بسم الله الرحمن الرحيم
علمـــــاء...منافقـــــون
خطورة النفاق:
كان سفيان الثوري يقول:خلاف ما بيننا وبين المرجئة ثلاثة،..وذكر منها:نحن نقول: النفاق،وهم يقولون: لا نفاق([1])
يقول ابن القيم رحمه الله : (إن بلية الإسلام بالمنافقين شديدة جدّاً ؛ لأنهم منسوبون إليه ، وهم أعداؤه في الحقيقة ، يخرجون عداوته في كل قالب يظن الجاهل أنه علم وصلاح ، وهو غاية الجهل والإفساد .
فلله كم من معقل للإسلام قد هدموه ؟،وكم من حصن له قد قلعوا أساسه وخربوه ؟، وكم من عَلَم له قد طمسوه ؟ ، وكم ضربوا بمعاول الشّبه في أصول غراسه ليقلعوها ، فلا يزال الإسلام وأهله منهم في محنة وبلية ، ولا يزال يطرقه من شبههم سريّة بعد سريّة، يزعمون أنهم بذلك مصلحون،(ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )([2])) ([3])
ويقولالله تعالى هم العدوفاحذرهم قاتلهم الله أنَّى يؤفكون)([4])، (ومثل هذا اللفظ يقتضي الحصر ، والمراد : إثبات الأولوية والأحقية لهم في هذا الوصف ، لا على معنى أنه لا عدو لكم سواهم ،بل على معنى أنهم أحق بأن يكونوا لكم عدوّاً من الكفار المجاهرين ، فإن الحرب مع أولئك ساعة أو أياماً ، ثم ينقضي ويعقبه النصر والظفر ، وهؤلاء معهم في الدياروالمنازل ، صباحاً ومساءً ، يدلون العدو على عوراتهم ، ويتربصون بهم الدوائر ، ولايمكنهم مناجزتهم ...) ([5]).
وورد التحذير من المنافقين وفضحهم وبيان صفاتهم في سبع عشرة سورة مدنية من ثلاثين سورة، واستغرق ذلك قرابة ثلاثمائة وأربعين آية ، حتى قال ابن القيم - رحمه الله- : (كاد القرآن أن يكون كله في شأنهم ، لكثرتهم على ظهر الأرض ، وفي أحواف القبور ، فلا خلت بقاع الأرض منهم لئلا يستوحش المؤمنون في الطرقات، وتتعطل بهم أسبابُ المعايش ، وتخطفهم الوحوش والسباع في الفلوات ، سمع حذيفة - رضي الله عنه - رجلاً يقول : اللهم أهلك المنافقين، فقال:ياابن أخي،لو هلك المنافقون لاستوحشتم في طرقاتكم من قلة السالك)([6])، وأثر حذيفة ليس لا ينبغي أن يُفهم منه تعميم الحكم بالنفاق على الناس، ولكن النفاق شُعَب وأنواع ، يقول شيخ الإسلام ابن تيميةولهذا لم يكن المتهمون بالنفاق نوعاً واحداً،بل فيهم المنافق المحض،وفيهممَن فيه إيمان ونفاق، وفيهم مَن إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق، ولما قوي الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك:صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكن يعاتبون عليه قبل ذلك..) مجموع الفتاوى 7/523.وقال في موضع آخر : (فأما النفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه ،أن لا يرى وجوب تصديق الرسول - - فيما أخبر به ، ولا يرى أيضاً وجوب طاعته فيما أمر به ) الإيمان الأوسطص180.
حقيقةالنفاق:
(وأساس النفاق الذي بنيَّ عليه أن المنافق لا بد أنتختلف سريرته وعلانيته وظاهره وباطنه ولهذا يصفهم الله في كتابه بالكذب كما يصف المؤمنين بالصدق ؛ قال تعالى: ( ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون ) ([7])،وقال: ( والله يشهد إن المنافقين لكاذبون ) ([8])،وأمثال هذا كثير) ([9])
علماء...منافقون:
ومن أصناف المنافقين التي حذر منها الرسول – - المنافق عليم اللسان .. صاحب البيان .. بذيء اللسان ..
-
فعن عمران بن حصين - رضي الله عنهما – مرفوعاً-:"إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي:منافق عليم اللسان" ([10]).
قال المناوي في (فيض القدير) [1/52]كل منافق عليم اللسان : أي:عالم للعلم،منطلق اللسان به،لكنه جاهل القلب والعمل، فاسد العقيدة ، مغر للناس بشقاشقه وتفحصه وتقعره في الكلام) .وقال أيضاً [1/309]أي:كثير علم اللسان، جاهل القلب والعمل ،اتخذ العلم حرفة يتأكل بها، وأبهة يتعزز بها ،يدعو الناس إلى الله ،ويفرّهو منه).
-
وقال - - أكثرمنافقي أمتي قراؤها ) ([12]) .
-
وعن زياد بن حدير قال : قال لي عمر - رضي الله عنه -: هل تعرفما يهدم الإسلام ؟قال: قلت : لا . قال: (يهدمه زلة العالم ،وجدال المنافق بالكتاب،وحكم الأئمة المضلين) ([13])،وخطورة هذا الصنف أنه يتحدث باسم الدين ليُفسد على الناس دينهم فينخدع الناس به ويميلوا إليه ، قال تعالى: ( يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ) ([14]).
ولنا مع هذه النصوص وقفات :
الوقفة الأولى: أهمية قضية الإيمان وأن العبرة بمدى تحصيله وأن المرء قد يُحصل العلم حتى يصبح ( عليماً) ولا يحوز الإيمان فيصير من المنافقين ..
الوقفة الثانية : النفاق ليس قضية قلبية محضة – فقط - فمنه اعتقادي ومنه عملي ، وله آثار ولأهله أوصاف يُعرفون بها يقول الله تعالى (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، وكان ابن سلول معروفاً بين المسلمين بنفاقه ففي حادثة الإفك قال الصحابي الجليل أسيد بن الحضير- رضي الله عنه - لمن جادل عنه ( إنك منافق تجادل عن المنافقين ) وراجع عمر النبي - - في الصلاة عليه لنفاقه ولم ينكر عليه - -ذلك ، وكون حذيفة كاتم سر النبي - - فلأنه أخبره أسماء جميع المنافقين ..
الوقفة الثالثة: أن المؤمن قد يكون عيي اللسان قليل الكلام وقد يكون المنافق عليم اللسان قوي البيانولكن بيان المنافق جدالٌ بالكتاب – كما قال أمير المؤمنين الملهم عمررضي الله عنه – وليس احتكاماً للكتاب ونزولاً على مقصود الوحي ، ولقد ذكر الله تعالى من أوصاف علماء القوم المغضوب عليهم أنهم يلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهذه منصور الجدال بالكتاب ..
الوقفة الرابعة: الإرشاد النبوي للجانب الخلقي في تمييز المؤمن من المنافق ، فالمؤمن حيي والحياء لايأتي إلا بخير والمنافق بذيء ، فكأن المنافق ينصر باطله بالبيان تارةً وبسوء الخلق والبذاءة على المخالف تارةً ، أما المؤمن فلا يحسن كثرة الكلام والتقعر فيه ولا يجيد ألوان البذاءة وصور الإساءة ..
الوقفةالخامسة: أن قوله – - : ( أخوف ماأخاف عليكم...) يدل على خطورة هذه الفئة وضرورة التحذير منها وأنها - كماقال أمير المؤمنين – تهدم في الدين ، وأخطر ما في ذلك أنها تفعله باسم العلم وحماية المنهج ، قال تعالى ( اتخذوا أيمانهم جُنّةً فصدوا عن سبيلالله ) قال ابن كثير : ( أي أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر واتقوابالأيمان الكاذبة ، فظن كثير ممن لا يعرف حقيقة أمرهم صدقهم فاغتر بهم،فحصل بهذاصدٌ عن سبيل الله لبعض الناس ) ([15])
فلا عجب إذاً بعد هذا أن نرى التشابه بين ما يرومه أعداء الدين وما يحققه هؤلاء المنافقوناللابسين لبوس العلم المتقعرين بلفظه ..أهل الكلام بلا عمل ..والبذاءة بلا حياء ،فكلا الفريقين يقوم بالإرجاف والتلبيس والتخويف من أولياء الشيطان ..
تنبيه : النفاق كما ذكرنا يتفاوت فقد يكون المرء متلبساً ببعض خصال النفاق ولا يكون منافقاً خالصاً ، وقد يكون فساد المرء أوالمتصدر باسم العلم من جهة أخرى غير النفاق كالهوى أو المعاصي ،وغالبا ما يكون الأمر متقاطعاً بين ذاك وذاك ، لذا لزم التنبيه أنالأولى الاهتمام بالتحذير من الفعل دون الانشغال بإسقاط الوصف على أشخاصوهذا هو هدي النبي (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا ) ، وهو الأرجى لفتح باب التوبة والمراجعة لمن تلبس ببعض ذلك...
وفي النهاية أُذَّكِر بالحديث الذي رواه ابن عمر t عن النبي r قال: ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين تعير إلى هذه مرة وإلىهذه مرة) ،(وفي رواية: تكر في هذه مرة وفي هذه مرة) ([16]) ، وهو مصداق قوله تعالى (مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا ) ([17])(والذبذبة: شدّة الاضطراب من خوف أو خجل...أي كانوا بحالة اضطراب وهو معنى التذبذب . والمقصود منهذا تحقيرهم وتنفير الفريقين من صحبتِهم لينبذهم الفريقان ) ([18])...
فالذين يتلبسون بالنفاق هم الخاسرون فلا هم يحظون بما أعده الله للمؤمنين ولا هم أظهروا ولاءهم لأعداء الدين ... فهم المنبوذون في الدن ياوالآخرة..
الهوامش:
([1]) أخرجه الفريابي في (صفة المنافق) ، ص 93 .
([2])[البقرة : 12] .
([3]) مدارج السالكين ، 1/347.
([4])[المنافقون : 4].
([5]) طريق الهجرتين ص 402- 404 ، باختصاريسير.
([6]) مدارج السالكين ، 1/358.
([7]) [ البقرة :10 ].
([8]) [ المنافقون :1 ].
([9]) مجموع الفتاوى .
([10])رواهأحمد1/22و44،والطبراني في الكبير 18/237،وصححه الألباني في الجامع الصغير وفي الصحيحةح1013
([11]) رواه الترمذي ح 227) وصححه الألباني.
([12]) ورد من طريق عبد الله بن عمرو و عقبة بن عامر وعبد الله بن عباس و عصمة بن مالك ،ولكل طريق رواته (راجع أحمد (4/ 151 ، 154- 155) و(2/175)،وابن بطة في" الإبانة "(5/48 /2)، وابن قتيبة في "غريب الحديث " (1/105/1) و ابن عدي في الكامل (211/1) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/ 257/822) وغيرهم )،وصححه بطرقه الألباني في الصحيحة ح750 (2/386)
([13])رواه الدرامي ،وصححه الألباني في تحقيقه لمشكاة المصابيح للتبريزي – كتاب العلم – الفصل الأول ح 269.
([14]) [ التوبة:47].
([15]) تفسير ابن كثير :
([16]) صحيح مسلم ح 4990 .
([17]) [النساء 143].
([18]) التحريروالتنوير .
عن حديث ( أكثر منافقي أمتي قراؤها )
بسم الله و الصلاة و السلام على رسول الله صلى الله عليه و على آله و صحبه و سلم
ثم أما بعد
ليس كل من حفظ كتاب الله جل و علا وأجاد قراءته فهو على الهدى
فكم من قارئ للقرآن و القرآن يلعنه
كم من صوفي قبوري و أشعري جهمي و خارجي ناصبي كانوا حفاظ لكتاب الله جل و علا أصواتهم رقراقة و تغنيهم بالقرآن رطبا طريا سائغا صائغا و لم ينفعهم القرآن و لم يجاوز تراقيهم و هم في نار جهنم خالدين
علت أسانيدهم في الإجازات و هم في الدركات نازلين
اعجبني هذا الحديث أيم إعجاب فأحببت أن أنقله لكم
فعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله ( أكثر منافقي أمتي قراؤها )
رواه أحمد والطبراني , وأحد أسانيد أحمد ثقات أثبات .
وعن عبد الله بن عمرو قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( أكثر منافقي أمتي قراؤها )
رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات , وكذلك رجال أحد إسنادي أحمد ثقات
فلله في خلقه شئون و عنده الحكمة البالغة و الحجة الدامغة فسبحان جبروته و قدرته و حكمته أن جعل من أعدائه من يحمل كتابه و يحفظه و يتلوه تكرارا و مرارا نفاقا منه و رياءً و سمعة ، ليكون حجة عليه لا له
يحفظه لمصلحة دنياوية خربة و لحاجة نفسية خسيسة و هو كافر به
فيتقنه و يلقنه
ليكون حجة عليه لا له
و سبحان الله العزيز الحكيم
له في خلقه شؤون
و يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين
يذكرني حال المنافق وهو يحفظ كتاب الله و يجتهد في طلبه بحال فرعون إمام الضلال إذ يقول الله تعالى : { فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين }
فكيف يجعل الله عدو القرآن حاملا للقرآن؟ (!!)
ما أعظم حكمته و ما أعظم قدرته
و كيف يجعل عدو رسوله موسى راعيا له ؟ (!!)
ما أعظم حكمته و ما أقوىجبروته
أليس في ذلك إثبات لقدرة الله و جبروته و حكمته ؟ إذ يستدرج عدوه إلى هلكته من حيث لا يدري ؟ ويجعله يرعى رسالته مع إنه عدو لها ؟
أليس في ذلك اثباتضعف و ضلال أعداءه و فرط جهلهم و حقارتهم ؟ و أن الله خير الماكرين؟
إنها من قدرة العزيز الجبار المتكبر أن يستدرجهم من حيث لا يعلمون ؟ و يحسبون أنهم على خير و هم في ضلال مبين ؟ يمكر بالخبثاء الضالين الماكرين و لا يحيق المكر السيء إلا بأهله ؟و ما أتفه مكرهم و ما أعظم قدرة الله و حكمته و مكره بالماكرين و انتقامه من المجرمين ( المساكين ) !! ؟
و حقا ما أعظم الإخلاص و ما أعزه في القلوب و بين الناس
فرجلين حفظا كتاب الله و أجادا فيه ، فأحدهم مع السفرة الكرام البررة وأحدهم في الدرك الأسفل من النار، و سبحان الله له في خلقه شؤون
اجتهدوا يا عباد الله في فحص و تمحيص و تطهير القلب من فسائل النفاق ، و اجتهدوا في طلب الإخلاص