بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
موقفنا من الشيعةيتفنَّن بعض الإعلاميين في إيهام المسلمين أن قاصمة الظهر هي فتح ملفِّ الشيعة، على أساس أن المسلمين سُنَّة وشيعة، وأن الحديث عن هذه المشكلة سيقسِّم الأمّة الإسلامية إلى نصفين.
وهذا الكلام خطأ من وجهين..
أما الأول فهو أن الشيعة لا يمثلون من كيان الأمة الإسلامية إلا 11% فقط (150 مليونًا على مستوى العالم)، ومن الظلم البيِّن للأمة الإسلامية أن تتنازل عن ثوابتها من أجل الحفاظ على بقاء هذا العدد القليل داخل الكيان المسلم دون أن يُطالب هؤلاء الشيعة بالالتزام بضوابط الأمة الإسلامية العَقَدِيَّة والأخلاقية والتاريخية والسياسية.
وأما الوجه الثاني فهو ما ذكرناه في مقالنا السابق "خطر الشيعة" من أن الفتنة ليست نائمة ونحن نحاول إيقاظها، ولكن واقع الأمر أنّ الفتنة مشتعلة، بل شديدة الاشتعال، وآثارها تغلي في أكثر من بقعة من بقاع العالم الإسلامي، وفي مقدمتها العراق، فما الذي يجب أن نفعله ونحن نشاهد هذا النزيف المستمر لدماء المسلمين السُّنَّة هناك، وهذا التضييع السافر لمقدّرات دولة كبيرة، وهذا الإعداد الواضح لتهديد بلاد أخرى قريبة وبعيدة من دولة إيران الشيعية؟!
إننا نتكلم لنفهم جذور المشكلة، ومِن ثَم يمكن عندها أن نطرح حلولاً منطقية، أما بدون دراية للنشأة والجذور والمفاهيم والمناهج والأهداف والطموحات، فكيف لنا أن نتبرع برأي لحل المشكلة؟..
ولقد أبرزنا في مقالنا السابق طرفًا من خطر الشيعة المعاصرين على حاضر الأمة الإسلامية، وذكرنا على وجه التحديد خمسة أمور خطيرة يكفي كل واحد منها كمبرر لفتح هذا الملف، وبقوة.. وهذه الأمور الخمسة هي:
أولاً: الهجوم المستمر من الشيعة على الصحابة، حتى صار هذا الأمر وكأنه هو الأساس في الدين عندهم، وهو بغض ظاهرٌ جليٌّ تجاوز الحدود، حتى إننا في موقعنا الإلكتروني نتلقى بشكل دائم تعليقات تفيض بالكراهية والجحود من الشيعة على المقالات الخاصة بـ "أبي بكر وعمر وعثمان"، وعلى المقالات الخاصة بعموم الصحابة، فمجرَّد رؤية اسم صحابي يمثِّل للشيعة حساسية كبيرة، وردَّ فعلٍ عنيف، فكيف السكوت على مثل هذا التجني؟! وذكرنا أن السكوت عن هذه الرذائل هو تضييع للدين لا يجوز لنا أن نفعله.
ثانيًا: خطر التشيُّع في بلاد العالم الإسلامي، سواء التشيع المباشر وتغيير العقيدة، أم انتشار الفكر الشيعي دون معرفة أن هذا يعني التشيع.
ثالثًا: إزهاق أرواح الآلاف المؤلفة من أهل السُّنَّة في العراق.
رابعًا: التهديد المباشر بالسيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية على دولة العراق، وخدمة المصالح الأمريكية بهذا التوجُّه.
خامسًا: التهديد المباشر لدول المنطقة غير العراق، وذكرنا أمثلة من تهديد الشيعة للإمارات والبحرين والسعودية، ولا ندري هل المصلحة هي السكوت حتى تضيع هذه البلاد؟ أم الحركة الإيجابية السريعة لحفظ أمنها وأمانها؟
كانت هذه أمور خمسة فصَّلنا في الحديث عنها في مقالنا السابق "خطر الشيعة"، وندعو القُرَّاء إلى قراءة هذا المقال بشيء من التركيز لخطورته، كما ندعوهم إلى قراءة المقاليْن السابقيْن له، وهما "أصول الشيعة" و"سيطرة الشيعة"؛ حتى نأخذ فكرة كاملة عن الموضوع.
لكن هل هذه الأمور الخمسة هي كل شيء؟!
والإجابة المؤسفة: لا!
فخطورة الشيعة أكبرُ من ذلك، ومراجعةُ التاريخ تثبت أن تدهور الأوضاع قد يكون أبعدَ من التخيُّل، فلقد احتل العُبيديُّون الشيعة الإسماعيلية مصر، وظلوا أكثر من مائتي سنة متصلة، وهو شيء لم يكن أكثر المتشائمين يتوقعه، لكنه حدث كما نعلم، ومن هنا كان التنبيه على هذه الخطورة أمرًا لازمًا وحتميًّا.
ولنكمل الآن معًا ما ذكرناه من أخطارٍ للشيعة في زماننا المعاصر..
سادسًا: التقارب الإيراني السوري وخطورته..
يظهر لنا بوضوح التقارب الشديد بين إيران وسوريا، ووجه الخطورة في ذلك هو الوضع الخطير الذي تعيشه سوريا، حيث تُحكم منذ ما يقرُب من أربعين سنة بالنُّصَيْريين (المعروفين بالعلويِّين)، وهم ينتمون إلى مؤسِّس مذهبهم أبي شعيب محمد بن نُصَير البصريّ (ت 270هـ)، الذي ادَّعَى النبوة، والذي ادعى أنّ عليًّا هو الله -تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا-.
ومع أن طائفة النُّصَيريين في سوريا لا تمثل أكثر من 10% من السكان إلا أنهم يسيطرون على الحكم تمامًا، ويفتحون المجال واسعًا للتشيُّع في الدولة، ومِن ثَم فاتصال ما يسمَّى بالهلال الشيعي من إيران إلى العراق إلى سوريا إلى لبنان، يمثل حاجزًا خطيرًا في الأمة الإسلامية يعزل شرقها عن غربها، وينذر بتوسُّع قد لا نتخيل أبعاده.
سابعًا: هناك أمر خطير جدًّا يحتاج منا إلى وقفة حاسمة الآن، ولا يجوز لذلك أن نؤجِّل الحديث عن هذا الملف إلى وقت آخر، وهو فتنة المسلمين السُّنَّة برموز الشيعة الكبرى، وخاصة زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، ورئيس إيران أحمدي نجاد. وليس من جدال أن المواقف المعلنة من هذيْن الرمزين تمثِّل فتنة لكثير من المسلمين السُّنة، خاصةً في ظل غياب رموز موازية من زعماء الدول الإسلامية، والمحسوبين على السُّنة! ووجه الفتنة هو النجاح الذي حققه كل واحد منهما في قضيته، سواء في قضية حرب اليهود في حالة حزب الله، أو قضية بناء الدولة كما هي حالة الزعيم الإيراني. ومن هنا وجب علينا أن نلفت أنظار المسلمين السُّنَّة أن تحقيق النجاح في قضية من القضايا لا يعني صحة العقيدة، وسلامة المنهج، ومِن ثَم فلا يمكن أن نتغاضى عن كل شيء لكون الرجل قد حقق نجاحًا في أمرٍ ما، حتى لو كان عظيمًا، ولا ننسى أن الدولة العبيدية الشيعية الخبيثة قد حققت نجاحات عسكرية وسياسية أكبر من نجاحات إيران وحزب الله عشرات أو مئات المرات، ومع ذلك فنحن لا يمكن أن نتخذها قدوةً، بل إننا لا نتخذ زعيمًا علمانيًّا - ولو كان سُنِّيًّا - قدوةً ومثلاً؛ لأننا نؤمن أن القائد الإسلامي القدوة هو القائد الذي يحقق تكاملاً وتوازنًا وشمولاً في مجالات العقيدة والأخلاق والعلم والعمل، ويكون جهاده في سبيل الله، ونصرةً لدين الله الصحيح، وإرساءً للشريعة الإسلامية دون تحريف وتبديل.
ودعوني أوجِّه رسالة إلى الذين يحلمون بأن يحكُمُهم زعيمٌ شيعيٌ، ولو كان معتدلاً، أقول لهم: هل ستقبلون عندها الإيمان بالأئمة الاثني عشر الذين يدعون إليهم هؤلاء؟ وهل سنقبل عندها بالتخلي عن تاريخ الصحابة ومذاهبنا الفقهية وكتب السُّنة التي نثق بها؟ وهل نتوقع عند زعامة أحدهم أن تصبح مناهج التعليم على طريقتنا أم على طريقة الشيعة؟!
لقد أقام إسماعيل الصفويّ دولة قوية جدًّا في إيران، وبناها بشكل باهر من حيث الإدارة والتنظيم، ولكن ماذا فعل بهذه الدولة حين اكتملت معالمها؟! راجعوا مقال "سيطرة الشيعة" لتعلموا كيف استغلَّ قوته في ضرب الدولة العثمانية في ظهرها، وفي تشييع أهل العراق، وفي الاتحاد مع البرتغاليين ضد السُّنَّة العثمانيين.
إن الإسلام - يا إخواني وأخواتي - جملة واحدة.. لا يجوز لنا أن نأخذ منه جانبًا ونترك آخر.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208]. فإذا أردنا أن نتخذ قدوة فلتكن متكاملة، وإنْ نقُص منها شيء فلا يمكن أن يكون هذا الشيء هو جانب العقيدة والمفاهيم، وإلاَّ فالعاقبة ستكون وخيمة، والضرر بالغًا.
ثامنًا: للأسف الشديد فإن روايات الشيعة قد تسرّبت بشكل شنيع في كتب التاريخ، ونحن إذا أردنا أن نقرأ التاريخ، ونستفيد به، فإنّه يلزمنا أن ننقحه مما أصابه من تزوير وتحريف، وهذه مهمَّة ضرورية، وواجب أساسي، وإلاّ ضاعت من بين أيدينا ثرواتٌ هائلة، بل وشوّهت سيرُ خيرِ النّاس، وأفضلُ القرون، وبداية الطريق أن نفهم خطورة الشيعة على كتب التاريخ، ومِن ثَم تنقية هذه الكتب من رواياتهم المزوَّرة، ثم استنباط الدروس والعِبَر بعد التأكُّد من صحة الروايات.. ولكي أنبّه على خطورة هذا الأمور فإنني قمتُ بإحصاء الروايات الواردة في شرح قصة موقعة صفين في تاريخ الطبري فوجدتها 113 رواية، ثم صُعقت عندما وجدت أن 99 رواية منها عبارة عن روايات شيعية حاقدة لا تهدف إلا لتشويه الصحابة، وهذه الروايات هي التي يتناقلها الشيعة، وكذلك المتأثرون بأفكارهم من جهلة الإعلاميين المحسوبين على السُّنَّة، وحُجَّتهم بأن الروايات موجودة في تاريخ الطبري، وهو من علماء السُّنة الأفذاذ، لكنهم لا ينظرون إلى السند الذي ذكره الطبري، وحتى لو نظروا إليه فهم لا يعرفون هذه الأسماء ولا يدرون عنها شيئًا؛ ومن ثَمَّ وجب تنقية كتب التاريخ من روايات الشيعة حتى يقرأ الناسُ تاريخ الأمّـة من مصادره الصحيحة.
تاسعًا: لا ينظر كثيرٌ من الناس إلى الواجب الذي علينا تجاه الشيعة! فهل من الحكمة أن نترك مائة وخمسين مليونًا من البشر يعتقدون هذه الاعتقادات الفاسدة دون أن ننبههم إلى خطورة ما هم عليه من أفكار ومعتقدات؟!
ألا يحتاج هؤلاء إلى تعليم وتوضيح وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر؟! ألن يكون هناك سؤال لنا يوم القيامة مِنْ ربِّ العالمين عن موقفنا عندما رأينا من يدين بالمعتقدات التي أشرنا إلى بعضها في مقال "أصول الشيعة"؟!
لقد أرسل إلينا بعض الشيعة تعليقات على هذه المقالات يتوجهون فيها إلى الله بأن يعاقبني بأن يحشرني مع أبي بكر وعمر!! ومع سعادتي بأنّ هناك من يتمنى لي أن أُحشر مع أبي بكر وعمر إلا أنني كنت حزينًا جدًّا عليهم حيث جعلوا من أنفسهم أعداءً لهذيْن العملاقيْن الجبلين اللذين اصطفاهما ربُّ العالمين لصحبة سيد المرسلين .. إنني أشعر أنه من ألزم واجبات الدعاة والعلماء أن يشرحوا لهؤلاء خطورة ما هم عليه، فلا شكَّ أن فيهم المنصف الذي إنْ وصلت إليه المعلومةُ الصحيحة فإنه سيقبل الحق مهما واجه من صعوبات .
عاشرًا: مَن يدافع عن السُّنَّة المساكين الذين يعيشون في إيران الآن؟! هل تدرون ما عددهم؟! إنهم يصلون إلى عشرين مليونًا! أي يمثلون ما يقرب من 30% من السكان، ومع ذلك فليس هناك وزير واحد منهم في الحكومة الإيرانية، وعددهم في البرلمان أقل من 10%، ويجاهد مليون سُنِّي في العاصمة طهران لإنشاء مسجد واحد لهم لكنهم فشلوا في ذلك حتى الآن، فضلاً عن القمع المباشر لكل المطالبين بالحقوق، وقد وصل القمع إلى تدمير المساجد السُّنِّية، ومن أشهر هذه الحوادث تدمير مسجد الشيخ فيض في خراسان سنة 1994م/ 1414هـ[1]، ثم تدمير المسجد الجامع بولاية بلوشستان مع قتل أكثر من مائتي شابٍّ من السُّنة اعتصموا بالمسجد احتجاجًا على تدمير مسجد الشيخ فيض.
وغنيٌّ عن الذكر والبيان أن مناهج التعليم التي يدْرُسها عشرون مليونًا من السُّنَّة في إيران لا تتوافق مع عقائد السُّنة ومبادئهم، إنما هي على أفكار الشيعة وبدعهم.
إنها - للأسف الشديد - أزمة كبيرة يعيشها السُّنة في إيران، وكلنا يرى أنهم لا بواكي لهم، فهل نسكت جميعًا عن مشاكلهم ومشاكل السُّنة في العراق، أم نتكلم لعلَّ الله أن يوقظ قلبًا يستطيع أن يفعل شيئًا؟!
إن هذه هي بعض أخطار الشيعة التي تظهر لنا.. فتلك عشرة كاملة!
هل يرى إخواني وأخواتي أن من الحكمة أن نسكت؟!
هل يرى المتعقِّلون من المحللين أنّ أضرارَ الكلام أكبرُ من أضرار الواقع الذي نعيشه بالفعل، والذي عدَّدنا في هذا المقال والمقال الذي قبله، عشرة منها؟!
ومع ذلك فليس الهدف من وراء هذه المقالات أن نحمل سلاحًا، ونواجه به شيعة إيران أو العراق أو سوريا أو لبنان.. وليس الهدف من هذه المقالات أن نستنتج أن خطر الشيعة أكبر من خطر اليهود.. إنما نهدف من هذه المقالات أن نفهم الأوضاع على حقيقتها، وعندها يتفق العقلاء من أهل السُّنة على الموقف الأحْكَمَ والأنسب بعد معرفة الحقائق..
إن الملايين ممّنْ يتطوع بإبداء الرأي في كثير من المشاكل المعقدة، لا يعرف شيئًا البتَّة عن القضية التي يتكلم فيها، إنما يتكلم من منطلق العاطفة فقط، ويسطِّر أحلامه على أنها حقائق سيتجه المخلصون إلى تطبيقها.
إذن بعد هذه المعلومات الدامية، ما هو موقفنا من ملف الشيعة؟!
أولاً: يرى جمهور العلماء أن عموم الشيعة الاثني عشرية مسلمون، ولكنهم مسلمون منحرفون مبتدعون، ومِن ثَم فإنهم يُجرون عليهم أحكام الإسلام بشكل عام من حيث التزاوج والميراث والدفن والقضاء والطعام وسائر المعاملات، ومن ثَم أيضًا يُسمح لهم بالحج والعمرة ودخول الأراضي المقدسة المحرَّمة على غير المسلمين، لكن كل هذا لا يلغي شدة الانحراف الذي هم عليه، والذي يحتاج إلى إصلاح وتقويم، بل يحتاج إلى أحكام وقوانين، وهذا مجال أسهم فيه علماء الأمة بكثيرٍ من التفصيلات ليس المجال يسمح بشرحها.
ويرى جمهور العلماء أيضًا أن هناك من طوائف الشيعة من يَكْفُر، وعلى رأس هذه الطوائف مثلاً الإسماعيلية والنُّصَيرية وغير ذلك من المذاهب الملحدة.
ثانيًا: بناء على هذا الانحراف الشديد الذي تعانيه المناهج الشيعية فإننا نستطيع أن نقطع باستحالة التقريب العقائدي والفقهي بينهم وبين المسلمين السُّنة؛ فالشيعةُ ليست مذهبًا من المذاهب كما يعتقد البعض، إنما هي انحراف عن الطريق المستقيم، وأيُّ تقريبٍ بين الطريق المستقيم وبين الانحراف ما هو إلا انحراف أيضًا ولكن بدرجة أقل، وهذا ليس مقبولاً البتَّة في الشريعة الإسلامية، وهل يعني التقريب أن نقبل بسبِّ بعض الصحابة دون غيرهم؟ وهل يعني التقريب الإيمان ببعض الأئمة الاثني عشر دون غيرهم؟ وهل يعني التقريب الأخذ عن البخاري وسلم وترك الترمذي وأبي داود؟ وهل يعني التقريب أن نحلَّ زواج المتعة في بعض الظروف؟ وهل يعني التقريب التغاضي عن اضطهاد بعض السُّنة في إيران والعراق ولبنان وسوريا، وعدم التغاضي عن اضطهاد آخرين؟
إن الطريق - يا إخواني وأخواتي - مسدودٌ مسدود!!
وأيُّ محاولات للتقريب العقائدي والفقهي بين الشيعة والسُّنة ما هي إلا محاولات لتبديل الدين وتحريفه، وهذا ما لا ينبغي أن نسعى إليه.. وليراجع الجميع مواقف العلماء الذين سعوا إلى التقريب في فترة من فترات حياتهم ثم اكتشفوا استحالة ذلك مع كثرة المحاولات، ولعلَّنا نخص بالذكر هنا العلاَّمة السوري الكبير الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، والذي أعلن في كتابه "السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي" فشل كل هذه المحاولات، بل قال بالحرف الواحد: "… كأن المقصود من دعوة التقريب، هي تقريب أهل السنة إلى مذهب الشيعة!!"[3]، كما سار في نفس الطريق ووصل إلى نفس النتيجة العلاّمة الجليل الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله.
ثالثًا: لا ينبغي أن نقف عند مرحلة الإنكار على عقائد الشيعة ومناهجهم، بل ينبغي أن نحصِّن أهل السُّنة بالعلم النافع الذي يحفظهم من السقوط في هاوية المعتقدات الفاسدة، وعلى العلماء والدعاة أن ينشطوا بشكل كبير في تعريف أهل السنة بدينهم الصحيح، وقصة الرسول r والصحابة الأجِلاَّء، كما ينبغي أن نستفيد من التراث التاريخي الهائل الذي تمتلكه الأمة، وليعلم الجميع أن الأمّة التي لا تُحسن قراءة تاريخها لن تستطيعَ صياغة مستقبلها.
رابعًا: لا بُدَّ أيضًا ألاّ نخجل أو نخاف من طرح الشُّبهات التي يثيرها الشيعة هنا وهناك، ولا ينبغي لنا أن نضع رءوسنا في التراب ظنًّا منا أنّ السكوت عن الكلام في ملف الشيعة سيخرسُ الألسنة، بل لا بُدَّ أن نتكلم فيه وبشجاعة؛ فالمسألة مسألة عقيدة، والقضية قضية تقويم انحراف، وتعديل سلوك، ومن هنا فيجب علينا طرح القضايا التاريخية المعقَّدة التي يَلِجُ فيها الشيعة بضراوة، وأن نشرح هذه القضايا من منظورنا الإسلامي الصحيح. كما يجب توضيح حُبِّ أهل السُّنَّة لآل البيت، وتقديرهم لهم، وأن الوهم الذي يسيطر به الشيعة على أذهان الناس من كونهم يعظِّمون أهل البيت بشكل أكبر هو وهمٌ كاذب، وإلاّ فكيف يرضى آل بيت رسول الله بتحريف منهج رسول الله ؟!
خامسًا: ينبغي أيضًا أن نتوجَّه إلى الشيعة بالدعوة الصادقة والنصيحة المخلصة، أن يعودوا إلى التحقيق العلمي النزيه ليقرءوا تاريخهم وعقائدهم؛ ليتبيَّنُوا أن سند الروايات عندهم في غاية الضعف والانقطاع، وأن الكثير من مناهجهم وأفكارهم قد وُضعت في القرن الثالث الهجري، ولم يكن لها أصلٌ قبل ذلك. ونحن على يقين أن المخلص منهم سيهديه الله إلى الطريق القويم، وما ذلك على الله بعزيز.
سادسًا: على الدول العربية والإسلامية، بل على الجاليات المسلمة في البلاد الغربية، أن تَحْذَرَ حذرًا شديدًا من خطورة التشيُّع الذي ينمو بشكل متزايد. وكما وضّحنا فإن هذا التشيُّع هو انحراف عن جادَّة الصواب، ومن هنا كان ينبغي الانتباه الشديد لهذا الأمر، خاصةً في البلاد التي تتعرض للتشيُّع بشكل مكثف مثل البحرين والإمارات والسعودية والأردن.
سابعًا: على المسلمين السُّنة في نقاط التَّماسّ في العراق وإيران ولبنان أن يأخذوا حذرهم، وأن يوحِّدوا كلمتهم، وأن يتواصلوا مع إخوانهم من أهل السُّنة في العالم الإسلامي، وأن يتكاتفوا في حماية أنفسهم من المخاطر التي يتعرضون لها، وأن ينشطوا في الجانب الإعلامي الذي يشرح حالتهم، ويبيِّن أوضاعهم، ويسهِّل مساعدتهم.
ثامنًا: لا نمانع من إمكانية التعايش السلمي بين السنة والشيعة، وعدم تعدي طرف على طرف، بل عدم الدخول في المناطق الملتهبة من الصراع الفكري والعَقَديّ، على أن يكون هذا متبادلاً بين الطرفين، ولا يكون هذا يعني إعطاء كل الحقوق للشيعة في العراق مع تهميش السُّنة، سواءٌ في العراق أو إيران.
تاسعًا: التقارب السياسي بين بعض الجماعات السياسية السنية والشيعية في بعض الأمور أمر وارد، ولكن مع الحذر الشديد من حدوث انهيار التقارب كما هو المعتاد في التاريخ لمثل هذه العَلاقات، كما ينبغي الحذر التام من أي تنازل عن مبدأ عقائدي أو شرعي في سبيل هذا التقارب، وليكن هذا التقارب مشروطًا بظروف خاصَّة، ومصالح مشتركة معينة، ولا يكون مطلقًا حتى لا يُحدِث بلبلة في الصف، واضطرابًا في الفهم.
عاشرًا: دعوة إلى حكام المسلمين أن يكونوا على قدر المسئولية الضخمة الملقاة على عاتقهم، فإنَّ المسلمين السُّنة ما لجئوا إلى دعاوى التقريب، وما انبهروا بالأمثلة الشيعية إلا لغياب الحكّام المسلمين عن الساحة.. ولقد رأينا مدى التعاطف السُّنِّي مع أردوجان في موقفه من اليهود، ومن رئيس وزراء الدنمارك؛ للدلالة على احتياج الشارع السُّني لرمزٍ يقفون وراءه، فأسأل الله أن يريكم الحق حقًّا ويرزقكم اتّباعه، وأن يريكم الباطل باطلاً ويرزقكم اجتنابه.
كانت هذه هي النقطة العاشرة في رؤيتنا لهذا الملف الخطير، فتلك عشرة كاملة..
وأنا على يقين أن هناك العشرات والمئات، بل الآلاف، من الأسئلة التي لم نتمكن من الإشارة لها في هذه المقالات العاجلة، ولكننا نهدف إلى فتح الأبواب فقط، وتوضيح الرؤية، أما التفصيل والشرح والاستقصاء والحصر، فإننا نحتاج إلى دراسات وبحوث، نسأل الله أن يوفِّق علماء المسلمين إلى القيام بها، وتبيينها لعموم الناس {حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
ونسأل الله أن يُعِزَّ الإسلام والمسلمين.