله المؤمنين في آخر الزمان بأمور من المبشرات والمثبتات، وهي الرؤى التي يرونها صادقة صحيحة وتقع كما رأوها، فهذا تعويض للمؤمنين.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060005.rm[/RAMS]
الكذب في المنام
والوعيد قد جاء لمن يكذب في المنام، الذي يقول: رأيت كذا، وهو لم ير، بعض الناس يكذبون في المنام، وبعضهم يكذب لأغراض دنيوية، ربما يأتي ويقول: رأيت كذا، لكي تعطيه شيئاً، أو يتقرب منك، ونحو ذلك، وهذا حرام، لو قال بعض الناس: نستخدمه في الدعوة إلى الله، أو لكي نقنع شخصاً عاصياً ونحذره، نخترع له رؤيا نقول: رأيناك في قبر أو رأيناك في سواد، أو رأيناك تضرب، أو رأينا حولك ثعباناً وغير ذلك. فنقول: لا يجوز، فالغاية لا تبرر الوسيلة، لا بد أن تكون الغاية شرعية والوسيلة شرعية، إذا أردنا أن ندعو إلى الله عز وجل، لا بد أن تكون الوسائل شرعية، أما أن نكذب في المنام لكي نهدي الناس، فهذا أسلوب خاطئ ولا يمكن القبول به، والحديث يقول: (من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل) والحديث رواه البخاري وفي حديث آخر (من أفرى الفرى أن يري الرجل عينه ما لم تر) إدعاء وكذب، وما معنى يعقد بين شعيرتين،يعني: يفتل إحداهما بالأخرى، وهذا حيث أنه محال فالتكليف فيه نوع من التعذيب، مثل المصورين يكلفون يوم القيامة أن ينفخوا الروح في كل صورة صوروها، فإذا قام أحدهم بعمل تمثالاً من ذوات الأرواح، أو صور صورة من ذوات الأرواح ليست للضرورة ولا للحاجة، وإنما للزينة ولكسب المال، فما هو عذابه يوم القيامة؟ يكلف أن ينفخ فيها الروح، يقال: (أحيوا ما خلقتم) كما جاء في الحديث الصحيح، كيف يحيي ما خلق والروح لا يملكها إلا الله عز وجل، وهي من شأنه سبحانه وتعالى؟ فيقال لهم: (أحيوا ما خلقتم) فيكلفون بالمحال وهذا نوع من التعذيب، وكذلك هنا، ولعل هناك ارتباطاً بين هذا وهذا، فالرؤيا خلق من الله، وهي صورة معنوية فما بالك إذا كان المصور يصور صورة حسية، وهذا الذي يتكلف رؤيا ما رآها، إذاً يختلق صورة معنوية لم تقع، إذاً هناك مناسبة بين تعذيب المصور وتعذيب الكذاب في المنام، فيه تشابه لهذه المناسبة، كلاهما يعذب بالتكليف بالمحال، هذا يقال له: (أحيوا ما خلقتم) والآخر يقال له: (اعقد بين شعيرتين) وهيهات الإنسان يعقد بين شعيرتين، وربما تجر الرؤيا الكاذبة على الإنسان مصيبة لم تكن في الحسبان بسبب كذبه في المنام، فقد جاء أن رجلاً قص على ابن سيرين رحمه الله فقال: رأيت كأن بيدي قدحاً من زجاج فيه ماء، فانكسر القدح وبقي الماء، فقال: اتق الله فإنك لم تر شيئاً، يعني أنه اكتشف كذبه، فقال: سبحان الله كيف تكذبني؟ هذا كلامي، قال ابن سيرين : فمن كذب فما عليّ ستلد امرأتك وتموت ويبقى ولدها، فلما خرج الرجل، قال: والله ما رأيت شيئاً، فما لبث إلا أن ولد له وماتت امرأته، فينبغي على المؤمن أن يحذر أشد الحذر في مسألة الكذب في المنام، وكذلك الكذب في التأويل؛ لأن بعض الناس يؤولون الرؤى بغير علم، وهذا حرام، وتأويل الرؤى بغير علم مثل الفتوى بغير علم، وهي باب واحد، يأتي بعض الناس يفسر بالظن يقول: لعل ولعل إما أن يعلم بما يلقيه الله في نفسه مما عنده من علم في تأويل الرؤى وإلا فلا يتكلم إطلاقاً، ويقول: الله أعلم.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060006.rm[/RAMS]
تقسيم الرؤيا إلى نوعين
أما أنواع الرؤى فإنه قد مر معنا أنها ثلاثة، بشرى من الله، وما يحدث الإنسان بها نفسه، وتحزين من الشيطان. قال النبي صلى الله عليه وسلم عنها: (إن الرؤيا ثلاث: منها أهاويل من الشيطان ليحزن بها ابن آدم، ومنها ما يهم به الرجل في يقظته فيراه في منامه، ومنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر حديث أبي هريرة ، وقيل: إن ذلك من كلام ابن سيرين ، لكن تقسيم الرؤيا إلى نوعين، نوع من الله، ونوع من الشيطان وهذا صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا ريب، فيمكن أن نقول أن الرؤى نوعان أساسيان: من الله وهي الرؤيا الصالحة، وهي البشرى وجزء من النبوة، وهي كثيرة في الأنبياء والصالحين، قليلة فيمن سواهم. ثانياً: الأضغاث ويدخل تحت الأضغاث أنواع كثيرة منها: أهاويل وتلاعب الشيطان ليحزن بها ابن آدم، مثل الذي ورد في الحديث: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: رأيت فيما يرى النائم البارحة كأن عنقي ضربت فسقط رأسي فأتبعته، فأخذته ثم أعدته مكانه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه، فلا يحدثن به الناس). رأيت رأسي قطع وتدحرج ولحقته وأعدته مكانه، هذا من الشيطان فلا يحدث به إطلاقاً، فالشيطان يتلاعب بابن آدم في المنام، فيريه مثل هذه الأشياء، وكذلك من رؤى الضلال المبين أن يرى الإنسان -مثلاً- صورة الله أو النبي صلى الله عليه وسلم أو الملائكة، يقول له: افعل حراماً. الشيطان يصوره له يقول على أنه الله، أو أنه النبي، أو أنه الملك يقول له: افعل الشيء المحرم، فهذا أيضاً من تلاعب الشيطان لأن الله لا يأمر بالفحشاء، فهذا من الشيطان، كذلك لو أن الشيطان أرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام مثلاًُ أنه قال: هذا النبي صلى الله عليه وسلم، أسود اللون أو قصير أو سمين أو أعرج أو فيه عاهة أو أعور ونحو ذلك، هذا ليس هو النبي عليه الصلاة والسلام، هذا من تلاعب الشيطان بابن آدم في المنام. النوع الثالث: نوع لا بشارة ولا من الشيطان، وإنما هو شيء كان الإنسان مهموم به في حياته، كالطالب الذي يذاكر في الامتحان ويقلب الأوراق، ويتخيل الاختبار وما سيأتي من الأسئلة ونحو ذلك فينام، فيرى نفسه في قاعة الاختبار في المنام وتوزع الأوراق، وأنه يحل وأنه سلم الورقة وأنه .. ، شيء كان مهموماً به في يومه فرآه في ليلته، معاملة واحد يتابع فيها، فيرى في المنام المعاملة، ونحو ذلك. فإذاً هذا النوع لا تقول أنه رؤى من الله بشارة أو لا تقول أنه تلاعب من الشيطان، بل هو هم كان الإنسان مهموماً به في نهاره، فانطبع في شعوره، فرآه في ليله في المنام.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060007.rm[/RAMS]
أقسام الناس بالنسبة للرؤيا
أقسام الناس بالنسبة للرؤيا، فإن الناس فيها أقسام: فأما الأول فهم: الأنبياء، ورؤياهم كلها صدق ووحي. الصالحون: والغالب على رؤاهم الصدق، وقد يقع فيها ما يحتاج إلى تعبير، فهي نوعان: نوع لا يحتاج إلى تعبير، يرى أنه سيحدث في اليوم الفلاني كذا وكذا مثلاً، فيقع فعلاً كما رأى مباشرة، ونوع فيه غموض يحتاج إلى تفسير، فهذا النوع الذي قد يقع لأناس من الصالحين. وأما من عداهم فتقع لهم أشياء قد تكون صادقة وقد تكون غير صادقة، ولكن الفسقة يغلب على رؤاهم الأضغاث ويقل فيها الصدق، وأما الكفار فيندر جداً أن يقع منام صادق بالنسبة لهم.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060008.rm[/RAMS]
هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟
مسألة مهمة: هل يترتب على الرؤيا حكم شرعي؟ إن غلاة الصوفية -أيها الإخوة- كما تقدم في الدرس الماضي، جعلوا من مصادر التلقي المنامات. كل أهل السنة والجماعة مصادر التلقي عندهم الكتاب والسنة وإجماع الأمة، والقياس؛ أعني قياس عير المنصوص عليه على المنصوص عليه في الكتاب والسنة. الصوفية عندهم كما ذكرنا (الكشف) يقولون: انكشفت لنا الأستار، ورأى القطب (الولي الأعظم) اللوح المحفوظ ورأى ما هو مكتوب فيه، الذوق والوجد والمنامات، ورأى الخضر، وطلع المقبور فحدثه بأشياء، ويعتبرون ذلك تشريعاً ويقول: أنا أخذت الورد الفلاني والصلاة النارية على فلان الفلاني، خرج من قبره وحدثني به، هذا مصدر عندهم للتشريع والتلقي، وينبني عليه أحكام وفيها فضائل. بالنسبة لـأهل السنة ، ليست الرؤى عندهم مصادر التلقي، والمنامات والرؤى على فضلها لا تؤخذ منها أحكاماً شرعية، ولا يمكن أن يقول عالم من علماء أهل السنة : إن الشيء الفلاني حرام، والدليل رؤيا رأيتها وفيها كذا كذا، أو يقول: الشيء الفلاني مباح، والدليل رؤيا رأيتها وهي كذا كذا، هذا ليس في دين الإسلام فإذاً غير رؤى الأنبياء لا يمكن أن يؤخذ منها أحكام، رؤى الأنبياء حق ووحي يؤخذ منها أحكام، أما رؤى الناس بشارات، وأخبار عن أشياء تقع في المستقبل، وهكذا. وليست مجالاً ولا مأخذاً للأحكام، فقد يقول قائل: أليس الأذان شرع بالمنام؟ وأليس عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب رأيا الأذان؟ نقول: نعم . لكن متى صار الأذان من الدين لما رآه عبد الله بن زيد ورآه عمر أو لما أقره النبي عليه الصلاة والسلام؟ لما أقره عليه الصلاة والسلام، ولذلك ما كانت رؤيا عبد الله بن زيد بمفردها تشريعاً، وإنما بإقرار النبي عليه الصلاة والسلام على ذلك، وحتى لا يقطع بها في مسائل كمثل رؤية الهلال، قال النووي رحمه الله: لو كانت ليلة الثلاثين من شعبان، ولم ير الناس الهلال، فرأى إنسان النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقال له: الليلة أول رمضان، أي: ليلة ثلاثين شعبان، لم يصح الصوم بهذا المنام، لا لصاحب المنام ولا لغيره، فإذاً المنامات لا يؤخذ منها الأحكام الشرعية.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060009.rm[/RAMS]
آداب المنام
أما بالنسبة للمنام فله آداب تتعلق به: قال ابن القيم رحمه الله: ومن أراد أن تصدق رؤياه، فليتحر الصدق، وأكل الحلال، والمحافظة على الأوامر والنواهي، ولينم على طهارة كاملة، مستقبل القبلة، ويذكر الله حتى تغلبه عيناه، فإن رؤياه لا تكذب البتة. وأصدق الرؤيا ما كان في الأسحار، فإنه وقت النزول الإلهي، واقتراب الرحمة والمغفرة، وسكون الشياطين، وعكسه رؤيا العتمة، التي هي وقت العشاء، عند انتشار الشياطين والأرواح الشيطانية، فكون الرؤيا تصدق بالأسحار فهذا غالباً، غالب الرؤيا الصادقة تكون في الأسحار.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060010.rm[/RAMS]
آداب الرؤيا الصالحة
ما هي آداب الرؤيا الصالحة؟لو أن إنساناً رأى رؤيا يحبها فيها بشارة، ماذا يفعل؟ قال صلى الله عليه وسلم : (إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها، وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان، فليستعذ من شرها، ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره) وقال صلى الله عليه وسلم: (فإن رأى أحدكم حسنة فليبشر، ولا يخبر إلا من يحب).فإذاً الآداب المتعلقة بالرؤيا الصالحة، في السنة عدة : أولاً: أن يحمد الله تعالى.ثانياً: أن يسأله تحقيقها.ثالثاً: يحدث بها من يحب.رابعاً: أنه لا يخبر حاسداً ولا يخبر جاهلاً، يحدث بها من يحب.وأما الرؤيا المكروهة، فجاء في السنة أنه إذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً، فإنها لا تضره، وفي رواية: (وليبصق عن يساره ثلاثاً، ويستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً، وليتحول عن جنبه الذي كان عليه) وفي رواية: (فإن رأى أحدكم ما يكره فليقم، وليصل ولا يحدث بها الناس) فإذا رأى الإنسان رؤيا سيئة أو مكربة أو مفزغة فماذا يجب عليه أن يعمل؟ أولاً: يستعيذ بالله من شرها.ثانياً: يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.ثالثاً: يتفل عن يساره ثلاثاً طرداً للشيطان وتحقيراً له، وجهة الشمال معروفة في الشريعة للأشياء المستقذرة، والشيطان ممكن أنه يكبت من جراء هذا البصق، وهذا التفل الذي يكون عن الشمال ثلاث مرات، ويحقر ويخنس.رابعاً: لا يذكرها لأحد؛ حتى لا يتعجل أحد بتعبيرها بأشياء مكروهة، فيتضرر الرائي.خامساً: أن يصلي عندما يستيقظ من نومه، والصلاة مطردة للشيطان.سادساً: يتحول عن جنبه الذي كان عليه، تفاؤلاً بتغير الحال، فإذا كان نائماً على اليمين ينام على ظهره، فهذه بالنسبة لمسألة الرؤى السيئة، أما إذا انفجع من الرؤيا وقام من النوم مفزوعاً يقول: أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون، وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ [المؤمنون:97-98].
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060011.rm[/RAMS]
تأويل الرؤى وتعبيرها
أما تأويل الرؤى وتعبيرها فمعناها: الأخبار بما تئول إليه الرؤيا، فما هو تفسير الرؤيا؟ هو كما عبر يوسف يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ [يوسف:41]. الأولى تعبيرها شبه مباشر: أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً [يوسف:41]، وأما الآخر، فيصلب ويموت ويقتل وتأكل الطير من رأسه، تأتي وتقف عليه وهو مصلوب وتأكل من رأسه وتنقر في رأسه، هذا تأويله. الرؤى إذاً قسمان: قسم جلي، كمن رأى في المنام أنه يعطى تمراً فقام في النهار فأعطي تمراً. أو رأى في المنام أن فلاناً سيموت، فقام من المنام وأخُبر أن فلاناً مات، أو بعد مدة حصل ما رآه منه. وقسم مرموز له، بعيد المرامز لا يعبره إلا حاذق؛ لأن فيه ضرب مثل، فهذا لا يقص إلا على معبر، والمعبر له صفات : منها أن يكون عالماً، ذكياً، تقياً، نقياً من الفواحش، يعرف حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولغة العرب، فهذا الذي تقص عليه الرؤى لتعبيرها وتفسيرها، وأيضاً يقول عمر رضي الله عنه لما كتب لـأبي موسى كما في شرح السنة للبغوي : [أما بعد: فإني آمركم بما يأمركم به القرآن، وأنهاكم عما نهاكم عنه محمد صلى الله عليه وسلم، وآمركم باتباع الفقه والسنة والتفهم في العربية، وإذا رأى أحدكم رؤيا فقص على أخيه فليقل خيراً لنا وشراً لأعدائنا] أي يتفاءل بها لنفسه وللمسلمين، وأيضاً ويتفاءل بأنها شر على الكفار والأعداء. وقد سئل الإمام مالك رحمه الله: أيعبر الرؤيا كل أحد؟ قال: [أبالنبوة يلعب!] ثم قال: [الرؤيا جزء من النبوة فلا يعلب بالنبوة] وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا رأى أحدكم رؤيا حسنة فليفسرها وليخبر بها، وإذا رأى رؤيا قبيحة، فلا يفسرها، ولا يخبر بها) وإذا كان يستطيع أن يفسرها فسرها، وإذا لم يستطع أن يفسرها فإنه يقصها على من يعرف التفسير، ممن تقدمت صفته.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060012.rm[/RAMS]
السؤال عن الرؤيا
والسؤال عن الرؤيا لا بأس به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان إذا صلى الصبح أقبل على أصحابه، ويقول: هل رأى أحد منكم البارحة رؤيا؟ من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها له) كان يقول لأصحابه هذا الكلام بعد الفجر خاصة؛ لأن الرائي يكون صافي الذهن، والعابر يكون حاضر الذهن، ورؤى الأسحار -كما تقدم- من أصدق الرؤى، ومرة ما قص عليه أحد شيء، فأخبر عن رؤيا رآها، وأخبر عما حصل فيها. تقص الرؤيا على صاحب مودة وعلى ذي علم، كما جاء في الحديث، ولا تقص على حاسد، ولذلك كان يعقوب حكيماً لما قال ليوسف: لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ [يوسف:5] لأن إخوتك حسدة، حسدوك على النعمة التي أعطاك الله إياها، فلا تقصصها على حاسد: فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً [يوسف:5]. هل يمكن للإنسان إذا أخبر جاهلاً برؤيا ففسرها وعبرها أنها تقع فعلاً على هذا النحو الذي عبرها به؟ ممكن، وقد جاء حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، تكلم العلماء في صحته، بعضهم صححه وبعضهم لم يصححه أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن الرؤيا تقع على ما تعبر به، ومثل ذلك كمثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها) إذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحاً أو عالماً، الرؤيا على رجل طائر ما لم تعبر، فإذا عبرت وقعت. وقد يقال: ممكن الآن واحد يقص الرؤيا على كذا شخص وكل واحد يفسرها له تفسيراً مختلفاً، فعلى أي تفسير تقع؟ قال بعضهم: تقع على أول معبر، واشترط بعضهم أن يكون أول عابر يصيب وجه التعبير الصحيح، وإذا أول عابر ما أصاب وجه التعبير الصحيح، وقال كلاماً من عنده خلطاً وما أصاب، فأول واحد يصيب بعده، يقع تعبير الرؤيا بناءً على كلامه، فإذاً على أول معبر يعبرها بشكل صحيح. هناك قصة حسنه رواها الدارمي ، حسن الحافظ ابن حجر رحمه الله إسنادها في الفتح : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : (كانت امرأة من أهل المدينة لها زوج تاجر، يختلف في التجارة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن زوجي غائب وتركني حاملاً فرأيت في المنام أن سارية بيتي انكسرت، وأني ولدت غلاماً أعور، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خيرٌ، يرجع زوجك إن شاء الله صالحاً تلدين غلاماً براً، فذكرت ذلك له، فجاءت ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب، ذكرت ذلك ثلاثاً) الآن المرأة جاءت وسألت ثلاث مرات وهي تجاب بنفسه، جاءت مرة أخرى والنبي عليه الصلاة والسلام غائب، وعائشة موجودة، فسألت عائشة عن المنام، يعني: الآن ليس هناك داعي أن تسأل عائشة ؛ لأنها سألت النبي عليه الصلاة والسلام وهو أصدق الناس، وأعرف الناس بالتأويل، فلماذا تسأل بعده؟ فربما أصبحت في عقوبة. فـعائشة ما كانت تدري عما قبل، فلما جاءت هذه المرأة وقالت: رأيت كذا وكذا، قالت عائشة : [لئن صدقت رؤياك، ليموتن زوجك، وتلدين غلاماً فاجراً] فقال: انكسرت سارية البيت، يعني: موت عمود البيت وهو الرجل، والغلام الأعور يعني: غلام فاجر، فقعدت تبكي المرأة هذه، فجاء رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم، فقال: (مه يا عائشة ! إذا عبرتم للمسلم الرؤيا فعبروها على خير؛ فإن الرؤيا تكون على ما يعبرها صاحبها، قالت عائشة : فمات والله زوجها، ولا أراها إلا ولدت غلاماً فاجراً) فقال بعضهم: لعله عقوبة لهذه المرأة حيث سألت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سألت ثلاثاً وما اكتفت ؟! فإذاً الرؤيا لا تقص على أي أحد، تقص على ناصح وواد، ليس على حاسد ولا على جاهل، وإنما صاحب علم، هذه الصفات التي ذكرناها لمن تقص عليه الرؤيا.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060013.rm[/RAMS]
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام
رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام تقدم الكلام فيها وشرحها، وأن الشيطان لا يتمثل بصورة النبي عليه الصلاة والسلام، وإذا رأيته عليه الصلاة والسلام ورأيت شعره أسود، ورأيت شيباً بسيطاً في مفارق الرأس والعنفقة (عشرون شعرة بيضاء) ولحيته تملأ ما بين منكبيه، ووجهه أبيض مشرب بالحمرة، وعيناه واسعتان، وشديدتا السواد في شدة البياض، ورموشه قد طالت وانثنت، وأنه صلى الله عليه وسلم عريض ما بين المنكبين، وأنه عظيم المشاش أي: مفاصل الأصابع، وأنه صلى الله عليه وسلم كان شعره يصل إلى أذنيه أو يصل أحياناً إلى عاتقيه، وأحياناً تكون له ظفائر، وكل هذا ورد في صفة شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر ما ورد في صفاته؛ إذا رأيته على صفاته التي وردت في كتب السيرة، فهو هو عليه الصلاة والسلام، والشيطان لا يمكن أن يتمثل به، فرؤيته قد تكون بشارة تثبيت، لصاحب المنام -مثلاً- يثبته الله عز وجل بأن يريه النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول له كلمات فيها تثبيت، وقد يراه من غير أن يقول له كلمة. وأما إذا رئي على صفة المغايرة، فليس هو النبي عليه الصلاة والسلام قطعاً، وقد يقول: رأيت نوراً ما رأيت وجهه ولا رأيت شكله، فنقول: لا نستطيع أن نقطع أنه هو عليه الصلاة والسلام. ابن سيرين قال له رجل: إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال : صف الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها، قال له : لم تره، ومرة رآه رجل، فوصفه لـابن عباس : قال: لم تعدل، لو رأيته في الحقيقة ما استطعت أن تصفه بأكثر وأوضح من هذا، والرجل ما كان رأى النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من التابعين.
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060014.rm[/RAMS]
رؤى النبي صلى الله عليه وسلم
النبي عليه الصلاة والسلام رأى رؤيا فقصها على أصحابه، رأى أنه على حوض يسقي الناس، وأتى أبو بكر فأخذ الدلو ليريح النبي عليه الصلاة والسلام، فنزع ذنوبين، وفي نزعه ضعف والله يغفر له، فأتى عمر بن الخطاب فأخذ منه، فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر، ففسروه على أن الفتوحات في عهد عمر بن الخطاب تكون شاملة وكبيرة، وعهد الصديق كان سنتين وأشهر، انشغل فيه بقتال المرتدين، وإرساء دعائم الإسلام، وما كان عمر يستطيع أن يفتح لولا أن أبا بكر قد مهد الأمر بوضع القواعد والأسس، وأن الإسلام قد استتب في الجزيرة بمحاربة المرتدين. خلافة عمر استمرت فوق عشر سنوات، ولذلك فتح الله الأمصار في عهده، والنبي صلى الله عليه وسلم رأى أن عمر بن الخطاب عليه قميص يجتره فأوَّله بالدين، يعني: أن دين عمر كامل وسابغ، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشرب لبناً وأنه خرج من أظفاره الري وأنه أعطى الفضل لـعمر ، وأول اللبن هنا بالعلم، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم قصراً وامرأة تتوضأ بجانب القصر، فقال: (لمن القصر؟ فقيل: لـعمر ؟ فذكرت غيرتك فوليت مدبراً، فبكى عمر رضي الله تعالى عنه). رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه هاجر إلى أرض ذات نخل، ذهب وأهله إلى أرض اليمامة أو هجر ، فإذا المدينة هي يثرب، ورأى رؤيا أنه انثلم سيفه، فانقطع صدره، فإذا هو ما وقع بالمؤمنين يوم أحد من مصيبة، ثم هزه مرة أخرى فإذا هو راجع كما كان، فأوله ما جاء الله به من فتح واجتماع المؤمنين، ورأى في المنام بقراً تذبح، وكان تأويلها النفر من المؤمنين -السبعين- الذين أصيبوا في أحد وقتلوا، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أناساً من أمته، غزاة في سبيل الله يركبون ثبج البحر كالملوك على الأسرة، فأخبر أصحابه بذلك واستيقظ يضحك، فسألت أم حرام بنت ملحان ، أن يجعلها الله منهم، فدعا لها، فهكذا حصل وركبت البحر زمن معاوية وغزت، وخرجت من الساحل وركبت الدابة فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر، فهلكت وذهبت شهيدة إلى الله سبحانه وتعالى. وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة أنه في دار عقبة بن رافع ، وأنه أوتي برطب من رطب مرطاب فأولها بالرفعة لنا في الدين، والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب، وكذلك رأى النبي صلى الله عليه وسلم زوجته عائشة يحملها الملك جبريل في سرقة من حرير، ويقول هذه امرأتك، فيكشفها فإذا هي عائشة ، هذا الكلام قبل أن يتزوج عائشة بمدة، ويقول: إن يكن من عند الله يمضه، وفعلاً تزوج النبي صلى الله عائشة ، ورأى النبي عليه الصلاة والسلام امرأة سوداء ثائرة الرأس، خرجت من المدينة حتى نزلت الجحفة ، فأولها: بأن وباء المدينة خرج من المدينة ونقل إلى الجحفة، وهذا الحديث في البخاري . والصحابة رأوا رؤى؛ منها ما تقدم أن رجالاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رؤاكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها) ورؤيا الأذان كذلك من رؤيا الصحابة رضوان الله تعالى عنهم، وغير هذه من الرؤى التي رآها الأنبياء والصالحون من بعدهم، وربما الرؤيا أحياناً تذكر الإنسان بشيء، كأن يكون مجتهداً يفكر في أمر من الأمور، كمن عرضوا عليه قضية صلاة الجنازة على شخص مشكوك فيه، ما يدري هل هو مسلم أم كافر؟ فماذا يقول في صلاة الجنازة؟ فقيل: أن أحد أهل العلم وهو شيخ الإسلام رحمه الله عرضت المسألة عليه ونام، فرأى رؤيا وكأن أحداً يقول له: الشرط يا أحمد ! الشرط يا أحمد ! ففهم من ذلك أن يشرط في الدعاء، يعني أنه يقول في الدعاء: اللهم إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فاغفر له وارحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وهكذا، فيقول الشرط، إن كان صاحب هذه الجنازة مؤمناً فيدعو له بالمغفرة والرحمة، وكذلك إذا اشتبه في كونه مؤمناً أو كافراً أو ما يدرى عن حاله، وكذلك يمكن أن تحصل رؤيا تدل شخصاً على شيء مفقود، كما حصل لبعض القضاة وكان قد وضع عنده صك قرض لبعض من جاء يستفتيه في مسألة العقار، فقال القاضي: انظر فيها وضعها في مكان وتفي، وجاء أصحاب الصك يريدونه فما عثر عليه الورثة، وصارت المسألة في حرج على أولئك وعلى هؤلاء، فرأى ولد القاضي في المنام أن الشيخ يقول له: أنظرها في المكان كذا من الدرجة، في مكان وضعتها فيه، فقام من النوم، وذهب فعلاً فوجدها في نفس المكان الذي قيل له في المنام أن أباه قد وضعها فيه، وجاء وأعطاها لأصحابها وقال: إنه رحمه الله دلني على المكان في المنام، وقد تقع عجائب من هذا القبيل، وهذا لا حرج في ثبوته وتصديقه، وممكن أن يكون حقاً، وأخبار الرؤى كثيرة جداً وتكفي القواعد التي تقدم ذكرها. ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يقر أعيننا بدينه ونصرة دينه، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يجعلنا من أهل الصلاح والتقوى، والمتمسكين بالعروة الوثقى، وأن يجعلنا من أهل الصدق، و صلى الله و سلم على نبيا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.......
[RAMS]http://live1.islamweb.net/lecturs/malmonajed/106/1060015.rm[/RAMS]
نسأل الله أن ينفعنا وإياكم بهذا الطرح وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
منقول بتصرف