أيها المسلمون : ثم مـاذا ؟
سؤال يجب أن يطرحه كل منا على نفسه إذا أمسىأو إذا
أصبح بين فينة وأخرى بعد كل نعمة تتجدد أو مصيبة تقع ..
ثممــاذا ؟
إننا في هذه الدنيا نسير سيرا حثيثا إلى جواب هذاالسؤال
ولكننا عنه غافلون !!!
فقد مضت قرون وقرون لم نكن شيئا مذكورا , واليوم بنينا
وشيّدنا وعمرنا الأرض أقوى مما عمروها ورفعناالبنايات
أعلى مما رفعوها , وصلوا القمر وغزوا المريخ وتفننوا
فيصناعات لم تعرف في التاريخ , ولكن يبقى السؤال :
ثم مــاذا ؟
هلبلغت الأربعين .. فأين أنت قبل أربعين !!
كيف كانت الدنيا ولم تكن فيها؟
هل شعرت أنك لم تزد هذه الحياة شيئا ولن يفقد الناس
بفقدك شيئا , فرحوا بحياتك وسيحزنون بعد مماتك بيد أنهم
سينسونك حتما , لتواصل الحياةمسيرتها ..
مات فلان .. ذلك العظيم الذي غيّـر مجرى الحياةباختراعاته
أو بمؤلفاته أو بسلطانه أو بعلمه أو بفنه أوبمسلسلاته
ولكن لازلنا مع هذا السؤال ...
ثم مــاذا ؟
هلتحققت في هذه الدنيا أحلامك , هل رزقت المال والبنون
هل بلغت أعلى المراكز , هل بلغت من الجاه والشهرة مبلغا
هل تـنقلت في بقاع الأرض شرقا و غربا , هلأشير إليك بالبنان
هل غدوت أشهر إنسان أو أهم إنسان , أو أغنىإنسان
هل تملك الدور والقصور ،هل تمتعت بالبيد الحسان وبالحور
هب أنكل ذلك قد كان ... سنبقى مع السؤال ...
ثم مــاذا ؟
عن أبي هريرة رضيالله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم
"جاء ملك الموت إلى موسىعليه السلام فقال له : أجب ربك
قال : فلطم موسى عين ملك الموت ففقأها ، قال :
فرجع الملك إلى الله فقال :
إنك أرسلتني إلى عبدٍ لك لا يريد الموتوقد فقأ عيني
قال: فردّ إليه عينه ، وقال : ارجع إلى عبدي فقل : الحياة تريد؟
فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متنِ ثور فما وارت يدُك
من شعرةفإنك تعيش بها سنة ..
قال : ثم مَه ؟ قال : ثم تموت
قال : فالآن "
- رواه البخاري ومسلم -
أيها الأحبة : إن جواب السؤالماثل أمامنا بكل وضوح
ولكن غفل عنه الغافلون وتـناساهالمسرفون
وأعرض عنه اللاهون الذين هم في غمرة ساهون
جاءت به نصوصالكتاب الكريم .. قال تعالى :
(ثم توفى كل نفس ما كسبتوهم لا يظلمون )
اسمع معي أخي إلى هذه الوصية الغالية يهديهاإليك الصحابي
الصادق أبو الدرداء رضي الله عنه .. فها هو يقوم يوما في مسجددمشق فيقول :
"يا أهل دمشق ألا تسمعون
من أخ لكم ناصح ؟! إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرا ، ويبنون مشيداويأملون بعيدا ..
فأصبح جمعهم بورا ، وبنيانهم قبورا ، وأملهمغرورا
هذه عاد قد ملأت البلاد أهلا ومالا وخيلا ورجالا !
فمن يشتريمني اليوم تركتهم بدرهمين ؟! "
فيا غافلين من قال لكم إن الدنيا دار إقامة؟!
ألا ترون أن الخلق كل يوم مرتحلين نحو الدار الآخرة ؟!
من عمر فيهذه الدنيا حتى أدرك كل آماله ؟!
بينما الإنسان يســأل عن أخيه قيلمــات
وتراهم حملــــوه سرعة للفلــــوات
أهله يبكوا عليـــه حسرةبالعبـــرات
أين من قد كان يفخـر بالجياد الصافنـــات
وله مالجزيــــل كالجبال الراسيــات
سار عنها رغم أنفـه للقبورالموحشــات
كم بها من طول مكث من عظام ناخــرات
فاغنم العمر وبــادربالتقى قبل الممــات
مر علي بن أبي طالب بقبور فجاء حتى وقف عليهاوقال :
" السلام عليكم أهل الديار الموحشة ، والمحال المقفرة
أنتملنا سلف ونحن لكم تبع ، وبكم عما قليل لاحقون ..
اللهم اغفر لنا ولهم ،وتجاوز عنا وعنهم ، ثم قال :
يا أهل القبور .. أما الأزواج فقد نُكحت ، وأماالديار فقد سُكنت
وأما الأموال فقد قسّمت ، هذا ما عندنا فما عندكم؟؟
ثم التفت إلى أصحابه وقال : أما أنهم لو تكلموا لقالوا :
وجدناخير الزاد التقوى "
مقيم بالحجوم رهين رمس وأهلي راحلون بكــلواد
كأني لم أكن لهمُ حبيبــا ولا كانوا الأحبة في السواد
ألا ترىإلى وصية النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمر
رضي الله عنهما يوم أن أخذبمنكبه فقال له :
} كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل {
هيالقناعة لا تبـغ بها بــدلاً فيهـا النعيم وفيها راحة البـدن
انظر لمن ملكالدنيا بأجمعهـا هل راح منها بغير القطن والكفن ؟
قال ابن عباس رضي الله عنه : " يؤتى بالدنيا يوم القيامة
على صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابهابادية مشوهة الخلقة
لا يراها أحد إلا كرهها فتشرف على الخلائق فيقال لهم :
أتعرفون هذه ؟
هذه دنياكم التي تفاخرتم وتحاربتم عليها ثم يؤمر بهاإلى النار
فتقول : يا رب أين أتباعي وأحبابي وأصحابي فيلحقونها "
أخي في الله :
قام القوم فما يقعدك ؟
قربوا منالجنات فما يبعدك ؟
فتحت لهم الأبواب فما حيرتك ؟
هذه الأطلال .. فأين السؤال ؟
هذه الخيام فأين الخدّام ؟
هذه الربوع فأين الدموع؟
هذه القصور فما هذا القصور ؟
هذه القبور فما هذا الفتور؟
هل لك رغبة في مرافقة الصالحين ؟
يا من قلبه أقسى من حجر .. اخرجإلى المقابر وقل لهم ماذا تتمنون
فإنهم لو نطقوا لقالوا : نتمنى ساعة منعمرك ..
يقول محمد بن واسع : مررت بمقبرة ، وقلت :
لا إله إلا الله محمد رسول الله
فسمعت هاتفاً منالمقابر يقول : يا محمد بن واسع تزود منها
فوالله لو تعلم ثوابها وقدرهالأخرجتها مع أنفاسك ..
مثّل نفسك في عرصات القيامة بين المفرّطين .. ترالوادي
امتلأ بدموع الأسف ..
ومثّل حسّك بأصوات المسجونين في النارإذ يقولون :
( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعملصالحا)