يقول الله - تعالى -: "يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم. يوم ترونها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت وتضع كل ذات حملٍ حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد".
أخي الكريم: عد معي بالذاكرة قليلاً إلى الوراء، إلى أسبوع مضى إلى تلك الأحداث والمشاهد التي لاشك أنها لم تبرح مخيلتك بعد،
وكيف كان شعورك وأنت تنظر إلى تلك المناظر وكيف كان الرعب والخوف يتملك قلبك وأنت على بعد آلاف الأميال منها،
وهكذا كان حال معظم من شاهدها من جميع أقطار المعمورة،
وكيف كان حال القريبين من موقع الحدث ورأيت بعينيك ما صاحب تلك الأحداث من مشاهد الخوف والفزع والهلع الذي أصابهم وقد تملكهم الخوف وانطلقوا في كل حدب وصوب لا يلوون على شيء في منظر مرعب مخيف، سحب الدخان الداكن الكثيف تنتشر بسرعة وألسنة للهب مثل الجبال والناس يتساقطون من أعالي المباني والهدم والدمار والصراخ والعويل.
أخي الكريم:
هل ذكرك ذلك المشهد بمشهد يوم القيامة الذي جاء وصفه في كتاب الله وفي أحاديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وبالتحديد هل وقفت مرة عند هذه الآية وتأملتها
وتخيلت المشاهد التي جاءت فيها؟
إن ما شاهدناه من صور مرعبة وأحداث مهولة لا تعدل معشار أهوال يوم القيامة وأحداثها.
كيف لا؟
هذا دمار محدود ويوم القيامة سوف يكون الدمار في كل أرجاء الكون،
الأرض سوف تتزلزل من تحت الأقدام،
المباني الشاهقة سوف تسقط وتتهدم،
والمصانع القائمة سوف تشتعل فيها النيران،
والبحار وما أدراك ما البحار سوف تتحول إلى نيران مشتعلة،
والجبال الراسية سوف تكون كالعهن المنفوش وهو القطن المتطاير في الهواء.
يا لها من مشاهد تتقطع القلوب من ذكرها فما بالك بمشاهدتها ومعايشتها؟
اللهم رحماك رحماك يا رب..
ويكفي وصف الله تبارك وتعالى لتلك الزلزلة بأنها شيء عظيم: إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يحذرنا - سبحانه وتعالى - وهو العالم بأحوالنا الرحيم بنا يحذرنا من شر ذلك اليوم ويوجه الخطاب إلى الناس وليس للمؤمنين فحسب بل لكل البشر: يا أيها الناس اتقوا ربكم أي خافوا عذاب الله وأطيعوه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه إن زلزلة الساعة شيءٌ عظيم:
تعليل للأمر بالتقوى أي أن الزلزال الذي يكون بين يدي الساعة أمر عظيم وخطب جسيم يوم ترونها:
أي في ذلك اليوم العصيب الذي تشاهدون فيه تلك الزلزلة وترون هول مطلعها تذهل كل مرضعةٍ عما أرضعت:
أي تغفل وتذهل مع الدهشة وشدة الفزع كل أنثى مرضعة عن رضيعها فإذا رأت ذلك المنظر نزعت ثديها من فم طفلها وفرت عن أحب الناس إليها وهو طفلها الرضيع!!
وتضع كل ذات حملٍ حملها:
وتسقط الحامل ما في بطنها من هول الفاجعة وشدة الواقعة،
وترى الناس سكارى وما هم بسكارى:
أي تراهم يترنحون ترنح السكران من هول ما يدركهم من الخوف والفزع وما هم على الحقيقة بسكارى من الخمر ولكن عذاب الله شديد:
أي أن أهوال الساعة وشدائدها أطارت عقولهم وسلبت أفكارهم.
أخي الكريم:
دعنا نتساءل (أنا وأنت) ماذا أعددنا لأهوال يوم القيامة؟
أم أن عندنا شك في هذا الكلام؟
كلا، إنه كلام ربنا الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه
ووالله أن ما ذكره لنا في كتابه وما صوره لنا من تصوير ووصفه لنا من وصف سوف يقع بتفاصيله وصوره لا محالة،
فالله الله في العمل والإستعداد لتلك الأهوال،
فلا منجي والله إلا الله ولا ينفع الإنسان إلا ما قدم،
إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
الأيام تمضي والساعات تمر والعمر يتقدم والساعة تقترب وعلاماتها الصغرى قد اكتملت
والكبرى بوادرها على الأبواب
وإذا جاءت أولاها تلتها أخواتها كما تنخرط حبات المسبحة إذا ما انفرط عقدها،
فماذا أعددنا لها؟
كم هو موجع هذا السؤال ولكنه مفيد مادمنا في ساعة الفسحة وزمن المهلة!
نعم ماذا أعددنا لها من أعمال صالحة؟
جاء رجل إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال يا رسول الله متى الساعة؟ قال: ماذا أعددت لها؟... نعم إي والله ماذا أعددنا لها؟!
أعمارنا محسوبة وأيامنا معدودة
وكل ساعة محاسبون عليها فماذا أعددنا؟
هل ننتظر حتى يداهمنا الموت (وما أقرب الموت) حتى نبدأ العمل؟
إذن اسمع قول الحق - تبارك وتعالى -: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب إرجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت، كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون".
اللهم إنا نسألك توبة قبل الموت وراحة عند الموت ونسألك الفوز بالجنة والنجاة من النار، اللهم آمن روعاتنا واغفر زلاتنا وتجاوز عن سيئاتنا وتب علينا واجعلنا اللهم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.