النوم وأثره في الطهارة
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, أما بعد:
لما كان النوم صفة ملازمة للإنسان وقد جاءت الشريعة الإسلامية بشمول جوانب الحياة, ومن هذه الجوانب المهمة هي: هل النوم له تأثير في طهارة الإنسان؟! وما هو ضابط هذا النوم إن كان له تأثير في الطهارة؟.
روى الصحابي الجليل صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم ) . أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجه والترمذي واللفظ له، وصححه ابن خزيمة والترمذي وابن حبان والنووي وابن حجر.
وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال: ( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون ). رواه مسلم وأبو داوود.
وفي رواية لابن عباس في صحيح مسلم: ( فجعلت إذا أغفيت يأخذ بشحمة أذني ).
ومن هذين الحديثين اختلف العلماء هل النوم ناقض للطهارة أم لا؟ فمن أخذ بحديث ابن عباس قال أنه ليس بناقض للطهارة مطلقاً, ومن أخذ بحديث صفوان قال أنه ناقض للطهارة.
والصواب والله أعلم أن النوم ناقض للطهارة وسيأتي سبب الترجيح إن شاء الله في ذكر ضابط النوم حيث أنه يمكن الجمع بين الحديثين, وإذا أمكن الجمع فلا حاجة لترك حديث صحيح.
واختلف القائلون بأن النوم ناقض للطهارة: هل النوم حدث أم مظنة الحدث؟.
فمن يقول بأنه حدث كالبول مثلاً فيقول أنه ينقض قليله وكثيره ولا تفريق بينهما, واستدل بحديث صفوان السابق حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر النوم مطلقاً دون تقييد.
ومن قال بأنه مظنة الحدث فاستدل بحديث علي رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين وكاء السه, فمن نام فليتوضأ ).أخرجه الإمام أحمد وأبو داوود وابن ماجه والدارقطني والبيهقي والطحاوي في مشكل الآثار, وقد حسنه المنذري وابن الصلاح والنووي.
واستدلوا أيضاُ بحديث معاوية رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العين وكاء السه, فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) أخرجه أحمد والطبراني, وقال الإمام أحمد: وحديث علي أثبت من حديث معاوية في هذا الباب.
فأصحاب هذا القول استدلوا بهذين الحديثين, حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر العلة وهو أن النائم ينحل عنده الوكاء فلا يشعر بخروج الحدث منه.
والذي يظهر - والله أعلم - أن النوم مظنة الحدث وليس هو حدثاً في نفسه جمعاً بين الأدلة.
فبعد أن عرفنا أن النوم ناقض للطهارة وعرفنا أنه مظنة الحدث فإذاً ما هو ضابطه؟.
والحنفية يقولون: إذا نام على هيئة من هيئات المصلي كالراكع والساجد والقائم والقاعد لا ينتقض وضوؤه, وإن نام مضطجعاً أو مستلقياً على قفاه انتقض.
واستدلوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس على المحتبي النائم, ولا على القائم النائم ولا على الساجد وضوء حتى يضطجع, فإذا اضطجع توضأ ) رواه البيهقي وجوده الحافظ ابن حجر.
وعند الإمام مالك: كثير النوم ينقض بكل حال, وقليله لا ينقض بكل حال.
وعند الشافعية: أن النائم الممكن مقعدته من الأرض أو نحوها لا ينتقض وضوؤه, وغيره ينتقض سواء كان في صلاة أو غيرها وسواء طال نومه أم لا.
والحنابلة يقولون: بأنه لا يعفى في النوم عن شيء منه إلا ما كان بعيداً فيه الحدث كاليسير من نوم القاعد والقائم.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله في جواب سؤال كما في كتاب فتاوى إسلامية جمع محمد المسند جزاه الله خيراً: النوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقاً قد أزال الشعور.
لما روى صفوان بن عسال المرادي رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا مسافرين أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائظ وبول ونوم. أخرجه النسائي والترمذي واللفظ له وصححه ابن خزيمة.
ولما روى معواية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم, أنه قال: (العين وكاء السه, فإذا نامت العينان استطلق الوكاء). رواه أحمد والطبراني وفي سنده ضعف, لكن له شواهد كحديث صفوان المذكور وبذلك يكون حديثاً حسناً.
إلى أن قال: أما النعاس فلا ينقض الوضوء لأنه لا يذهب معه الشعور, وبذلك تجتمع الأدلة الواردة في هذا الباب. والله ولي التوفيق.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع: القول الرابع - وهو اختيار شيخ الإسلام - هو الصحيح: أن النوم مظنة الحدث, فإذا نام بحيث لو انتقض وضوءه أحس بنفسه, فإن وضوءه باق, وإذا نام بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فقد انتقض وضوءه.
وقال: وبهذا تجتمع الأدلة, فإن حديث صفوان بن عسال دل على أن النوم ناقض, وحديث أنس رضي الله عنه دل على أنه غير ناقض. فيحمل ما ورد عن الصحابة على ما إذا كان الإنسان لو أحدث أحس بنفسه,ويحمل حديث صفوان على ما إذا كان لو أحدث لم يحس بنفسه.
ويؤيد هذا الجمع الحديث المروي العين وكاء السه, فإذا نامت العينان استطلق الوكاء ). فإذا كان الإنسان لم يحكم وكاءه بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه فإن نومه ناقض, وإلا فلا.
هذا ما تيسر لي جمعه, والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بقلم : عبدالرحمن الجندول
ياله من دين