أيها المجاهدون في (حماس) أبشروا فـ(إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين)
أ.د. ناصر بن سليمان العمر
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:
لقد أبهج نفوسنا وشفى صدور قوم مؤمنين هذا الانتصار الذي تحقق بفوز حركة (حماس) في الانتخابات الأخيرة، ومن هنا فإننا نقدم التهنئة للمسلمين في فلسطين وغيرها، وللإخوة في حركة حماس على وجه الخصوص، ذلك أن انتصارهم وفوزهم فوز لكل مسلم يرى أن حل قضية فلسطين لا يمكن أن يتحقق إلا بأسلمة القضية والالتزام بالمنهج الشرعي، وعلى رأس ذلك الجهاد في سبيل الله، ونسأل الله أن يكون هذا الانتصار محققاً للآمال، وخطوة في الطريق الصحيح لتحرير فلسطين من الغاصبين، ولم يكن هذا الانتصار بمفاجئ أو غريب، فإن الشيء من معدنه ليس مستغرباً، وهو ثمرة طبيعية لجهاد مشروع وعمل مشكور.
ولا شك أن هذا الانتصار يشير إلى أمور، أهمها:
الأول: أن الأمة تشهد انتصارات عظيمة في مجالات كثيرة، ومنها ما يتعلق بالجهاد، فحب الأمة للجهاد وتضحيتها من أجله، وبخاصة جهاد اليهود، وإدراكها العداوة المتأصلة بيننا وبينهم، انتصار لأهل الإسلام ودعاته، بل هو انتصار عظيم على أولئك المهزومين الذين يحاولون إنهاء القضية بحلول سلمية ذليلة، وهو انتصار للمشروع الإسلامي الذي طال ترقبه وانتظاره.
الثاني: هذا الحدث مؤشر، ودال على إفلاس المنظمات غير الإسلامية، كمنظمة التحرير الفلسطينية الممثلة في السلطة الفلسطينية، حيث نجد الفرق الشاسع بين الأصوات التي حصلت عليها (حماس)، وبين الأصوات التي حصلت عليها المنظمة أو السلطة، علماً بأن هناك منظمات جهادية لم تدخل في الانتخابات، كحركة الجهاد، ولعلها لو دخلت لاستحوذت على كثير من الأصوات مع أختها (حماس)، وربما لم تحصل السلطة إلا على القليل من الأصوات.
لقد وصفت وسائل الإعلام العالمية هذا الحدث بأنه (زلزال)، فلا عجب أن يتنادى السياسيون في العالم للاعتراف بهذا الانتصار اعترافاً بالواقع، لأن تجاهله لم يعد ممكناً مع أنهم طالما تجاهلوا الجهاد والمجاهدين والمنظمات الجهادية زمناً طويلاً، وهذا يدل على أن الحق ظاهر وأنه لا يصح إلا الصحيح "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" [الصف:8]، وأن العالم لا يعترف إلا بلغة القوة.
بيد أنه لابد أن نعلم أن هذا الانتصار ليس هو الأمل أو الغاية وإنما هو مؤشر وخطوة في الطريق إذا استُخدم الاستخدام الأمثل، وإلا فآمالنا أسمى من ذلك وأعظم.
ومن هنا فإنني أقول: إن حركة (حماس) تعيش امتحاناً صعباً عظيماً أعان الله القائمين عليها على تجاوز هذه المرحلة، ولعل من أقل ما لإخوتنا علينا أن نبادرهم بالتهنئة وأن نسعى في بذل النصيحة لهم، ولذا فإنني أكتب هذه الرسالة على شكل نقاط رئيسة، مراعياً في ذلك الواقعية، واستعمال قاعدة المصلحة والمفسدة بضوابطها المعتبرة وهو اجتهاد أملته المحبة والنصيحة والمشاركة في هذا الانتصار ليؤتي أكله بإذن ربه ولو كره الكافرون والمشركون والمنافقون:
* عُرفت حركة (حماس) منذ تأسيسها قبل سنوات، بمنهج معتدل وسطي، مع إعلانها للجهاد ومضيها قدماً في مضماره الذي سلكه قبلها عدد من المجاهدين في سبيل الله، واستطاعت في عقدين من الزمن منذ إنشائها على يد مؤسسها الشيخ أحمد ياسين _رحمه الله_ الذي نسأل الله أن يتقبله من الشهداء- أن تتجاوز عقبات كثيرة جداً وأن تقدم تضحيات ضخمة لا تنكر، سواء على مستوى قياداتها، أو على مستوى أفرادها؛ كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء،ًفرسمت منهجاً تجاوزت فيه منعطفات خطيرة، ووفقت في ذلك كثيراً:
بيد أنه لابد أن نعلم أن هذا الانتصار ليس هو الأمل أو الغاية وإنما هو مؤشر وخطوة في الطريق إذا استُخدم الاستخدام الأمثل، وإلا فآمالنا أسمى من ذلك وأعظم.
فأولاً من الناحية القيادية والسياسية فصلت بين الجانب السياسي والجانب الجهادي، فجعلت لقيادة الجهاد قيادة مستقلة، وجعلت للجانب السياسي الإعلامي قيادة مستقلة، مع تنسيقها بين هاتين القيادتين.
ثانياً: استطاعت أن تحدد بعض الخطوط الحمراء بوعي ينم عن فهم ما ورائها، فلم تتورط فيما يتعلق بخلافات داخلية بين أفرادها وأعضائها، ولم تتورط في إشعال الخلافات مع المنظمات الجهادية الأخرى، وتجنبت مزالق كثيرة أريدَ لها أن تقع فيها، بل استطاعت أن تتجنب الدخول في صدام مع السلطة الفلسطينية مع كثرة استفزازاتها لها وعلى الرغم من ذهاب عدد من أبنائها ضحية لمثل هذه المؤامرات، ومع ذلك تجاوزتها حركة (حماس) بعقلية إدارية فائقة نادرة، كما أن حركة (حماس) بمنهجها الذي رسمته لم تتورط في عمليات خارج فلسطين، على رغم الضغط الواقع عليها من داخلها وخارجها للوقوع في هذا الأمر، وهذا من تمام استحضار الهدف وحسن رؤية الواقع، فلم تنزلق إلى ما كانت تفعله بعض المنظمات غير الجهادية كالحركة الشعبية وغيرها من الحركات المشهورة سواء الشيوعية أو العلمانية، حيث أساءت تلك للقضية الفلسطينية إساءة بالغة، وبحمد الله لم تكن تلك المنظمات تحمل الصبغة الإسلامية، ولا الشعار الإسلامي فضلاً عن الجهاد، أما حركة (حماس) فقد وفّقت توفيقاً كبيراً إذ حصرت عملياتها وجهادها ونشاطها داخل فلسطين، وهذا من باب السياسة الشرعية، وأرى أن هذا الأمر يعد دليلاً على وجود قيادة فذة، ونبوغ فريد، ومعرفة بالواقع، وسياسة حكيمة، "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً" [البقرة: من الآية269].
والشاهد مما سبق أنه على رغم الظروف التي مرت بها (حماس)، فإنها استطاعت أن تتجاوز كثيراً من العقبات لست في سبيل بيانها أو تفصيلها، كانت تلك بعضها، وبعضها ظاهر معروف، ولعل ما لا نعلمه كثير.
* أعلنت (حماس) من أول وهلة أن الجهاد طريقها لتحرير فلسطين، كل فلسطين، وعلى رأس ذلك القدس والمسجد الأقصى، وفعلاً مضت في هذا الطريق بأسلوب عملي، وقدمت التضحيات المشهودة والملموسة التي لا ينكرها منصف، ولا شك أن الجهاد هو الطريق الوحيد لعودة فلسطين، وما عداه من الطرق الإدارية أو السياسية ليست إلا رابطاً أو مساعداً أو مكملاً للجهاد بالنفس، الذي هو الأصل. ولا يمكن أن يخرج اليهود من فلسطين إلا أن يُخرجوا ولن يُخرجوا إلا بالجهاد، بل سيقتلون _بإذن الله_ كما هو نص الأحاديث الصحيحة كما في حديث ابن عمر المتفق عليه: "أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ قال: تقاتلكم اليهود فتسلطون عليهم حتى يقول الحجر: يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله"، ولا يعني هذا أنه لن تتحقق انتصارات قبل ذلك، فالتاريخ شاهد على وقوع انتصارات عظيمة، ولكن الأمر قد يكون دولاً حتى يأتي الفتح الأكبر _بإذن الله_ "أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" [البقرة: من الآية214]، فإن كان الأمر كذلك فالتاريخ والمستقبل يوضحان أن الطريق الصحيح لتحصيل ذلك هو طريق الجهاد، وما عداه ففروع مكملة وهذا ما ينبغي أن يتنبه له، حتى لا يتحول الفرع أصلاً، والأصل فرعاً.
انتصار (حماس) انتصار للمجاهدين في فلسطين أينما كانوا جماعات وأفراداً، لذا فإن عليهم أن يتجنبوا الدخول في أي صراع أو خلاف مع (حماس)، وأن يدعموهم بكل ما يستطيعون
* رفضت (حماس) مساومات اليهود؛ سواء للاعتراف بدويلتهم، أو التنازل بجزء من أرض فلسطين، وهذا موقف تُشكر عليه، مع أنها لو تنازلت لفقدت الأصل الذي من أجله قامت، ولأحرقت أوراقها، ودين منصور ولا شك، و"الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" [الأعراف: من الآية128]، وقد قدمت (حماس) من أجل المحافظة على هذين الأمرين التضحيات الضخمة، وواجهت الصعوبات والعقبات، واستطاعت أن تتجاوزها بتوفيق الله وإعانته.
* في هذه المرحلة التي فازت فيها (حماس) يأتي الامتحان الصعب، ولذلك يخشى الكثيرون المحبون لحماس أن يتحول الأصل إلى فرع والفرع إلى أصل، والأصل هو الجهاد وطلب تحرير كل فلسطين، والفرع هو العمل السياسي كالفوز بالانتخابات، أو الإدارة الذاتية، أو نحو ذلك، فيُخشى مع هذا الانتصار أن تأتي ضغوط على (حماس) وتشتد المساومات فتبدأ التنازلات التي شاهدناها ورأيناها في بعض بلاد المسلمين، فإنه وإن اختلفت الصورة فالحقيقة واحدة.
والآن يرتقب المسلمون من (حماس) أن تثبت على مبادئها، فلا تتزحزح عن هذين الأصلين ألا وهما استمرار الجهاد في سبيل الله، وعدم التنازل عن شبر من الأرض المقدسة التي بارك الله حولها ولا ما تاخمها، فهي من أجل ذلك قامت، وقد مضى قياديوها السالفون وهم يقررون أنه لا يملك أحد حق التنازل عن الأرض.
* قد تُدفع (حماس) من أجل أن تحقق بعض الاتفاقيات التي قد تعقدها مع السلطة، أو مع اليهود، إلى خصومات تعوق مسيرتها، وأسأل الله ألا نرى ذلك، وثقتنا في قيادتها، وتاريخها يعزز حسن الظن بها.
غير أن الناظر يخشى أن تُدفع إلى ذلك مع المنظمات الجهادية الأخرى، كحركة الجهاد الإسلامي، أو غيرها، بل هناك من يخشى أن يحدث خلاف داخل (حماس) إذا تمت الاستجابة لدفع من يدفعها، فهناك من سيظل ملتزماً بالأصل الذي قامت من أجله الحركة، فإذا تخلت الحركة عن الجهاد ولو باسم الهدنة المطلقة التي لا يدرى مداها فيخشى أن تحدث انشقاقات تجنبتها (حماس) فيما مضى من عمرها، فكان من أدلة نجاحها، ومن جملة تفوقها، وأحسب أن الحركة -بإذن الله- واعية لهذا الأمر، فقد استطاعت كما قلت في مقدمة حديثي أن تتفادى التورط في معارك داخلية مع منظمات ليست جهادية، بل مع من آذاها، على كثرة المؤامرات وتنوعها، والموقف اليوم أشد حساسية من ذي قبل.
* يرى كثير من المحبين لحماس أن تقبل تشكيل الحكومة مع الاستمرار على منهجها السابق، فإن حيل بينها وبين ذلك فهذا انتصار لها؛ لأن العالم أجمع سيعلم أنها قد ظلمت، وأن خيار الشعب قد ألغي، كما أن ذلك سيزيد من مكانتها في نفوس محبيها الذين انتخبوها. و(حماس) يوم انتُخبت بإرادة الشعب الفلسطيني انتُخبت لمحافظتها على أصولها التي أشرت إليها من الجهاد، وعدم التفريط في شيء من الأرض الفلسطينية، وعدم الاعتراف باليهود.
* الانتصار الحقيقي هو الثبات على المبادئ مهما كانت النتائج، وحسبك أن بعض الأنبياء _عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام_، لم يؤمن معهم أحد، وأصحاب الأخدود ثبتوا على دينهم فحفرت لهم الأخاديد، وحرقوا بالنار، ولم ينج منهم أحد، حتى الذراري والنساء، فضلاً عن أن يقيموا دولة أو دويلة، ومع ذلك كان لهم الانتصار المدوي عبر الأجيال، "ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ" [البروج: من الآية11]، وبعضهم آمن معه رجل واحد، ومع ذلك كتب الله لهم الانتصار كما قال _عز وجل_: "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا" [غافر: من الآية51]، فالأنبياء قد انتصروا مع أن بعضهم قد قُتل، وبعضهم يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، فالانتصار الحقيقي ليس ما زعمته السلطة من حصولها على بضعة أمتار، أو على قطعة من الأرض في بلاد فلسطين، لا تستطيع أن تتصرف فيها، بل لا يسع رئيسها الخروج من بقعة منها كما حدث لعرفات في رام الله، سنوات عدة.
وإنما الانتصار هو الثبات على المبادئ التي عرفت بها وأعلنها قادتها منذ إنشائها، حتى لو مُنعت، حتى لو أقصيت، فلن يضرها ذلك أبداً، بل يزيد من مكانتها ومن دعمها ومن حب الناس لها، وهذا هو الانتصار الذي سوف يمهد الطريق للانتصار الآخر الذي هو ثمرة انتصار المبادئ، وإذا انتصرت المبادئ فقد تحقق النصر الأعظم بإذن الله، ثم قد يتبعه انتصار آخر على أرض الواقع، كما قال الله _جل وعلا_: "وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ" [الصف: من الآية13]، فقوله: "وأخرى" مشعر بأن الانتصار الحقيقي هو إقامة الجهاد والثبات على المبادئ، وإعلان الدين، ثم تأتي من بعد ذلك انتصارات أخرى ظاهرة للعيان، وهي ولا شك من جملة الانتصار.
فمن حافظ على مبادئ هذا الدين، وعلى أصوله فهو المنصور بإذن الله، ومن تخلى فلن يضر إلا نفسه، "وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" [محمد: من الآية38]، "وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ" (محمد: من الآية4).
* انتصار (حماس) انتصار للمجاهدين في فلسطين أينما كانوا جماعات وأفراداً، لذا فإن عليهم أن يتجنبوا الدخول في أي صراع أو خلاف مع (حماس)، وأن يدعموهم بكل ما يستطيعون، وأن يتعاونوا لتحقيق الهدف المنشود، كما تعاونوا من قبل، حتى وإن اختلفت الرؤى الفرعية في بعض المسائل الجزئية، فلا يضرهم ذلك وإنما يتحمل تبعتها من رآها، وهي مسائل اجتهادية لا يسوغ فيها الإنكار والخصومة ما دام لها وجه في الشرع، وأفتى بها من يوثق بدينه وعلمه، وهو انتصار للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها؛ لذا لا بد من الوقوف مع حماس ودعمها والذب عنها، وإن اختُلف معها في بعض الاجتهادات المشروعة "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ" [الأنفال: من الآية46].
فإذا كان الأمر كذلك فإننا لا نشك في تحقق النصر عاجلاً وآجلاً، _بإذن الله_.
* الأمة تنتظر من (حماس) أن تقدم أنموذجاً للدولة المسلمة المحكمة لشريعة الله في الأرض، ملتزمة بمنهج الوسطية الذي هو سمة هذه الأمة، آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، مقيمة للعدل، ناشرة للعلم، وهم لا يطالبون بمستحيل، ولا ينتظرون معجزة، وإنما التزاماً بقوله _سبحانه وتعالى_: "فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ" [التغابن: من الآية16]، وقوله _صلى الله عليه وسلم_: "سدّدوا وقاربوا واعلموا أنكم لن تحصوا"، والجميع يدرك ما دون ذلك من عقبات وصعاب، ولكنه حسن الظن بالله، ثم الثقة بالإخوة وقدرتهم على تجاوز مثل ذلك، وليثقوا بعد ذلك بوعد الله الذي لا يتخلف "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" [الحج:41].
وختاماً فليوقن الإخوة في (حماس) بأن الأمة كلها مقبلة على الجهاد الواضح البين الجلي مع أعداء الله من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين، وقد بدت بوادره في الآفاق، ولعل ما رأيناه من ظهور لـ(حماس) دليل على صحة التفاؤل بغد واعد، ودليل على أن المستقبل لهذا الدين، وأن دين الله منصور، على رغم الغمة كما قال _سبحانه_: "حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ" [يوسف: من الآية110]، فالعزيمة العزيمة، والثبات الثبات على الأصول والمنطلقات، وحذار من أن يعود الفرع على الأصل بالإبطال، فقد قرر علماؤنا أن الفرع إذا عاد على الأصل بالإبطال فهو باطل، والفرع إذا عاد على الأصل بالفساد فهو فاسد، فإذا كان قيام دويلة صغيرة في داخل فلسطين تحت ظل اليهود سيقضي على الأصل وهو الجهاد، أو سيقود للاعتراف بالعدو والتفريط بالأرض، فلا شك أن هذا بلاء وفتنة.
هذا والله أسأل أن يوفق المجاهدين في (حماس) لاجتياز هذا الامتحان، وأن يسددهم، وأن يعينهم، وأن يجنّبهم شرّ أنفسهم وشرّ أصدقائهم وأعدائهم، وأن ينصر الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين "وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" [يوسف: من الآية21]، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين.