أوصت أم الخنساء ابنتها قبيل زواجها فقالت
* أي بنية ! إنك فارقت الحواء الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت إلى وكر
لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فأصبح بملكه إياك رقيباً ومليكاً، فكوني له أمة يكن لك عبداً وشيكاً.
* أي بنية ! احفظي له عشر خصال يكن لك ذخراً وذكراً.
* فأما الأولى والثانية: الصحبة له بالقناعة، والمعاشرة بحسن السمع والطاعة.
* وأما الثالثة والرابعة: التعهد لموقع عينيه، والتفقد لموضع أنفه، فلا تقع عيناه منك على
قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب الريح.
* وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه، والهدوء عند منامه. فإن حرارة الجوع
ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة.
* أما السابعة والثامنة: فالاحتفاظ بماله، والإرعاء على حشمه وعياله، لأن الاحتفاظ بالمال
من حسن الخلال، ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال.
* أما التاسعة والعاشرة: فلا تفشي له سراً، ولا تعصي له أمراً، فإنك إن أفشيت سره لم
تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره.
* ثم اتقي- مع ذلك- الفرح بين يديه إذا كان ترحاً، والاكتئاب عنده إن كان فرحاً، فإن
الخصلة الأولى من التقصير، والثانية من التذكير.
* وكوني أشد ما تكونين له إعظاماً يكن أشد ما يكون لك إكراماً.
* وكوني أكثر ما تكونين له موافقة، يكن أطول ما يكون لك مرافقة.
* واعلمي أنك لا تصلين إلى ما تحبين حتى تؤثري رضاه على رضاك، وهواه على هواك فيما أحببت وكرهت