الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد
فإنّ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بهيئة رئاسته وأمانته العامّة ومكتبه التنفيذي ومجلس أمنائه المجتمع حالياً في العاصمة اللبنانية بيروت، وبقاعدته العريضة من علماء الأمة الذين يمثلون جميع المدارس والمذاهب الفقهية المختلفة، فقد رأى من واجبه في هذه الظروف التي يمرُّ بها العالم عامةً والمسلمون خاصةً، تذكير كل مَنْ ينتمي إلى هذا الدين الحنيف بعدد من المبادئ الشرعية والأخلاقية التي تحكم سلوك المسلمين، وأن يبيّن للناس كافة مبادئ التعامل بين بعض المسلمين وبعض، وبينهم وبين غير المسلمين.
وفي ضوء ما تقدّم لم يسع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يقف متفرجاً على ما يجري في العالم كلّه من مظالم واعتداءات على المستضعفين في كل مكان، ومن مجازر ومذابح تحدث هنا وهناك وخاصة في بلاد المسلمين، بل وحيث يتواجد المسلمون، ومن إشعال نار الحروب المدمّرة دون سبب اللهمّ إلا إشباع جشع القلّة المستفيدة من هذه الحروب من تجار أسلحة الموت والدمار وغيرهم ممن ترتبط مصالحهم الاقتصادية بالحروب والقلاقل.
من أجل ذلك كلّه، واستحضاراً لمسؤولية العلماء في إسداء النصح للأمة (حكاماً ومحكومين) إذا أصابها ما يهدد مصلحتها العليا أو سلام ديارها، أو وحدة أراضيها، أو استقرارها، يود الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أن يبين الأمور التالية:
أولاً: (إن مقاومة الشعب العراقي المجاهد لجيوش الاحتلال الأجنبي بغية تحرير الأرض واسترجاع السيادة الوطنية (يعدّ واجباً شرعياً على كل مستطيع، داخل العراق وخارجه، ما دام ينتمي إلى أمة الإسلام.) وقد أذن الله عز وجلّ بذلك: (أذن للذين يقاتَلون بأنهم ظلموا) وخاطب المسلمين بقوله: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم). (وهذا القتال هو من باب جهاد الدفع الذي لا يلزم له وجود قيادة عامة وإنما يُعمل فيه بحسب المستطاع، )ولا يخفى أن مقاومة الاحتلال هي حق مشروع أقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
ثانياً: إن ما ترتكبه الجيوش الأجنبية الغازية للعراق، من فظائع لم يسبق لها مثيل، ومن استعمال أسلحة الدمار الشامل على نطاق واسع وهم الذين غزوا العراق للحيلولة دون استعمال مثيلاتها من أسلحة مزعومة أثبت الواقع أن وجودها خرافة، ومن خرق فاضح لاتفاقية جنيف وسائر الاتفاقيات المتعلقة بالمدنيين في أثناء الحروب، وبالعاملين في الخدمات الصحية، وبأسرى الحرب، ومن استخدام لأنواع الأسلحة المحرّم استخدامها دولياً، ومن تخريب للبيوت والمباني والمساجد والكنائس وسائر دور العبادة، والبنية الأساسية، وإهلاك للحرث والنسل.. ومن قتل للجرحى في المساجد ومنع الإمدادات الإغاثية عن المنكوبين وقصف المستشفيات ومنع الفرق الطبية من أداء واجبها الإنساني نحو الجرحى والمصابين. إن هذا كله يمثل وصمة عار في جبين الدول التي تقوم بها، والاتحاد يهيب بحكومات هذه الدول بلا استثناء أن تثوب إلى رشدها، وأن تسترجع إنسانيتها، وأن تنسحب من العراق انسحاباً فورياً، بعد تسليم السلطة مؤقتاً إلى هيئة دولية معترف بها، تقوم بالإشراف على انتخابات حرة ونزيهة، يتولى بعدها الشعب العراقي إدارة شؤون بلاده بنفسه.
ثالثاً: لا يجوز لأي مسلم تقديم الدعم للمحتلين ضد الشعب العراقي ومقاومته الشريفة، لأن في ذلك إعانة لهم على الإثم والعدوان، وموالاة للمعتدين ضد شعب مسلم مظلوم. وإذا كانت ظروف بعض العراقيين تدفعهم إلى العمل في الجيش أو الشرطة فإن عليهم أن يسعوا جهدهم لتجنّب إلحاق الأذى بمواطنيهم، وعلى المقاومة الشريفة أن لا تتعرض لهم بسوء ما داموا لا يحاربون شعبهم ولا يوالون عدوهم.
عاشراً: إن ما حدث في أفغانستان ولا يزال يحدث من مؤامرة تستهدف دين الشعب الأفغاني المسلم وقيمه ومثله، فضلاً عمّا يعيش فيه من بؤس على الرغم من جميع وعود الاحتلال، يمثل استمراراً لسيطرة عصابات المخدرات العالمية وغيرها على ثروات هذا الشعب البشرية والمادية، وعلى جميع المسلمين في كل مكان أن يفضحوا هذه المؤامرة الخبيثة وأبعادها، وأن يقدموا إلى الشعب الأفغاني المجاهد ما يستطيعون من دعم.
حادي عشر: إن ما يعاني منه المسلمون في مختلف أنحاء العالم من اضطهاد واعتداء، من قبيل ما حدث بالأمس القريب في تايلاند ونيبال وهولندة وقبل ذلك في كشمير وغيرها من بلاد العالم، يوجب على كل مسلم أن يعمل على الجهاد بقلمه ولسانه وماله لحماية إخوانه في البلاد التي يؤلفون فيها أقلية. كما يوجب على الواعين من أبناء هذه البلاد التنبّه إلى ما يقوم به بعض الجهلة من تصرفات تستفز أمثال هذه الأعمال المجرّمة، والإعراب عن استنكارها والوقوف في وجهها.
ثالث عشر: يدعو الاتحاد إلى إحياء المصالحة الشاملة بين فعاليات الأمة كافة، الرسمية والشعبية، العلماء، والدعاة، الهيئات والمنظمات على أساس من كفالة الحقوق، وتعزيز مناخ الحريات، وتوسيع قاعدة المشاركة والتزام النهج السلمي قولاً وعملاً وتأكيد دور العلماء في إصلاح الأمة والدعوة إلى الله والالتزام بثوابت الأمة الدينية والوطنية والدفاع عنها تعزيزاً لدورها، وقطعاً للطريق على المتربصين بها الدوائر.
رابع عشر: يؤكّد الاتحاد على ضرورة قيام الدول الإسلامية بإصلاح نظمها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ومناهجها التربوية بصورة تنبع من ثوابت الأمّة الشرعية وخصوصيتها الحضارية وهويتها الثقافية بما يحفظ عليها مقوماتها التاريخية ولا يخلّ بقيمها الوطنية والدينية، ولا يكون استجابة لإملاء خارجي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.
- رئيس الاتحاد : أ. د. يوسف القرضاوي
- الأمين العام : أ. د. محمد سليم العوّا
تم حذف بعض ما في البيان لضروف ومن اراده كاملا فعلى هذا الرابط
http://www.qaradawi.net/site/topics/...7&parent_id=18