الفأرةُ أمُّ خرابٍ وحِبالُ صحافتِنا البالية!
لمْ أستغربْ – كما غيري- هذه الحميَّةَ الممقوتةَ للفئرانِ مِنْ بعضِ مَنْ بُلينا باستكتابِهم أوْ استنطاقِهم عبرَ الصحفِ والمواقعِ والقنوات؛ مادامَ هذا الدِّفاعُ المخزي يقودُ إلى الاعتداءِ على دينِ اللهِ ونصوصِ الوحيينِ الشريفينِ إضافةً إلى تشويهِ صورةِ علماءِ المسلمينَ الأجلاَّء. ولقدْ أحسنَ العالمُ المرَّبي الشيخُ محمدُ المنجد– حفظه الله- في بيانِ رأيهِ الذي قالهُ عَرضَاً في أثناءِ حديثهِ عنْ أثرِ الصورِ الكرتونيةِ على نفوسِ الأطفالِ وإسهامِها في تقريبِ حيواناتٍ مستقذرةٍ شرعاً وعرفاً لقلوبِ الأطفالِ البريئةِ الغضَّةِ خاصَّةً أنَّ بعضَ هذهِ الحيواناتِ تُقتلُ في الحلِّ والحرمِ كالفأرِ الذي زمجرَ له البعضُ متناسينَ كلَّ همومِ النَّاسِ لأجلِ ذيلِ الفأر.
لكنَّ الغريبَ هو استهانةُ هؤلاءِ الإعلاميينَ بوعي النَّاسِ وعقولِهم؛ فالدُّميةُ لا حياةَ فيها كي تُقتل، كما أنَّ وسائلَ المعرفةِ والحصولَ على المعلومةِ ليستْ محصورةً كالسابقِ في صحفٍ مؤدلجةٍ فقط، فالبرنامجُ المرئيُ محفوظٌ لدى القناةِ التي عرضته؛ وللشيخِ المنجدِ مواقعٌ إلكترونيةٌ معروفةٌ والتواصلُ معه عبرَ مواقعهِ لا يكلِّفُ أكثرَ منْ ضغطةِ زرٍ مرَّةً أوْ مرتين، ولازالَ في النَّاسِ بقيةٌ منْ إيمانٍ يعرفون به مَنْ يسألون؟ وعمَّنْ يتجافون؟ فواللهِ إنَّ الضياعَ الذي لا عزاءَ معه أنْ يأخذَ الواحدُ أمرَ دينهِ وكثيراً منْ شأنِ دنياه عنْ مثلِ هذهِ الوسائلِ ذواتِ المصالحِ الفاسدةِ والأولوياتِ الحزبية.
وحيثُ جاءَ هذا الهجومُ الإعلاميُ في سياقِ الاعتداءاتِ الإعلاميةِ المتتاليةِ على عددٍ منْ المشايخِ والأئمَّةِ داخلَ المملكةِ وخارجَها؛ فإنَّنا نوردُ علاماتِ تعجبٍ واستفهامٍ حولَ التتابعِ المريبِ لهذا الإفكِ المفترى! أوَ يريدُ بعضُ المأبونينَ عرضَ الفتاوى على عقولِهم قبلَ نشرها؟ أمْ يرغبُ جماعةٌ منْ المأفونينَ تكييفَ الفتاوى لتلائمَ أمزجتَهم وأهوائَهم قبلَ إشهارِها؟ ولا ندري بعدَ ذلكَ ما قيمةُ العلماءِ عندَهم وما أحقِّيةُ اللجانِ والمجامعِ والمجالسِ المؤلَّفةِ لهذا الغرضِ فضلاً عنْ مكانةِ الآمرينَ بها؟ وأيُّ وطنيةٍ لهؤلاءِ النبَّاشينَ حين يُصوبونَ نبالَهم تجاهَ علماءِ البلدِ الحرامِ ويستعدونَ الآخرَ عليه؟ وأينَ غابَ ولاءُ القومِ لمَّا حسدوا بلادَنا وولاةَ أمرِنا على وجودِ علماءَ ومشايخَ يسمعُ بهم القاصي والدَّاني وينتظرُ فُتياهم الكثيرُ منْ المسلمينَ فأرادوا إسقاطَ هيبةِ العلمِ وأهلِه وحرمانَ البلادِ منْ واحدةٍ منْ أجلِّ مفاخرِها؟
وأينَ وزارةُ الثقافةِ والإعلامِ عنْ مروجي الغُثاء؟ أينَ هيَ عمَّنْ خطَّ بقلمهِ ما يسوءُ كثيراً منْ رجالاتِ البلدِ الأحياءِ والأموات؟ وأيُّ مزيةٍ في بقاءِ بعضِ رؤساءِ التحريرِ الذينَ قضوا سِنيَّاً طوالاً في رئاسةِ تحريرِ بعضِ الصحفِ ثمَّ لمْ يقفوا في وجهِ المقالاتِ التي تعتمدُ على الكذبِ والتحريف؟ ألا يوجدُ غيرُهم ممَّنْ حازَ التخصصَ والمهنيةَ إضافةً إلى شيءٍ منْ العقلِ والحياءِ والإيمان؟ وأينَ هيئةُ الصحفيينَ عنْ حِبالِ صحافتنِا الباليةِ التي توشكُ على الانقطاعِ بسببِ التحيزِ والتحزُّبِ وغيابِ المهنيةِ أوْ بفضلِ أمِّ خرابٍ -كنيةِ الفأرة- التي يدافعونَ عنها ؟ فاللهمَ نبرأُ إليكَ منْ صنيعِ هؤلاءِ الذي يسوءُ عسى أنْ لا تبوءَ البلادُ بإثمهِ فيحورَ على مجترحيهِ فقطْ إنْ لمْ يتوبوا.
وقدْ كانَ منْ غيابِ المهنيةِ والأدبِ ما كتبهُ كاتبٌ في صحيفةِ الجزيرةِ ملمحاً إلى الأصولِ السوريةِ للشيخ؛ فإنْ كانَ يقصدُ لمزَ البلدِ فلسوريةَ تاريخٌ ورجالاتٌ أكبرُ منْ أنْ ينتقصَها قلم؛ وإنْ كانَ يظنُّ أنَّهُ يجرحُ الشيخَ فلعمرُ اللهِ إنَّ الشيخَ المنجدَ لمفخرةٌ لأيِ بلدٍ يحلُّ بها لعلمهِ وجهدهِ وفضلهِ ودعوتهِ وتقديمهِ صورةً رائعةً عنْ علمائهِ ودعاته، وكمْ في بلادِنا الغاليةِ منْ عالمٍ وثريٍ ووجيهٍ ووزيرٍ ترجعُ أصولُه لبلادٍ أخرى؛ بلْ وفي بعضِ المنحرفينَ من كتَّابنا مَنْ ينتمي لبلادٍ أبعدَ منْ سورية، وكذلكَ في كثيرٍ منْ النِّساءِ اللاتي يُبرزنَ إعلامياً على أنَّهنَ سعودياتٌ وأكثرُنا يبرأُ منْ مخالفاتهن؛ ولسنا ندَّعي العصمةَ أوْ الطهرَ الكاملَ بيدَ انَّهُ حديثٌ جرَّ حديثا.
ولا نتعجبُ منْ حميةِ اليهودِ لفأرِهم واجتزاءِ مقاطعَ منْ حديثِ الشيخِ المنجدِ ونشرِها لأغراضٍ سيئة؛ فقدْ صحَ عندَ الشيخينِ مرفوعاً- واللفظُ لمسلم-: " فُقدتْ أمَّةٌ منْ بني إسرائيل، ولا يُدرى ما فعلتْ، ولا أراها إلاَّ الفأر؛ ألا ترونها إذا وُضعَ لها ألبانُ الإبلِ لمْ تشربه، وإذا وُضعَ لها ألبانُ الشَّاء شربته"، ولكنَّنا نستنكرُ هبَّةَ العربِ الخُلَّصِ وغضبةَ بعضِ المنتسبينَ للإسلامِ وكأنَّ الفأرَ رمزٌ حضاريٌ أوْ حيوانٌ لطيفٌ نظيف، وأخشى ما أخشاهُ أنْ يكونَ الهجومُ على النَّصِ الشرعي لا على فتوى الشيخِ الذي عفا عمَّنْ قصده بشخصهِ دونَ مَنْ أرادَ الانتقاصَ منْ الحكمِ الشرعي. ومِنْ طريفِ ما قرأتُ عنْ الفأرِ ما قيلَ أنَّ رأسِ الفأرِ يُشدُّ في خرقةٍ ويُعلَّقُ على رأسِ صاحبِ الصُّداعِ الشديدِ فيزولَ صداعُه وينفعُ أيضاً منْ الصرع؛ فليتَ من صرعتهُ الفتوى أوْ أصابتهُ بالصُّداعِ أنْ يجرِّبَ هذه الطريقةَ عسى أنْ يرتاحَ منْ الخبالاتِ ما تقطعَ منها وما استمر.
الكاتب : أحمد بن عبد المحسن العسّاف-الرياض
السبت 27 من شهرِ رمضانَ الأغرِّ عام 1429
صيد الفوائد