بسم الله الرحمن الرحيم
قبل عام كتب الكاتب أمير سعيد مقالا عن موسى عرفات واصفا إياه بالسامري والآن أترككم مع المقال
تفضلوا
موسى عرفات السامري
في الأسبوع الأول من يناير 1996, نقلت صحيفة نيوزداي التي تصدر في لونج أيلاند بنيويورك عن مسؤول بمكافحة الإرهاب في مكتب التحقيقات الفيدرالية [FBI] قوله: 'إن إسرائيل لم تتمكن من تحديد مكان عياش [..] رغم عامين من البحث. ولكن منظمة التحرير الفلسطينية هي التي رصدت في نهاية الأمر منزل زميل سابق لعياش في قطاع غزة حيث كان يختبئ أكثر الأشخاص الذين تطالب إسرائيل بالقبض عليهم', مضيفة بأن متحدثًا إسرائيليًا امتنع عن التعقيب على التقرير الذي نشرته حيث قال يوري درومي، كبير المتحدثين الرسميين باسم 'الحكومة الإسرائيلية' [في ذلك الوقت]: 'ربما يجب أن تسألوا السلطة الفلسطينية'.
كانت دماء الشهيد يحيى عياش ما تزال حارة, وكانت المؤامرة الخسيسة قد ارتقت بالشهيد المعروف بالمهندس [نسبة إلى مهارته الفائقة في تصنيع المواد التفجيرية] الذي يعد أعظم من أنجبتهم كتائب عز الدين القسام وأكثرهم أثرًا على الساحة العسكرية الفلسطينية خلال العشرين عامًا الماضية.
والحقيقة أن مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالية وحكومة الكيان الصهيوني لم يتجنيا كثيرًا على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية, فرغم أن المنظمة لا تتحمل كلية المسؤولية عن تلك الجريمة؛ فإن أحد أبرز قادتها تورط بشكل مباشر في تصفية مناضل رفيع المستوى لحساب الكيان الصهيوني الغاصب، وهو تورط يرتكس إلى دونية الخيانة العظمى ويضاف إلى رصيد الرجل المتولي يوم الزحف في معركة الكرامة 1968, واللائذ بالفرار المحبوس بجلده في مذابح 'أيلول الأسود' / موســى عرفــات, سليل العائلة العرفاتية المجهولة الجذور, وابن عم 'الختيار' ياسر عرفات.
وقصة الخيانة العظمى للرجل لا تبدأ عند قتل المهندس يحيى عياش غيلة على أيدي الصهاينة وبمساعدة مباشرة من المتصهينين في جهاز الاستخبارات العسكرية التي كان يرأسها 'موشيه عرفات', لكنما تلك الحادثة كانت أبرز خطايا قائد الأمن 'الوطني' الفلسطيني الجديد [على الأقل قبل العام الأخير].
لم يكن 'موشيه عرفات' أكثر من 'متعاون' أسدى للاحتلال الصهيوني منكرًا لا ينكره أو ينساه له الصهاينة مهما استبد بهم غدرهم وغلبت عليهم خستهم؛ فالاحتلال كان قد ارتعدت فرائسه من شاب كانت أمنية الهالك رابين قبل أن يموت ـ على يد يغال عامير, ولم ينل أمنيته في حياته ـ أن يرى رأس المهندس العبقري مهشمًا مثلما نجح أن يسر 'موشيه عرفات' عين اليهود برؤية هذا المشهد الفظيع.
مثلما هو معروف لدى الغزاويين تمامًا ـ مثلما يعرفون أبناءهم ـ أن المهندس كان حريصًا جدًا على إبقاء تحركاته قيد السرية المحكمة لا سيما وقد صار المطلوب الأول في فلسطين من قبل يهود, ولقد نجح في ذلك إلى حد بعيد إلى أن تمكن 'موشيه عرفات' القريب جدًا من الشاباك الصهيوني من فك شيفرة اختفائه عن طريق عميل الاستخبارات العسكرية الفلسطينية كمال حماد خال زميل يحيى عياش الذي أرشد الصهاينة عن مكان الشهيد, ومن ثم تم اغتياله عن طريق هاتف محمول مفخخ أثناء مكالمة مع والده أعطت شرارة التفجير في العملية طائرة صهيونية حوامة كانت تطير بالقرب من منزل زميل الشهيد.
هذه قصة قديمة, وقد يقال تاب الرجل ولم يعد 'يتعاون' مع السلطات الاحتلالية .. لكن, وللأسف, فإن أهالي غزة لا يذكرون هذه القصة وحسب ـ برغم كل آلامها ـ وإنما يذكرون أيضًا الشكوك القوية التي حامت حول العميد بسبب ما تردد بقوة عن دوره المفترض في اغتيال الدكتور عبد العزيز الرنتيسي, ومن ثم إخلاء السبيل أمام سيطرة الجهاز الذي يترأسه على قطاع غزة خاليًا من قادة حماس الأقوياء.
أهالي فلسطين يدركون ماهية الرجل جيدًا, ولذا ثاروا بوجهه غير مرة: ثاروا بوجهه طوال الأيام الماضية التي تلت تعيينه على رأس أحد أهم الأجهزة الفلسطينية, وحرقوا مقر الاستخبارات التي كان يرأسها بخان يونس أمس [18/7/2004] و وخرجوا بالآلاف منددين بتعينه, وثاروا قبل ثلاث سنوات تحديدًا [23/7/2001] عندما خرج الآلاف أيضًا وأطلقوا النار من أكثر من فصيل فلسطيني على منزل العميد موسى عرفات إثر جريمة نفذها جهاز الاستخبارات العسكرية الذي كان يرأسه حين أطلق عناصر تابعة له النار على خلية قسامية لدى عودتها من مهمة نفذت خلالها عملية ضد موقع صهيوني لم يفلح في إلحاق الأذى بأفراد المقاومة؛ ونجح الجهاز المذكور في إصابة ثلاثة من عناصر القسام!! وإثر ملاحقة الأجنحة العسكرية من قبل الجهاز, وثاروا كذلك بوجهه قبل عام تحديدًا [24/7/2003] ـ وهي مفارقة عجيبة تستحق الالتفات إليها حول لغز شهر يوليو مع العميد؟! ـ عندما أطلق من ضاقوا بممارساته ذرعًا قذيفة على مبنى السرايا الحكومية بغية شطبه من الحياة, فنجا وأصيب العشرات من رفقائه.
أهالي فلسطين يدركون أيضًا أن 'موشيه عرفات' وسامري فلسطين قد صير من جهازه الصارم ترسًا كبيرًا وحصنًا منيعًا لحماية العملاء المطلوبين, وأبقى المناضلين الشرفاء أسيري مجابهة السلطة 'الوطنية' ذاتها إن هم أرادوا أن ينظفوا فلسطين من أراذلها ويتخلصوا من عملائها.
وكتائب شهداء الأقصى المناضلة تدرك جيدًا الآن أنها إذ تثور بوجه الرجل رافضة إياه على سدة الأمن الفلسطيني؛ فهي لا ترفضه بسبب 'فساده' كما تعلن, وإنما لـ'إفساده' الذي لا يعبر عنه بضعة ملايين من الدولارات تعرف طريقها لهذا المسؤول أو ذاك بقدر ما يعبر عنه الثمن الذي دفعه هؤلاء لنيلها.
كتائب شهداء الأقصى كما حماس والجهاد وكل الفصائل, خسرت حبات العيون من الشهداء الكرام بسبب سلسلة طويلة من العملاء والجواسيس الذين يحظون بحماية من جواسيس أعلى رتبة وأوفر 'كروشًا'.
والثائرون اليوم ضد العميد السامري يعرفون أنه كان يرأس جهازًا يؤمه قوم غلاظ القلوب, عرفهم أهل فلسطين بقسوة تعذيبهم لضحاياهم وعدم اكتراثهم بالاحتراب الداخلي, وعلاقتهم الممتازة جدًا بأجهزة الاستخبارات الصهيونية, لا سيما الشاباك, ما أتاح لكثير منهم الانتقال بغير عناء بين الضفة والقطاع دون الحاجة لتقديم الهويات الرسمية العادية.
تلك إذن قطرة صغيرة لا تروي الظمأ, ومن أراد الرِّي فدونه كلمات تخرج عفوية من أفواه المتظاهرين اليوم في فلسطين يحدق بهم الخطر, إنْ من جهة موسى عرفات أو من جهة 'خيار إسرائيل الأول'/ العقيد محمد دحلان ..
إنه موسى السامري يظهر في فلسطين من جديد, فسحقًا لخوار عجله, ولهفًا على الشرفاء من أبناء فلسطين الذين يتسربلون بالدم: في الصدور ينزف دمهم الطاهر بطعنات الرماح الصهيونية, وفي الظهور تأتيهم طعنات الخناجر الغادرة من 'أبناء العمومة' ..
أميـر سعيـد
amirsaid@gawab.com
--- مفكرة الإسلام ---