أصول الوصول إلى الله تعالي
في ليل بهيم كنت أهيم علي وجهي وقد تعددت الطرق أمامي وتفرقت إذ بشيخ عجوز يشع من وجهه النور ظهر لي فجأة ..فسألني متعجبا مالك يا بني ؟ إن أثار التعب والسهر تظهر عليك ... فماذا بك .
قلت كثرت الطرق حولي فلا أستطيع أن أصل إلى هدفي ...كلما هممت بالوصول تعثرت في الطريق ولا أعرف كيف أصل .. فقال الشيخ إن كنت تجهل الطريق وتريد الوصول إلى مبتغاك وسعادتك فعليك إن تتبع ما أقوله لك ... قلت : ولما أثق في كلامك ...قال الشيخ :ألم تجرب عدة طرق وتعثرت فيها ... فما المانع أن تجرب طريفي أنا أيضا وتري بنفسك هل ستصل أم لا ؟.. وماذا يضرك لو خسرت ألم تخسر من قبل ؟.. ترددت قليلا ولكن هذا النور الذي يملأ وجهه وهذه الملامح التي تمتلئ بالإشفاق علي والحنو علي هذه العينان اللتان تمتلأن بالحب ... وجدتني أصدقه فلم أتهمه بالكذب ؟ ... لم أتوقع السوء منه قبل أن أبدأ ؟!...
فقلت إذن أخبرني أيها الشيخ عن هذا الطريق ... قال : إن الطريق سيصل بك إلى ما تريد إلا أنه فد يصادفك فيه بعض الصعوبات والتحديات حتى تصل فعليك أن تكون حذر وأنت تقود سيارتك في هذا الطريق ... فربما تصاب بأذى أو تجرح جرحا عظيما .. وربما كنت أمشي فيها بدون حرص ...فقاطعه الشيخ ... ولكنك لم تصل إلى مرادك . فعلا .. انك إذا أردت إن تحصل علي مرتبة دنيوية عالية ...أو علي مال .. ألا تبذل الجهد الضني للوصول إلى هدفك
قلت: بلي..قال فلابد إذن من بذل مجهود للوصول إلى نهاية هذا الطريق ..انه طريق لا اعوجاج فيه .. ومع ذلك تكثر فيه المطبات والحفر .. قلت متعجبا يا شيخ ألا يمكن أن توضح لي أكثر فأنا لا أفهم شيئا .. وأين هدفي ؟
قال الشيخ صبرا... صبرا... نسيت أن أقول لك شيئا ..إن أهم شئ عندما تبدأ هذا الطريق هو تحليك بالصبر .. فقلت ولم ؟
قال الشيخ ألم تصبر حتى تحصل علي شهادتك (يا محمد) لكي تنال مكانتك في المجتمع ؟ فقلت أجل يا شيخ .. قال إذن عليك بالصبر لكي تنال مكانتك في الآخرة
فقلت إذن حدثني عن الطريق أكثر ...فقال يا بني إن لهذا الطريق شروط وهي :
1- الدليل : وهو الشيخ المربي والعالم العامل الذي يكون دليلك علي نفسك ماذا تصلح وكيف تصلح
2- ليس كل السائرين علي طبيعة واحدة:
· فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذي يسلكه إلى الله طريق العلم والتعليم
· ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر
· ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة
· ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعد ، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات
· ومن الناس من يكون طريقه الصوم
· ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
· ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار
· ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق ، وتجريد الهمة ، ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر ، وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة
· ومنهم السالك إلى الله في كل واد
3- الصاحب : لابد من صاحب في هذا الطريق علي نفس المنهج قلبه كقلبك لأنني أراك أيها الحبيب خدعوك .. فقالوا : ابحث عمن يشدك .. وتفاجأ بأن كل الناس يبحثون عمن يشدهم هذه الأيام .. وتفاجأ أن الشد إلى أسفل لا إلى أعلي ." قال الفضيل بن عياض :من طلب أخا بلا عيب ، صار بلا أخ "
4- حدد هدفك : فبالنية تتحدد الوجهة وعلي أساسها يخطط المنهج وكما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إنما الأعمال بالنيات و إنما لكل امرئ ما نوي فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " متفق عيه :البخاري (1)، ومسلم (1907).
5- لابد من منهج حقيقي في السير إلى الله سبحانه وتعالي وفي أصول التعبد :الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة .. أقصد أن تحدد لنفسك منهجا : ماذا ستفعل ، وكم ، ومتي ، وكيف ؟ ، وتلتزم بهذا المنهج وتتابع عليه محاسبة شديدة .
6- وتزودوا : وسبيله
· التوحيد و الإيمان : ويتمثل في معرفة الله تعالي وتوحيده و الإيمان به وانفتاح الحقائق الإيمانية والمعارف القرآنية ، وكما قال البعض "لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا بالسيوف ..اللهم لا تحرمنا لذة الإيمان وطعم الإيمان وحلاوة الإيمان
· اليقين :انه في البداية يكفي من الزاد اليسير ثم ببركة الله تعالي يبارك في القليل فيصير كثيرا " ومتي وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا و إشراقا .وانتفي كل ريب وسخط وهم وغم فامتلأ محبة لله ، وخوفا منه ورضا به وشكرا له وتوكلا عليه وإنابة إليه فهو مادة جميع المقامات والحامل لها " تهذيب مدارج السالكين
· التقوى : بتقوى الله في السر والعلانية فإنها السبيل الأوحد للإخلاص ..وهي طاعة الله بلزوم الأمر والنهي
· الإخلاص : فقد قال تعالي "قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين " سورة ص
7- الخبيئة : من عمل صالح لم يطلع عليه بشر ، يصلح للتوسل في محطات الطريق و مطباته كما توسل الذين أووا إلى الغار
8- الصبر : قال تعالي " لقد خلفنا الإسلام في كبد " وهو حبس النفس عن التسخط بالمقدور وحبس اللسان عن الشكوى وحبس الجوارح عن المعصية كاللطم وشق الثياب ومدار الصبر علي هذه الأركان الثلاثة فإذا قام به العبد كما ينبغي انقلبت المحنة في حقه إلى منحة واستحالت البلية عطية وصار المكروه محبوبا . فان الله سبحانه وتعالي لم يبتله ليهلكه ، و إنما ابتلاه ليمتحن صبره وعبوديته، فان لله تعالي علي العبد عبودية في الضراء كما له عبودية في السراء وله عبودية عليه فيما يكره كما له عبودية فيما يحب وأكثر الخلق يعطون العبودية فيما يحبون والشأن في إعطاء العبودية في المكاره ففيه تتفاوت المراتب وبحسبه كانت منازلهم عند الله تعالي فالوضوء بالماء البارد في شدة الحر عبادة ...فمن كان عبدا لله في الحالتين فذلك الذي تناوله الله في قوله تعالي "أليس الله بكاف عبده "وأمر الله نافذ في كل الأحول السواء رضينا أم لم نرضي فاجعل بلائك في الله تؤجر لأن كل إنسان مبتلي المسلم والكافر فاجعل بلاؤك في الله .
وهناك بعض الآفات علي الطريق وهي :
1- الخوف من وحشة التفرد : قال بعض السلف "عليك بطريق الهداي ، ولا يضرنك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا يغرنك كثرة الهالكين " ... ومن سنن الله الربانية أن أهل الحق دائما قلة كما قال تعالي "إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليا ما هم " (سورة ص) وعلي العكس قال تعالي "وان تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله"سورة الأنعام
2- فضول الكلام والخلطة : وذلك أن يصير لقاء الناس شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود ..
وقد اقتضت سنة الخالق أن العسل لا يحصل عليه إلا بلسع النحل
يقول ابن القيم في مدارك السالكين عليه رحمة الله " وما أقدم أحد علي تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة ، فالنفس موكلة بحب العاجل ، وانما خاصة العقل : تلمح العواقب ، ومطالعة الغايات ، و أجمع عقلاء كل أمة علي أن النعيم لا يدرك بالنعيم ، وان من رافق الراحة حصل علي المشقة وقت الراحة في دار الراحة ، فان علي قدر التعب تكون الراحة "
"وقد استعنت في كتابة هذا الموضوع بكتاب أصول الوصول إلى الله تعالي للشيخ محمد حسين يعقوب وكتاب الوابل الصيب لابن القيم"