دعا زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن الدول الأوربية إلى الالتزام بعدم الاعتداء على المسلمين مقابل هدنة معهم.
وقال بن لادن في شريط صوتي جديد بثته الجزيرة إن رسالته هذه إلى من وصفهم بالجيران في شمال البحر المتوسط تتضمن مبادرة صلح جوهرها الالتزام بإيقاف العمليات ضد كل دولة تلتزم بعدم الاعتداء على العرب والمسلمين أو التدخل في شؤونهم، موضحا أن مبادرته للصلح سارية لمدة ثلاثة أشهر من تاريخ بث هذه الرسالة.
وأكد أن مبادرته هي رد على التفاعل الإيجابي من الشعوب الأوروبية الراغبة في الصلح، ودعا إلى تشكيل لجنة دائمة لتوعية هذه الشعوب وشرح قضايا العرب والمسلمين العادلة لهم -وأولاها القضية الفلسطينية- وما يجلبه التدخل الأميركي في شؤون الآخرين من مآس على العالم.
وقال إن وصف المسلمين بالإرهاب هو وصف لمن يطلقون هذه التهمة لأن أعمال المسلمين هي رد فعل لأعمال هؤلاء، وما حدث في 11 سبتمبر عام 2001 في الولايات المتحدة و11 مارس في مدريد هو بضاعتهم وقد ردت إليهم، مستشهدا بما يحدث من قتل وتدمير في فلسطين والعراق وأفغانستان.
وأشار إلى أن اغتيال شيخ كبير مقعد -وهو الشيخ أحمد ياسين- هو قمة الإرهاب، وتعهد بالقصاص من الولايات المتحدة انتقاما له.
وأكد أن القادة السياسيين في أميركا وأوروبا يكذبون ويتجاهلون ما يحدث في فلسطين، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى المزيد من سفك الدماء. وقال إنهم يرسلون جيوشهم ليقتلوا أو يقتلوا من أجل مصالحهم الشخصية -وهي مصالح شركات مثل هاليبيرتون وغيرها- وهم ليسوا أكثر من تجار حروب ومصاصي دماء.
التعليق :
جاء خطاب بن لادن هذه المرة هادئ جدا تنتصر فيه السياسة على منطق العسكرية , لم يخرج زعيم القاعدة متوعدا لأعدائه كما عهد عنه , وإنما أتى بطرح مختلف عن سابقيه , بدت فيه نبرة أسامة بن لادن أعلى بكثير من نبرة د/أيمن الظواهري.
وقد تكلم المراقبون والخبراء معلقين على طرح بن لادن هذا ؛ فأشار بعضهم إلى أن بن لادن إنما أراد دق إسفين بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا استنادا إلى رغبة معظم شعوب أوروبا في عدم تحمل عبء التبعية الأمريكية في حملتها التي أطلقتها لمحاربة ما تسميه بالإرهاب , وأن بن لادن ومستشاريه السياسيين قد قرءوا خريطة السياستين الأمريكية والأوروبية , وأدركوا أن وضع كلا الطرفين في سلة واحدة لا يخدم مصالح القاعدة خلال هذه الفترة التي تنسموا فيها بوادر تؤشر لعدم تطابق وجهات النظر بين أمريكا وأوروبا خصوصا بعدما تكشف للأوروبيين طبيعة الخديعة الكبرى التي أوقعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية العالم فيها , وإذ حظي الكيان الصهيوني بنصيب الأسد في الاستبيان الذي أجرته لجنة تابعة للاتحاد الأوروبي من حيث مسؤوليته الأولى عن تفشي ظاهرة 'الإرهاب' في العالم [58% من مجموع الأصوات] , وإذ أظهرت معظم استطلاعات الرأي في دول أوروبا المختلفة عن وجود أغلبية رافضة لاستمرار الاحتلال للعراق والتمادي في العدوان عليه بعد ثبات هشاشة موقفه وتلاشي أي مبرر لاستمراره ؛ فإن شرخا كبيرا بين رؤية الأغلبية الشعبية الرافضة لتبعية دولها لاستكبار الولايات المتحدة الأمريكية وبين مواقف حكامها الرسميين بدأ يتنامى , وهذا ما استدعى من بن لادن استغلاله فأجرى مبادرته التي لاحظ فيها ضرورة توعية الأوروبيين بعدالة قضايا المسلمين , ولعلنا نلحظ أن الرجل قد شعر بأن العديد من العمليات التي نفذت في أوروبا ربما تكون قد أدت بعض أهدافها في تخويف الأوروبيين من اقتفاء الأثر الأمريكي لكن المزيد منها سيضر بقضايا المسلمين أكثر مما ينفعهم وبالتالي كان الإقلاع عنها بنظر بن لادن هو واجب المرحلة [أو هكذا يمكن قراءة خطابه].
وأشار بعضهم إلى أن بن لادن لم يحاول أن يشق الصف الأمريكي/الأوروبي فحسب بل زاد عن ذلك بمحاولة التمنطق بأدبيات سياسية , وتبدى ذلك في خطابه , فقد استخدم تعبيرا رقيقا للحديث عن أوروبا فأسماهم بـ'الجيران في شمال البحر المتوسط' , وحاول إيجاد مخرج للشعوب الأوروبية بالابتعاد عن حكوماتها , ودعا إلى لجنة لتوضيح قضايا المسلمين للأوروبيين مع ما يحمله ذلك من خطاب سياسي منبت تماما عن العمل العسكري , واهتم بما دعاه بـ'التفاعل الإيجابي لتلك الشعوب' , وقدم هدنة , وتفسيرا توضيحيا للعمليات العسكرية في قلب أوروبا محاولا تبريرا بأنها قد جاءت في سياق رد الفعل على العدوان الذي تمارسه الحكومات الأوروبية على الشعوب المسلمة.
وللمفارقة , فإن بن لادن سجل نقطة 'سياسية' مهمة في مرمى الساسة الأوروبيين حينما بادروا علانية برفض المبادرة بعد ساعات من إطلاقها ليضعهم أمام فوهات بنادق الرأي العام الأوروبي الذي لن يعفي قادته من مسؤولية أي عمل عنيف في أوروبا حين يقع على خلفية رفضهم لـ'الصلح' بل سيشركهم في الضلوع بهذا العمل , مثلما يعتمل في الداخل الإيطالي بعد ساعات فقط من قتل رهينة إيطالي رفضت بلاده التعاطي مع مطالب مختطفيه ـ التي يؤيدها الشعب الإيطالي نفسه ـ برحيل القوات الإيطالية عن التراب العراقي.
لكن بن لادن في الأخير لم يتخل كلية عن وعيده حين تحدث عن الولايات المتحدة ومسؤوليتها عن اغتيال الشيخ ياسين. بل إن مجرد حديثه هو وعيد للولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا للرئيس الأمريكي جورج بوش الذي يستعد لخوض حملته الانتخابية محملا بأثقال العراق وصوتيات بن لادن ومرئياته في العراق !!
منقول من مفكرة الإسلام