دارفور ... أبناء المسلمين للنخاسة أو للتنصير
شغلت أروقة الإعلام الغربية في الأيام الأخيرة بقضية الكشف عن تورط فرنسيين وأوروبيين في خطف أطفال دارفور وعرضهم للبيع في أوروبا، وكان الأولى أن تتصدر تلك القضية اهتمامات العالم العربي والمسلم، فإن كانت الدول العربية عجزت عن حماية الأراضي المسلمة من السرقة والاختطاف فلا أقل من حماية أبنائهم من الاختطاف وسوق النخاسة والتنصير.
إن هذه الجريمة لا يمكن أن ندعها تمر هكذا دون وقفة جادة وحازمة؛ فإن سرقة البشر أخطر من سرقة الأرض، إن تلك الجريمة سبقتها خطوات وخطط، فهي لم تقع في يوم وليلة، ولكن سبقها تآمر وتخطيط في غفلة من المسلمين الذين باتوا غافلين عن أمور كثيرة.
بين يدي الحدث.. لمن يعتبر:
قضية 'أبناء دارفور' المختطفين تكشف النظرة الغربية المستعلية على المسلمين، فهؤلاء المجرمون المتورطون في اختطاف أبناء المسلمين لم يجدوا في جرمهم غضاضة؛ حيث أجابوا 'أنهم يحاولون إنقاذ أرواح هؤلاء الأطفال؛ حيث يعملون على ترحيلهم إلى فرنسا ليعيشوا وسط أُسر مقتدرة تعاملهم بكل لطف وحنان'، حسب قولهم.
هذه الإجابة المستعلية المتكبرة تدفعنا لسؤال أبناء قومنا ممن لم يملوا من مد أيديهم بالحوار والتحاور مع الغرب، وأبدوا استعدادهم للتنازل عن ثوابت الأمة مقابل 'فضيلة' الحوار، متى ينتبه قومنا أن الحوار مع الداخل المسلم أجدى مئات المرات من الحوار مع هؤلاء الذين ينظرون إلينا نظرة مستعلية متكبرة.
القصة من البداية:
لعبت المنظمات الغربية دورًا بارزًا في إثارة واستغلال الاضطرابات والحروب الأهلية في السودان، منذ اندلاع أول تمرد عسكري في جنوب السودان عام 1955م، مروراً بكل دورات الحرب الأهلية في الجنوب 1962م ـ 1983م، مروراً بما حدث في جبال النوبة، انتهاء بما يجري في دارفور الآن.ويرجع السبب في التركيز الغربي على السودان هو أن السودان كانت معبرًا هامًا لعبور الإسلام إلى أفريقيا، وظل هدف تحجيم معابر الثقافة الإسلامية في القارة الأفريقية هو الهدف الأسمى والأكبر للكنيسة العالمية.
أما بالنسبة لدارفور فهي إقليم إسلامي خالص لا وجود للنصرانية فيه، بخلاف الوضع في جنوب السودان، ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية في الإقليم، والتي تم استغلالها ببراعة من قِبل القوى العالمية، وأُعلنت كأكبر كارثة إنسانية في العالم، تدافعت المنظمات الغربية التنصيرية بكثافة إلى دارفور تحت شعار الإغاثة والعمل الإنساني.
وفي حقيقة الأمر فإن تلك المنظمات التنصيرية الغربية لعبت دورًا في تأجيج الأزمة في دارفور، فمنذ أكثر من ثلاث سنوات كشف وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان إسماعيل أن منظمات نرويجية تحديداً دفعت إلى تشويه صورة السودان وإلصاق تهمة التطهير به لأغراض خاصة بها.
وقال الوزير السوداني: إن منظمة العون الكنسي والعون الشعبي النرويجيتين التنصيريتين تورطتا في دعم متمردي دارفور، وتبنتا اتهام الحكومة بممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية.
تلك كانت البداية، ومنذ ذلك الحين والمنظمات الغربية تتدفق على دارفور بشكل كبير ساعدها في ذلك خوف الحكومة السودانية من الاتهامات الغربية الجاهزة ضد كل من يقف أمام تلك المنظمات الغربية، وحسب الإحصائيات الرسمية من ( مفوضية العون الإنساني السودانية للإغاثة)، فقد بلغت المنظمات الدولية الأجنبية العاملة في السودان أعدادًا مذهلة ومريبة، خاصة في دارفور التي بلغ عددها 105 منظمات في ولايات دارفور الثلاث, وبعدد إجمالي للأجانب يزيد عن 575 موظفًا, وسيارات بلغت 705 سيارات مزودة جميعها بأجهزة اتصال قصيرة وبعيدة المدى متطورة, كما أن لجميع سيارات المنظمات حق الحصانة على غرار حق سيارات الدبلوماسيين.
وهذا العدد و الحجم من الحضور لا يتناسب مع حجم أفراد مخيمات اللاجئين والمشردين في ولايات دارفور التي لا يتجاوز عدد أفرادها400000 نسمة.
وهذه المنظمات أغلبها من المنظمات الغربية، حيث لم يتجاوز وجود المنظمات الإسلامية غير السودانية نسبة 12.5%، على الرغم من أن المفترض أن تكون هي المعنية بالدرجة الأولى بقضية دارفور الإسلامية.
ومن المحزن أن هذه المنظمات جاءت قبل المنظمات الإسلامية بفترة من الزمن فكسبت الأرض والبشر، وحتى الآن هناك مناطق تحتكرها هذه المنظمات وتفرض سلطانها عليها، بل وتمنع غيرها من الدخول إلى بعض المناطق إلا بإذن منها، مستغلة جهل الناس بالقانون الدولي والاتفاقيات القطرية، وفي نفس الوقت غياب رقابة الجهات الحكومية المفوضة بهذا الشأن.
والعجيب أنه على الرغم من تلك الأعداد الكبيرة للمنظمات الأجنبية، إلا إن برنامج الغذاء العالمي أعلن العام الماضي أن أغلب المانحين لم يلتزموا بتعهداتهم تجاه دارفور؛ الأمر الذي يثير التساؤل عن حقيقة الأدوار المشبوهة التي تقوم بها تلك المنظمات.
الأدوار المشبوهة لمنظمات الإغاثة الغربية:
1- الإبقاء على حالة الاضطراب: من أهم الأدوار المشبوهة التي تقوم بها تلك المنظمات الغربية هو الإبقاء على حالة النزوح والاضطراب في الإقليم، فبينما تعتمد حكومة السودان وبجانبها المنظمات الإسلامية والوطنية برنامج العودة الطوعية للنازحين؛ حيث تقوم بتأهيل القرى من ناحية الخدمات واستتباب الأمن لتشجيع النازحين على العودة الطوعية، إلا إن المنظمات الغربية تنتهج نهجًا مخالفًا، حيث تركز خدماتها داخل معسكرات النازحين، بل وأحيانًا تقوم بعض المنظمات الأجنبية بافتعال واصطناع حالات نزوح غير حقيقية، حيث تشجع الناس وتدعوهم إلى النزوح إلى معسكرها.والإبقاء على حالة النزوح والاضطراب إنما هدفه الإبقاء على حالة الفوضى؛ من أجل تمرير بقية الأدوار المشبوهة التي تقوم بها تلك المنظمات، ومن أجل الإبقاء على الضغط الإعلامي على الحكومة السودانية، بالإضافة إلى الحفاظ على وجود تلك المنظمات في دارفور.
2- دعم المتمردين: تلعب المنظمات الغربية دورًا في دعم المتمردين سواء أكان ذلك إعلاميًا، أو ميدانيًا، وأحيانًا عسكريًا، وهذا الدور هو امتداد لدور المنظمات الغربية في تأجيج الأوضاع في جنوب السودان، فقبل توقف الحرب في جنوب السودان كانت المنظمات التنصيرية الكبرى تعمل على دعم المتمردين بالمال والسلاح، حيث تهبط طائراتها في وضح النهار في الأراضي السودانية بما تحمله من دعم للمتمردين، وفي أحداث دارفور ضبطت الحكومة أكثر من مرة أدلة مباشرة تشير إلى دعم هذه المنظمات والدول التي من ورائها لحركات التمرد من طائرات محملة بالسلاح وغيرها.
3- تغريب أبناء دارفور: كان من ثمار عمليات تشجيع النزوح الذي تنفذها المنظمات الغربية هو زيادة النازحين عن القرى، وخاصة إلى خارج الأراضي السودانية، وهناك تتولى المنظمات الغربية كل أمور النازحين من سكن وإعاشة وسفر، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إنه يمتد ليشمل برامج تعليمية وعزلاً ثقافيًا ولغويًا لأبناء النازحين؛ وهكذا يُفصل أبناء دارفور عن وطنهم ودينهم وتاريخهم، تمهيدًا للدور الأخطر وهو تنصيرهم.
4- تنصير أبناء المسلمين: الحقائق عن تورط المنظمات الغربية في هذا الأمر كثيرة؛ من ذلك ما كشفه الدبلوماسي السوداني 'خالد المبارك' عن محاولات جادة لنشر المسيحية في معسكرات النازحين بإقليم دارفور عبر استغلال أزمة الإقليم، تقوم بها جمعيات تعمل ضمن 'تحالف أنقذوا دارفور'.
وذكر المبارك أن جمعية 'سودان صنرايز' التنصيرية الأصولية نشرت في موقعها على الإنترنت أنها 'شرعت في نشاط تبشيري بين مسلمي دارفور'.
وأشار المبارك إلى أن 'التبشير المسيحي في دارفور حقيقي، وهو جزء من نشاط جمعيات مشاركة في 'تحالف أنقذوا دارفور'، الذي يقود الحملة العالمية ضد السودان، ويحتضن بعض حاملي السلاح إعلاميًا'.
ومن الوقائع الدالة على ذلك خبر مدينة 'كاس'، والتي تبعد حوالي 85 كيلومتراً شمال غرب مدينة نيال،ا حاضرة ولاية جنوب دارفور، والذي يبلغ تعداد سكانها قرابة 100.000 نسمة، يدينون كلهم بالإسلام وأغلب أهلها من حفظة القرآن الكريم، إلا إن اندلاع الحرب قد أثر على هذه المنطقة، وأدى إلى خلق أزمات عديدة، تتمثل في عملية النزوح وتوقف التعليم وتردي الخدمات؛ عندما سيطر التمرد على أجزاء واسعة من المنطقة، وتعمل بها العديد من المنظمات الأجنبية.
ويقول العمدة محمد موسى خميس: إن هذه المنظمات قد أثرت على المواطنين والنازحين الذين أصبحوا يرحبون بالأجنبي، وأن الأطفال أصبحوا يقلدون سلوك موظفي المنظمات الأجنبية، مضيفًا أنهم لا يستبعدون وجود حالات تنصير في المنطقة، وقال: إن الوضع الذي يعيشه النازحون بالمعسكرات صعب للغاية؛ مما يجعلهم عرضة للتنصير ومخاطر الكنيسة.
وهكذا يتكشف لنا حقيقة الدور الآثم الذي تلعبه منظمات الإغاثة المشبوهة.
الإليزيه.. هل هو بريء؟:
حاولت الحكومة الفرنسية التبرؤ من اختطاف أبناء دارفور، على الرغم من أن المتورّط في ذلك هي منظمة 'أرش زو' الفرنسية والتي كانت تنقل هؤلاء الأطفال وتسلمهم إلى أسر فرنسية؛ الأمر الذي يستبعد جهل الحكومة الفرنسية بذلك.
كما أن مصدر أمني تشادي أكد أن مجموعة المتهمين أعلنوا أن عمليتهم هذه تباركها زوجة الرئيس المطلّقة 'سيليسيا' بجانب دعم الرئيس ساركوزي نفسه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن صحيفة 'لوموند' الفرنسية تكشف أن وزيرة الدولة بالخارجية قد خاطبت منظمة 'ارش زو'، قبل ثلاثة أشهر، بأن تعمل المنظمة قصارى جهدها؛ لأجل دعم ومساندة المنظمات الناشطة في مجال العمل الإنساني, وأنها طلبت من الأُسر الفرنسية بأن تطالب بتبني الأطفال المشردين بمخيمات إقليم دارفور.
وهكذا تتضح لنا أبعاد الجريمة كاملة، ويبدو أن فرنسا أرادت تكرار قصة 'سنجور' مرة أخرى ولكن في دارفور