السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تم وضعه في العام لتعم الفائده
صلاة العيد والجمعة إذا اجتمعا.
جمعت أقوال المذاهب الأربعة في المسألة فقلت :
1 ـ مذهب الأحناف :
مذهب الحنفية أنه إذا اجتمع يوم العيد ويوم الجمعة فإن إحدى الصلاتين لا تجزىء عن الأخرى بل يسن للشخص أو يجب عليه صلاة العيد على حسب الخلاف فى ذلك فى المذهب وعليه أيضاً صلاة الجمعة .
قال ابن عابدين في حاشيته :
قَال فِي الْهِدَايَةِ نَاقِلًا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ وَلَا يُتْرَكُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ا هـ . قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ : احْتَرَزَ بِهِ قَوْلُ عَطَاءٍ تَجْزِي صَلَاةُ الْعِيدِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ سُقُوطُ الْجُمُعَةِ بِالْعِيدِ مَهْجُورٌ . وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّ ذَلِكَ فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ . ا هـ .
2 ـ مذهب المالكية :
قال في المنتقى شرح الموطإ في باب: الأمر بالصلاة قبل الخطبة في العيدين :
( فَصْلٌ ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ شَهِدْت الْعِيدَ مَعَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَجَاءَ فَصَلَّى ثُمَّ انْصَرَفَ فَخَطَبَ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ ثُمَّ قَالَ إنَّهُ قَدْ اجْتَمَعَ لَكُمْ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ يَعْنِي أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ صَادَفَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ الْعَالِيَةِ أَنْ يَنْتَظِرَ الْجُمُعَةَ فَلْيَنْتَظِرْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَرْجِعَ فَقَدْ أَذِنْت لَهُ ، الْعَالِيَةُ مِنْ الْعَوَالِي قَالَ مَالِكٌ بَيْنَ أَبْعَدِ الْعَوَالِي وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ مَنَازِلُ حَوَالِي الْمَدِينَةِ سُمِّيَتْ الْعَوَالِي لِإِشْرَافِ مَوَاضِعِهَا وَأَهْلُ الْعَوَالِي يَلْزَمُهُمْ حُضُورُ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ عِيدَانِ فِي يَوْمٍ جَازَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجُمُعَةِ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا أَذِنَ لِأَهْلِ الْعَوَالِي غَيْرُ عُثْمَانَ . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي جَوَازِ ذَلِكَ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ وَأَنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَمُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَالصَّوَابُ أَنْ يَأْذَنَ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا أَذِنَ عُثْمَانُ وَأَنْكَرُوا رِوَايَةَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَبِذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةُ وَالشَّافِعِيُّ . وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } وَلَمْ يَخُصَّ عِيدًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ الْفَرَائِضَ لَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ الْإِذْنُ فِي تَرْكِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ بِحَسْبِ الْعُذْرِ فَمَتَى أَسْقَطَهَا الْعُذْرُ سَقَطَتْ وَلَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ الْمُطَالَبَةُ وَإِنْ ثَبَتَتْ لِعَدَمِ الْعُذْرِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ إسْقَاطُهَا . وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا يَلْحَقُ النَّاسَ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِالتَّكْرَارِ وَالتَّأَخُّرِ وَهِيَ صَلَاةٌ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِطُولِ الْمَسَافَةِ وَبِالْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَحْكُمُ ، وَمِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ عُثْمَانَ خَطَبَ بِذَلِكَ يَوْمَ عِيدٍ وَهُوَ وَقْتُ احْتِفَالِ النَّاسِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ أَذِنْت لَهُ يُرِيدُ أَعْلَمْت النَّاسَ أَنِّي أُجِيزُهُ وَآخُذُ بِهِ وَلَا أُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَمِلَ بِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَخْذُ النَّاسِ بِالْمَجِيءِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْإِنْكَارُ عَلَى مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا إلَّا لِعُذْرٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ لَزِمَ النَّاسَ اتِّبَاعُ رَأْيِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ مِثْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ .اهـ
3 ـ مذهب الشافعية :
قالوا: إن صلاة العيد تغني عن صلاة الجمعة لأهل القرى التي لا يوجد فيها عدد تنعقد بهم الجمعة ويسمعون الأذان من البلد الذي تقام فيه الجمعة، فيذهبون لصلاتها، ودليلهم قول عثمان في خطبته: أيها الناس إنه قد اجتمع عيدان في يومكم، فمن أراد من أهل العالية ـ قال النووي: وهي قريبة من المدينة من جهة الشرق ـ أن يصلي معنا الجمعة فليصل، ومن أراد أن ينصرف فليفعل ،أما غير أهل القرى فلا تسقط الجمعة عنهم بلا خلاف.
قال النووي في المجموع :
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ : إذَا اتَّفَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عِيدٍ وَحَضَرَ أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ لِبُلُوغِ نِدَاءِ الْبَلَدِ فَصَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ ، وَفِي أَهْلِ الْقُرَى وَجْهَانِ : الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمُ : أَنَّهَا تَسْقُطُ ( وَالثَّانِي ) : لَا تَسْقُطُ ، وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ ، وَأَجَابَ هَذَا الثَّانِي عَنْ قَوْلِ عُثْمَانَ وَنَصِّ الشَّافِعِيّ فَحَمَلَهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ . ( فَإِنْ قِيلَ ) هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِيهِ أَوْلَى فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَهُ . ( فَالْجَوَابُ ) : أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَضَرُوا الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ يُكْرَهُ لَهُمْ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ ، صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ ، قَالُوا : فَإِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ زَالَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ فَبَيَّنَ عُثْمَانُ وَالشَّافِعِيُّ زَوَالَهَا ، وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ ، وَهُوَ سُقُوطُهَا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ . فَرْعٌ ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْلِ الْبَلَدِ وَسُقُوطُهَا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ.اهـ
4 ـ مذهب الحنابلة :
يقولون: من صلى العيد سقطت عنه الجمعة، إلا الإمام فلا تسقط عنه إذا وجد العدد الكافي لانعقاد الجمعة، أما إذا لم يوجد فلا تجب صلاة الجمعة، وفي رواية عن أحمد أن الجمعة لو صليت أول النهار قبل الزوال أغنت عن العيد، بناء على أن وقتها يدخل بدخول وقت صلاة العيد.
وجاء فى المغني لابن قدامة الحنبلي :
فصل
وإن اتفق عيد في يوم جمعة سقط حضور الجمعة عمن صلى العيد, إلا الإمام فإنها لا تسقط عنه إلا أن لا يجتمع له من يصلي به الجمعة وقيل: في وجوبها على الإمام روايتان وممن قال بسقوطها الشعبي والنخعي, والأوزاعي وقيل: هذا مذهب عمر وعثمان وعلي, وسعيد وابن عمر وابن عباس, وابن الزبير وقال أكثر الفقهاء تجب الجمعة لعموم الآية والأخبار الدالة على وجوبها ولأنهما صلاتان واجبتان, فلم تسقط إحداهما بالأخرى كالظهر مع العيد .
ولنا ما روى إياس بن أبي رملة الشامي, قال: (شهدت معاوية يسأل زيد بن أرقم: هل شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- عيدين اجتمعا في يوم واحد؟ قال: نعم قال: فكيف صنع؟ قال: صلى العيد ثم رخص في الجمعة فقال: من شاء أن يصلي فليصل) رواه أبو داود, والإمام أحمد ولفظه (من شاء أن يجمع فليجمع) وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (اجتمع في يومكم هذا عيدان, فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مجمعون) رواه ابن ماجه وعن ابن عمر وابن عباس, عن النبي - صلى الله عليه وسلم- نحو ذلك ولأن الجمعة إنما زادت عن الظهر بالخطبة وقد حصل سماعها في العيد فأجزأ عن سماعها ثانيا, ولأن وقتهما واحد بما بيناه فسقطت إحداهما بالأخرى كالجمعة مع الظهر, وما احتجوا به مخصوص بما رويناه وقياسهم منقوض بالظهر مع الجمعة فأما الإمام فلم تسقط عنه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (وإنا مجمعون) ولأنه لو تركها لامتنع فعل الجمعة في حق من تجب عليه, ومن يريدها ممن سقطت عنه بخلاف غيره من الناس. اهـ
وخلاصة القول ما ذكره ... سئل الدكتور وهبة الزحيلي حفظه الله:
ما حكم اجتماع العيد والجمعة؟ وهل تسقط الجمعة حتى إذا لم أصلي العيد؟ وهل صلاة الجمعة واجبة أم سنة مؤكدة؟
فأجاب :
هذا الحكم مقرر في المذهب الحنبلي دون غيره، ولكنه حكم مهمل غير معمول به، فالواجب أداء صلاة الجمعة فهي فريضة، وصلاة العيد واجبة أيضاً عند الحنفية، سنة مؤكدة في بقية المذاهب، فما أجمل اجتماع مناسبتين لتكثير الثواب والأجر
أدلة كل المذاهب الأربعة:
هدية المستفيد في حكم صلاة الجمعة مع العيد
بقلم: الشيخ إبراهيم المختار، رئيس قضاة أرتريا