الرسالةُ الأولى
لولاةِ الأمرِ
لمن ولاهُ اللهُ أمرنَا، فصارَ أكثرَنا حِمْلاً، وأعظمَنا أمانةً، وهو الذي بايعناهُ على كتابِ الله وسنةَ رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد صرحَ خادمُ الحرمينِ الشريفينِ الملكِ عبدُاللهِ ابنُ عبدِالعزيزِ بذلك يومَ أقسمَ لشعبِه أن يجعلَ الإسلامَ منهجَهُ، والقرآنَ دستورَهُ، ويوم شرحَ صدورَنا بقولتِه المشهورةِ: "نكونُ بالإسلامِ أو لا نكون" فنشدَّ على بيعتِه وولي عهدِه، وقد كانت الوحدة التي قام بها الملك عبدالعزيز –رحمه الله- على المعتقدِ الصحيح، والشريعةِ الغراء، فلم يوحِّدْ بيننا على أساسٍ عرقيٍّ، أو طائفيٍّ أو حزبي أو جهوي، بل رفعَ رايةً خضراءَ ترفرفُ بلا إله إلا الله محمدٌ رسولُ الله، فتخفقَ لها القلوبُ، وتشرأبَ لها الأعناقُ، فلا بدَّ أن تكونَ هذه الحقيقةُ ماثلةً للعيانِ عندَ كلِّ فردٍ من أفرادِ هذا الكيانِ الموحَّد، فمجدُنا وعزُّنا وسرُّ وحدتِنا وأسُ اجتماعِنا هو الإسلام، نعم قد ينضبُ عندنا النفطُ، لكن صحةَ إيمانِنا، واستقامةَ توجُّهِنا، وصدقَ رسالتِنا لا ينضب، وقد يهتزُ اقتصادنُا لكن قناعتَنا بدينِنا لا تهتز، وقد نعيشُ في الأكواخ أو نسكنُ الخيامَ، أو نستقلُ الأبراجَ ونعمرُ القصورَ فتتبدلُ بنا الأحوالُ والأطوارُ لكن رسالتَنا معنا في كلِّ حالٍ تصاحبُنا أبداً، وقد التقينَا في الحوارِ الوطنيِ من كلِّ إقليمٍ وطائفةٍ وطيفٍ ومذهبٍ ومشربٍ فأجمعْنا على أن الإسلامَ هو رسالتُنا للعالمِ ولله الحمد، فأولُ إعلانٍ لقيامِ دولتِنا أنها دولةٌ إسلاميةٌ فلا يُزايدُ علينا أحدٌ في نصرةِ الملةِ وحملِ، ميثاقِ الرسالةِ والتمسكِ بالشريعة، لقد بدأتْ قصةُ التوحيدِ والوحدةِ باللقاءِ المباركِ بين الإمامِ المجددِ محمدِ بنِ عبدِالوهابِ، والإمامِ مُحمدِ ابنِ سعودٍ –رحمهما الله تعالى-
وطنٌ سار على صحرائهِ أحمدُ الهادي وجبريلُ الأمينْ
مهبطُ الوحي وقبْرُ المعتدي قبلةُ الدنيا ودارُ الفاتحينْ
الرسالةُ الثانية
للعلماءِ والدعاة
أيها العلماءُ والدعاة: إننا بحاجةٍ إلى الربانيةِ والعالميةِ، فالربانيةُ تدعُوْنا إلى الإخلاصِ والصدقِ مع اللهِ والعملِ بالعلم؛ لنكونَ رسلَ محبةٍ وسلامٍ ورفقٍ ورحمةٍ وهداية، والعالميةُ تقتضي منا فَتحَ أسماعِنا وأبصارِنا وعقولِنا على كلِّ العالمِ أجمع، وتوسيعَ آفاقِنا لنُسمعَ غيرَنا ونسمعَ منه، ونعلم أننا لسنا وحدَنا في هذا الكونِ بل معنا أممٌ وحضاراتٌ ومشاربُ ومذاهبُ، فلابدَّ من إعطاءِ حقوقٍ وإدراكِ مكاسبَ، وقيامٍ بواجب، ففي دينُنا الانفتاحُ على الآخر قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله، لابدُّ أن نُسْمِعَ العالمَ حجتَنا بلطف، ونعرضَ عليهم البرهانَ والإقناع، ولابدَّ أن نعطيَ العالمَ فرصةً ليُسْمعُونا ما عندَّهم، وماذا يريدون منا؟ لقد جلسَ صلى الله عليه وسلم مع أهلِ الكتابِ وحاورَهم وكاتبَ ملوكَ الأرضِ وبعث برسائلهِ إلى حكامِ المعمورةِ يدعوُهم بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، أيها العلماءُ والدعاة: لا يجوز أن نصرفَ أعمارَنا في جزيئاتٍ على حسابِ كليات، ولا فروعَ على حسابِ أصول، ولا يحقُ لنا أن يتشاغلَ بعضُنا ببعضٍ وكأنَّ الدنيا خُلقتْ لنا فحسب، لقد أكثرنَا من الردِّ على أنفسنِا والاشتغالِ بذواتِنا فهلْ آن لنا أن نقدمَ إسلامَنا بريئاً من خلافاتِنا، سليماً من أمراضِنا، معافىً من أزماتِنا ومشكلاتِنا ؟ لقد قَصَّرنَا في دعوةِ غيرِنَا إلى دينِنَا الصَّحيح، دينُ العدلِ والحقِ والسلامِ، فقامَ نفرٌ منا يقدمون للعالم إسلاماً معاقاً مشوَّهاً عن طريقِ فوهةِ، البُندقيةِ، وأزيزِ الرصاصِ في عملٍ غيرِ مشروعٍ ومشروعٍ غيرِ ناجح، فوضعَ الإسلامَ كلَّه في قفصِ الاتهامِ بسبب أعمالٍ رعناءَ وتصرفاتٍ حمقاءَ في غيابِ العلماءِ وتصدرِ السفهاء:
وإن تصدرَ الوضعاءُ يـوماً على الرفعاءِ من أدهى الرزايا
إذا استوتْ الأسافلُ والأعالي فقــدْ طابت منادمةُ المنايـا
أدعُ العلماءَ والدعاةَ إلى فتحِ بابِ الاجتهادِ في مسائلِ الخلافِ في الفروعِ مع المحافظةِ على الثوابت، وأن نواكبَ المتغيرات، لقد أقمنَا أمامَ جزئيةٍ وفرعٍ من فروعِ الشريعةِ حائرين، وهي مسألةُ رمي الجمارِ قبلَ الزوالِ، ونحن نرى الأنفسَ تزهقُ، والدماءُ تسيلُ بسبب الزحامِ، ومع ذلك لما نخرجْ بفتوى واضحةٍ وصريحةٍ مع العلم أن كثيراً من الأئمة والعلماء السابقين والمعاصرين أفتوا بالجواز، ولهم حججٌ وأدلة صحيحة صريحة، ولكن قصدي إذا لم نبادرْ بالإجابةِ على متطلباتِ العصرِ، ونوازنُ المصالحَ والمفاسدَ وننظرَ إلى مقاصدِ الدينِ فسوف ينوبُ عنا غيرُنا.
الرسالةُ الثالثة
للإعلام
لرجالِ الإعلامِ وحملةِ الأقلامِ الأمناءِ على الكلمةِ، والأوصياءِ على الحرفِ، إن العالمَ الآن يُخاطبُ بالشاشةِ العابرةِ للقارات؛ لتكون أقوى من الصواريخِ وأكثرَ أثراً من الدبابات، يقولُ أحدُ أساطينِ السلطةِ الرابعة: أصبحَ العالمُ الآن يحتلُ بالشاشةِ والصحيفةِ لا بالقنبلةِ والقذيفة، ونقلَ الطنطاوي عن أستالين أنه قال: أعطوني شاشةً أُغير بها وجه العالم!! إنَّ من يخطُّ سطراً في صحيفة، أو جملةً في مجلة، أو يقولُ كلمةً في إذاعة، أو يطلقُ عبارةً في شاشةٍ إنما يسهم في الإصلاحِ، أو يشاركُ في الإفساد ستُكتب شهادتهم ويسألون إننا بحاجةٍ إلى صحوةِ ضميرٍ أمامَ رسالةِ الإعلام، وهل خُرقت السفينةُ إلا بتعبئةٍ فكريةٍ سواءٌ في الإفراطِ والتفريط، فالتحللُ من الدين، والتنصلُ من القيمِ، والكفرُ باللهِ، ومحاربةُ شرعه، نتاجٌ أوليٌّ لإقناعٍ ذهنيٍ وغسلٍ للمخِ عن طريق مؤثراتٍ دعائيةٍ ومنابرَ إعلامية، والتطرفُ والإرهابُ وتهديدُ الأمنِ وسفكُ الدمِ المحرمِ وقتلُ النفسِ المعصومةِ أصلُه ثقافةٌ عوجاءُ مريضةٌ مشوهةٌ خارجةٌ عن الدينِ الصحيحِ، ويبقى للإعلامِ الراشدِ الهادفِ مسؤوليةُ البناءِ والترشيدِ والتربية.
والصحيحُ أن رسالتَنا الإعلاميةَ عالميةً ربانيةً تتبنى الوسطيةَ وتنقلُ الرحمةَ والعدلَ والسلامَ إلى العالم، فليس عندَنا وقتٌ لتضييعِ وقتِ الأمةِ بالإغواءِ والإغراءِ والتنكرِ للقيمِ وإهمالِ الفضيلة، ولا يجوز لنا تقديمُ خطابٍ متشددٍ متشنجٍ متطرفٍ بل خطابِ عقلٍ يَسْنُدُه النقلُ ورسالةَ محبةٍ توافقُ الفطرة .
الرسالةُ الرابعة
لأهلِ الغلو
أُرسلُها لمن غَلا في الدينِ، وتطرَّفَ في فكرهِ وخرجَ على إجماعِ الأمةِ وروحِ الشريعة، أُطالبُه فيها بالتوبةِ إلى الله، والعودةِ إلى جماعةِ المسلمين، وإلى صحوةِ الضمير، فقد آن لمن ركبَ موجةَ التكفيرِ والتفجيرِ أن يتقيَ ربَّهُ في دماءِ الأمةِ وأموالِها وأعراضِها وأمنِها واستقرارِها، وليعلمَ أن الأمةَ بأسرِها ضدَّهُ وأنّه الوحيد مع نفر قليل هم نشاز ونكره في أمة الإسلام، وهل يظن من هذا فعله أن الله لن يسأله عن الأرواح التي أُزهِقَتْ، والدماءِ التي سُفِكت، والأموالِ التي ذهبت، والأسرِ التي تهدمَتْ بسببِ أفعالِه ومَنْ هو على شاكلتِه، أخبرنا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّ الله عذَّبَ امرأةً حسبتْ هرةً في البيتِ حتى ماتتْ الهرةُ، بأن أدخلَ اللهَ المرأةَ نارَ جهنم، فكيفَ بمن قتلَ مسلماً أو مَعاهداً أو بريئاً من الأطفالِ والشيوخِ والنساءِ؟! لقد حاورَنا هؤلاءِ في السجونِ فكانت -والله- حججُهم واهيةٌ، أوهى من بيتِ العنكبوت، ما لبثتْ أن تهاوتْ وسقطتْ أمامَ الحقائقِ والأدلةِ الشرعيةِ، وقد عادَ أكثرُهُم نادماً وتائباً؛ لأنه أدركَ أنه عصى ربَّه، وخالفَ دينَه، وعقَّ أمَّتَه، وأدخلَ الضررَ على مجتمعِه، وأشمتَ بنا الأعداء، إن طريقَ التكفيرِ والغلوِ والإفسادِ في الأرضِ مشروعٌ فاشل، وخطةٌ مشؤومةٌ، وطريقةٌ عابثةٌ لا تبنِي حضارةً، ولا تخدمُ رسالةً، ولا تسعدُ أمةً، ولا تحققُ هدفاً إلا الدمارَ والخوفَ والشقاءَ والهدمَ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد لقد قُلنا لهؤلاءِ لقد ارتكبتُم أخطاءَ عظيمةً، وأغلاطَ جسيمةً من أعظمِها الإضرارُ بالدينِ الصحيحِ وتشويهِه وتنفيرِ الناسِ منه، ثم السعيُ في الأرضِ بالفسادِ من قتلٍ ونهبٍ وسلبٍ وتخويفٍ وتدمير، ثم مخالفةُ جماعةِ المؤمنين وجمهورِ المسلمين وشقاقِ علماءِ الأمةِ وأئمةِ الملة، فهل لمن حملَ هذا الفكرَ أن يتوبَ ويؤوبَ ويعودَ إلى مجتمعِ السلمِ والإسلامِ ليشاركَ في النفعِ؛ ويسهم في الخيرِ، ويكون لبنةً صالحةً في بناءِ الإسلامِ العظيم؟
الرسالةُ الخامسة
لمن يقدحُ في الثوابت
لمن يسعى في زعزعةِ ثوابتِ الأمةِ، وهو يحملُ روحَ الانهزامِ، وقدَ أمعنَ في جلدِ الذاتِ متنكراً لما لهذه الأمةِ الخاتمةِ الوسطِ الشاهدةِ من رسالةٍ ربانيةٍ عالميةٍ، وما كانَ لها من مجدٍ عظيمٍ وحضارةٍ إنسانيةٍ شهدَ بسموِّهَا القاصي والداني، فأتى هذا بنفسٍ ضعيفةٍ وضميرٍ خاوٍ وقد انبهرَ بحضارةِ الغربِ مع إفلاسِه من المعرفةِ الحقةِ بالإسلام، أتى ليقولَ لنا: ليس لنا تاريخٌ، وما عندنا رسالةٌ، وما قدمنَا للعالم إلا الإرهابَ والدمار، وهذا –والله- ظلمٌ للحقيقةِ، وجنايةٌ على الأمةِ، بل لو أنصتَ لشهاداتِ غيرِ المسلمين التي أدلَوا بها في حقِ الإسلامِ، وحضارةِ المسلمين وماضيهم المشرق لكفاه ذلك، فيالله! رسالةٌ طبقت الخافقين، ودخلتْ القاراتِ السِّت، وأشرقتْ بنورِها الدنيا، ورحَّبَ بها الكونُ، واحتضنتْها المعمورُة يتنكرُ لها بعضُ أبنائها جُوراً وعقوقاً، يقولُ المؤرخُ الفرنسيُ جوستاف لوبون: ما عرفَ العالمُ فاتحاً أرحمَ ولا أعدلَ من العربِ، لقد كنَّا في مرحلةٍ طويلةٍ مباركةٍ من مراحلِ التاريخِ شموساً، في سماءِ الحضارةِ ومشاعلِ للخير، في ليلِ البشريةِ الحالك، أقمنا دولاً في الشرقِ والغربِ بالسلامِ والعدلِ والإيمانِ والرحمةِ كما قال شوقي:
كانوا مُلوكاً سَريرُ الشَرقِ تَحتَهُمُ فَهَل سَأَلتَ سَريرَ الغَربِ ما كانوا
عالينَ كَالشَمسِ في أَطرافِ دَولَتِهم في كُلِّ ناحِيَةٍ مُلكٌ وَسُلطانُ
لقد كنا فجراً جديداً أطلَّ على العالمِ بنوره بعد ظلامٍ دامسٍ طويلٍ من الشركِ والخرافةِ والجهلِ والتخلفِ كما قال إقبال:
والدهرُ مشتاقٌ وأمةُ أحمدَ يتهيأُ التأريخُ لاستقبالها
لماذا هذا الانهزامُ والإحباطُ والفشلُ والإخفاقُ، أين العزةُ والفخرُ بالملةِ والتراثِ والتاريخِ المشرقِ والمسيرةِ الخالدةِ؟ والله يقول: ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.
أين الروحُ العصاميةُ والنفسُ الوثّابةُ، والهمةُ العاليةُ؟ التي حملَها ربعيُ بن عامرٍ وهو يدخلُ بثيابه الممزقةِ الباليةِ على رستم قائدِ فارس، فيهزُّ كيانَه بتلك الكلماتِ الخالدةِ التي اهتزَ لها العالمَ حيثُ يقول: إن الله ابتعثنا لنخرجَ العبادَ من عبادةِ العبادِ إلى عبادةِ ربِ العبادِ، ومن ضيقِ الدنيا إلى سعةِ الآخرةِ، ومن جورِ الأديانِ إلى عدلِ الإسلامِ.
يومٌ من الدهرِ لم تَصنـعْ أشعتَـه شمسُ الضحى بل صنعناه بأيدينا
هل أشرقَ المجدُ إلا من طلائعنا وهل بدا النجمُ إلا من نواصينا