من يريد أن ينظر الله اليه يوم القيامة ويزكيه ويكلمه ولا يعذبه عذابا شديدا
فلا يسبل ازاره
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين. أما بعد:
فمن الواجب على كل مسلم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وطاعته بامتثال أمره واجتناب نهيه وتصديق خبره.. وبذلك يحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. ويستحق الثواب ويسلم من العقاب، وعلامة ذلك ودليله التزامه بتعاليم الإسلام أمراً ونهياً وتطبيقاً، قولاً واعتقاداً وعملاً، وأن يقول أمام كل أمر ونهي { سمعنا وأطعنا } كما قال المؤمنون قبلنا، ومن ذلك تقصير الملابس فوق الكعبين في حق الرجل طاعة لله ورسوله.. ورجاء الثواب والخوف من العقاب.
وقد لوحظ على كثير من الناس- هداهم الله- إسبال الملابس أسفل من الكعبين وجرّها، وفي ذلك خطر عظيم عليهم؛ لأن فيه مخالفة لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. والإسبال يُعتبر من كبائر الذنوب.
اعلم أخي المسلم: بارك الله فيك أنه لا يحق لأي إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يُعرض عن أي أمر أُمر به أو نهيٍ نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن يتبين له ويثبت لديه، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد ذمّ وحذّر أُناساً لا يُبادرون إلى العمل بالحديث إذا بلغهم، فقال صلى الله عليه وسلم: « ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه وإن ما حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما حرم الله » [صحيح أبي داود]. وممّ ابتُلي به بعض الناس الإسبال حتى أصبح ظاهرة منشرة والله المستعان!.
تعريف الإسبال لغة: في اللغة أسبل إزاره: أي أرخاه، يقال: أسبلَ فلان ثيابه، إذا طوّلها وأرسلها إلى الأرض.
وفي الاصطلاح: المسبل إزاره: المرخي له الجار طرفه، وهو أيضاً: إرخاء اللباس وإرساله بحيث يتجاوز الحد المقرر في النصوص الشرعية ولا يتقيد بالخيلاء.
حد اللباس الواجب والمستحب
عن ابن عمر رضي الله عنه قال: مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال: « يا عبد الله ارفع إزارك » ، فرفعته، ثم قال: « زد » فما زلت أتحراها بعد فقال بعض القوم: إلى أين: فقال: « أنصاف الساقين » [رواه مسلم].
عن حذيفة رضي الله عنه قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعضلة ساقي، فقال: « هذا موضع الإزار، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين » [صحيح الترمذي].
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الإزار إلى نصف الساق » فلما رأى شدّة ذلك على المسلمين؛ قال: « إلى الكعبين لا خير فيما أسفل من ذلك » [رواه الإمام أحمد 3/ 140].
قال صلى الله عليه وسلم: « إزار المسلم إلى نصف الساق » [صحيح أبي داود].
قال صلى الله عليه وسلم: « إزرةُ المؤمن إلى عضلة ساقه، ثم إلى الكعبين، فما كان أسفلَ من ذلك ففي النار » [رواه الإمام أحمد 2/ 255].
قال الحافظ: والحاصل أن للرجل حالين: حال استحباب وهو أن يقتصر بالإزار على نصف الساق، وحال الجواز هو إلى الكعبين [فتح الباري: 10/ 220].
أحاديث في ذم الإسبال
قال صلى الله عليه وسلم: « إن الله عزّ وجلّ لا ينظر إلى مسبل الإزار » [صحيح النسائي].
قال صلى الله عليه وسلم: « ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار » [رواه البخاري].
عن الشريد رضي الله عنه قال: أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يجر إزاره فأسرع إليه أو هرول فقال: « ارفع إزارك واتق الله » قال: إني أحنف تصطك ركبتاي. فقال: « ارفع إزارك كل خلق الله حسن » فما رؤي ذلك الرجل بعد إلا إزاره يصيب أنصاف ساقيه. ["صحيح" رواه الإمام أحمد: 4/ 390].
قال صلى الله عليه وسلم: « المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام » [صحيح أبو داود]. أي لا يؤمن بحلال الله وحرامه، وليس من دين الله في شيء.
قال صلى الله عليه وسلم: « ما تحت الكعبين من الإزار في النار » [صحيح أبي داود].
قال صلى الله عليه وسلم: « ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان والمُنَفِّقُ سلعته بالحلف الكذب » [رواه مسلم].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: « من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة » فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، وفي رواية: إزاري من أحد شقيه، وفي رواية: إن أحد جانبي إزاري، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إنك لست ممن يفعله خيلاء » وفي رواية « لست منهم » وفي رواية: « إنك لست تصنع ذلك خيلاء » [رواه البخاري والزيادة لأهل السنن].
أقوال العلماء في حكم الإسبال
لم ينقل عن أحد من الصحابة أنه كان يسبل ثوبه أسفل الكعبين، بل كانوا ينهونَ عن ذلك أشد النهي ويعتبرونها من كبائر الذنوب ومن الخيلاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: « إياك والإسبال فإنه من المخيلة » [صحيح أبي داود] فجعل صلى الله عليه وسلم الإسبال كله من المخيلة لأنه من لم يسبل للخيلاء فعمله وسيلة لذلك.
قال أبو بكر بن العربي: لا يجوز للرجل أن يتجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجرُّه خيلاء، لأن النهي قد تناوله لفظاً ولا يجوز لمن تناوله اللفظ حكماً أن يقول لا أمتثله لأن العلة ليست في، فإنها دعوى غير مسلمة، بل إطالته ذيله دالة على تكبره [فتح الباري 10/ 275]
وساق الإمام البخاري في صحيحه باباً بعنوان: (من جر إزاره من غير الخيلاء) وباباً: (من جر ثوبه من الخيلاء) ثم ساق عنوناً آخر: (باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار) وساق أحاديث الوعيد بالنار وأقر تحريم ما كان أسفل الكعبين.
وأمر احتجاج البعض بحديث أبي بكر في حمل الإسبال من غير الخيلاء على الكراهة، فبعيدٌ جداً، لأن أبا بكر لم يتعمد الإسبال ولم يسأل عن ذلك، وإنما سأل عن الإسبال رغماً عن دون علم، لأن أبا بكر كان حريصاً على إصلاحه إلا أن الإزار يسترخي بنفسه، وذلك لنحافة جسمه رضي الله عنه، وهذا حال من يتعاهد ملابسه إذا استرخت حتى يرفعها لا يعد ممن يجر ثيابه خيلاء لكونه لم يسبلها، وإنما قد تسترخي عليه فيرفعها ويتعاهدها، ولا شك أن هذا معذور، لأن أصل ثيابه قصيرٌ غير مسبل، أما من يتعمد إرخاءها فهو داخل في الوعيد وليس معذوراً في إسباله.
أخوة الإسلام. أمرُ الإسبال جدُّ خطير يجب عدمك التهاون به كما لم يتهاون به الصحابة رضي الله عنهم، ولنا في قصة مقتل عمر رضي الله عنه درس عظيم، فالقصة كما رواها لنا البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون وهو حديث طويل والشاهد منه "جاء رجل شاب فقال: ..، فلما أدبر إذا إزاره يمسُّ الأرض، قال عمر: ردُّوا عليَّ الغلام، قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك".
الله أكبر.. وهو يغادر الدنيا لم يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لو كان في زماننا لقاولوا: الآن والأمة في خطر والأعداء متكالبة علينا! فنقول أين فقه عمر من فقه هؤلاء.. والله ما نرى هذه الاجتهادات إلا من مداخل الشيطان.. والله المستعان.
وأخيراً.. لا فرق بين الإسبال لخيلاء ولغير الخيلاء للأحاديث المتقدمة، وإنما إثم الخيلاء يكون أكبر من الذي يجره دون قصد الخيلاء، فعقوبة القصد للخيلاء أن لا ينظر الله إليه يوم القيامة ولا يكلمه ولا يزكيه وله عذابٌ أليم.. وأما إذا لم يقصد به الخيلاء فعقوبته أن يعذب في ما نزل من الكعبين بالنار.
ويحرم الإسبال للأمور التالية:
الوعيد بالنار لمن أسبل للخيلاء ولغير الخيلاء كما تقدم في الأحاديث.
الأمر برفع الثوب إلى نصف الساق أو فوق الكعبين.
أننا مأمورون بالإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وكان ثوبه إلى نصف ساقيه [صحيح، شمائل الترمذي].
أن إطالة الثوب مظنّة الخيلاء وذريعة إليها وتشبه بها، وقد جاءت الشريعة بسد ذرائع المحرمات.
أن الإسبال تشبه بالنساء.
أن الإسبال فيه إسراف.
أن المسبل لا يأمن تعلق النجاسة بثوبه.
الإسبال بحق النساء
قال صلى الله عليه وسلم: « من جر ثوبه خيلاء، لم ينظر الله إليه يوم القيامة ، فقالت أم سلمة: فكيف تصنع النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبراً ، فقالت: إذاً تنكشف أقدامهن، قال: فيرخين ذراعاً ولا يزدن عليه » [صحيح الترمذي].
قال الحافظ في الفتح: "ذلك لاحتياجهن إلى الإسبال من أجل ستر العورة لأن جميع قدمها عورة [10/ 259]. وفي هذه الأزمان انقلبت الموازين وانتكست الفطر فأصبح الرجل يسبل ثوبه، والمرأة ترفع ثوبها..!
عباد الله.. ما جاء من الوعيد العظيم في حق المسبل نرى بعض المسلمين لا يهتم بهذا الأمر فيترك ثوبه أو مشلحه أو سرواله (البنطلون) ينزل عن الكعبين وربما يلامس الأرض، وهذا منكر ظاهر ومُحرّم شنيع من كبائر الذنوب فيجب على من فعل ذلك أن يتقي الله ويتوب إليه، ويرفع ثوبه إلى الصفة المشروعة، حذرا من غضب الله وعقابه، فإن الله يتوب على من تاب، ويغفر لمن استغفر وهو التواب الرحيم.
وحريٌ بالمؤمن أن يقول: { سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير } .