السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كلمة حق في جامعة الملك عبد الله
أبو لـُجين إبراهيم
يفاخر الغرب بأن المرأة نصف المجتمع ويزيد الإسلام على ذلك أنها أنجبت في الوقت ذاته نصفه الآخر، ويحث إسلامنا منذ بزوغ فجره على التعلم والتعليم ومعرفة الحق والالتزام به ، كما حرص إسلامنا على تكوين العقلية العلمية التي تعتمد على الدليل والبرهان، وشن حرباً شعواء على الخرافات والأوهام والسحر والشعوذة والكهانة وغيرها مما يغتال ويضلل العقل البشري ، ويدعوا هذا الدين العظيم إلى النظر والتفكر والتأمل والاستنباط؛ ومن أجل ذلك فهو يطلب التحقق والتثبت، ويحارب الأمية، ويدعو لإشاعة العلم والمعرفة ويرغّب فيه، ويحضّ على تعلم كل العلوم النافعة، ويحثّ على استخدام كلّ ما يساعد على بلوغ الحقيقة من آليات وأدوات ومناهج تكنولوجية جديدة وهكذا نريد أن تكون جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية منبراً تعليماً وتربوياً يُشار إليها بالبنان .
أقول هذا قبل أن أبث همي وحزني إلى الله من واقع صدمة كان الحديث عنها بالأمس همساً، واليوم صار ضجيجاً في وسائل الإعلام في جميع دول العالم، الخبر طبل له كهنة "تحرير المرأة" وهم يلهثون من فرط سعادتهم، أما حراس الفضيلة فقد كتموا أنفاسهم وربما تبخرت دموعهم من هول الفاجعة، الجميع وقف يشاهد على القنوات السعودية مباشرة خادم الحرمين الشريفين يفتتح بحضور40 من ملوك ورؤساء الدول وعدد كبير من رؤساء الجامعات العالمية، أول جامعة مختلطة تحت عنوان "جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية".
الجامعة المختلطة رصد لها ميزانية قدرها 10 مليارات ريال ويسمح فيها للطالبات بمزاحمة الطلبة في مقاعد الدراسة والاختلاط بين أبنيتها المترامية الأطراف وقريبا قيادة السيارات داخل ما يسمى بـ"الحرم الجامعي"، بالإضافة إلى 10مليارات دولار أمريكي دفعة واحدة تم وقفها لتجربة الاختلاط في المملكة، والتي يراهن عليها البعض في تخريج جيل من العلماء وحدوث طفرة تكنولوجية بهذا الاختلاط في المنطقة، وأن تصبح الجامعة "المختلطة" أهم مركز للأبحاث والدراسات في العالم، وكأن العلم والتكنولوجيا والتقدم أساسه الاختلاط فحسب.
كانت المملكة العربية السعودية تختلف عن سواها من بقية دول العالم في تمسكها بفصل الجنسين في مراحل التعليم المختلفة، في الوقت الذي أصبح السواد الأعظم من المدارس في جميع أنحاء العالم مختلطا، وحرصت المملكة في سياستها التعليمية منذ بدايات التعليم النظامي فيها على منع الاختلاط بين البنين والبنات في جميع مراحل التعليم باستثناء دور الحضانة ورياض الأطفال، وافتتاح جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن آل سعود بالرياض من دلائل تطبيق هذه السياسة.
وبإطلالة تاريخية نجد أن منع الاختلاط في المملكة كان قيمة نفاخر بها العرب والعجم على حد سواء، وتدرج تعليم البنات في المملكة من مرحلة الصفر قبل ظهور النفط ، حيث كان هناك نوعان من المؤسسات التعليمية غير الرسمية عهد إليها تعليم البنات في المملكة:
1ـ الكتاتيب: وهي مؤسسات علمية بدائية ،تقوم فيها سيدة بفتح بيتها لاستقبال الطالبات، وتعليمهن القرآن الكريم، وبعض علوم الدين، ومبادئ القراءة والكتابة. وكان ذلك إما تطوعاً منها، أو مقابل أجر شهري، وقد انتشرت الكتاتيب في معظم مناطق المملكة، وخاصة في منطقة نجد والحجاز والمنطقة الشرقية.
2ـ المدارس الأهلية: وهذه المدارس كان معظمها كتاتيب تطورت نتيجة إقبال الأهالي عليها لتصبح مدارس شبه منظمة، وأخرى مدارس أهلية منظمة سارت وفق تنظيم مدارس البنين وتدرس مناهجها، وقد برز عدد كبير منها، وكان له دور كبير في تعليم الفتيات في ذلك الوقت.
وعند بداية الطفرة الاقتصادية وظهور النفط ، تولى المفتى آنذاك الإشراف بنفسه على تعليم البنات؛ لأنَّ الناس قد استنكروا الآثار الاجتماعية السيئة التي أحدثتها تجربة التعليم المختلط أو الفاقد لأسباب الحشمة في كثير من البلدان الأجنبية والعربية على حد سواء، مما اضطرت الدولة أن تجعله في نهاية المطاف تابعاً للمؤسسة الدينية، واستمر تدرج تعليم البنات حتى تم دمج تعليمهن مع تعليم البنين، وأصبحت وزارة التربية والتعليم منوطة بهما معاً.
ولابد أن نوضح أن التعليم المشترك بين الجنسين لم يجر تعميمه في الكثير من دول العالم إلا في سبعينيات القرن الميلادي السابق، أي خلال العقود الأربعة السابقة، تحت ضغوط مَنْ يحملون لواء ما يعرف بـ(تحرير المرأة)، ومن العجيب أن نعلم أن أكثرية المدارس الكاثوليكية وبعض المدارس البروتستانتية في الغرب لا تبيح الاختلاط بين الجنسين في التعليم؛ للأسباب ذاتها التي كان يراها أهل المملكة وللآثار الاجتماعية السيئة التي أحدثها التعليم المختلط، ولهذا السبب درج المسلمون المقيمون في الغرب على إرسال أبنائهم وبناتهم إلى المدارس الكاثوليكية والبروتستانتية!
إلا أن الليبراليين الذين يسيطرون على معظم برلمانات وحكومات الغرب لم يرق لهم الأمر، فقاموا بتهديد المدارس الكاثوليكية إما بقبول الاختلاط أو حرمانهم من المساعدات المالية، مما حدا بالقائمين على المدارس الكاثوليكية إلى قبول الاختلاط ولكن تحت يقظة ومراقبة شديدة..أو هكذا أوهموا أنفسهم..!
ومع هذا الاحتياط الشديد الذي مارسته المدارس الكاثوليكية ونظيرتها البروتستانتية، لا يمر شهر إلا وتفاجئنا وسائل إعلامهم وصحفهم اليومية بمئات من عمليات الإجهاض التي تتورط فيها الطالبات في أكثر من مدرسة ومعهد وجامعة..!
وفي ذلك يقول ابن القيم -رحمه الله- في الطرق الحكمية: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة".
ولا أحد يمكن أن يقول إن التعليم المختلط إيجابياته مطلقة، بل إن له سلبياته، وقد ظهرت بوضوح في المجتمع الغربي الذي يتجرع كأس مرارة الاختلاط في المراحل التعليمية ، وصارت حفلات نهاية العام تحفل بالعديد من الطالبات اللاتي يفقدن عذريتهن كتقليد متبع قبل دخول الجامعة، وفقد العذرية ليست مشكلة عند الأب الذي جرب ضرب الدف سابقاً في ذات الأجواء المختلطة، بل إنه يجد أن من واجبه اصطحاب ابنته إلى طبيب نفسي إذا تأخر فقد عذريتها أثناء دراستها، حتى أنه ربما ظهر في إحدى محطات البث الفضائية الشهيرة لمناقشة عقدة ابنته النفسية..!
البعض يزعم أن هذه السلبيات يمكن تلافيها من خلال المدرسة الأولى والأساسية وهي مدرسة الأسرة، فإحسان التربية للأولاد والبنات في هذه المدرسة هو حائط الصد الأول لهم ضد أي انحرافات أخلاقية، سواء في التعليم المختلط أو غيره، وهناك شاهد آخر، ويستشهد بأن المسلمين يذهبون إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج نساء ورجالا، ويطوفون حول الكعبة ويصعدون إلى عرفات ويتزاحمون لأداء الفريضة، ولا يرى أحد منهم الآخر، بل يعيش كل منهم في عالمه الخاص مع ربه، وهذا نوع من الاختلاط المشروع، وكذلك السعي إلى تلقي العلم يكون الاختلاط فيه مشروعاً، طالما كان متشحاً بوشاح القيم والأخلاق العربية والإسلامية الأصيلة ..!
وهذا استشهاد أقبح من جهل، حيث أن الله خص البيت الحرام بطواف الرجال والنساء في زمن واحد، ومع هذا قال صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها: (طوفي من وراء الناس وأنت راكبة)، فمع كونها راكبة، والرجال يمشون، أمرها أن تكون بعيداً عنهم.
بل أنه صلي الله عليه وسلم خصص باباً في المسجد للنساء دون الرجال، ومنع الرجال من الخروج حتى يخرج النساء، وقال: (خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها)، وفي مجال تلقى العلم قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم : "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يوما من نفسك، فوعدهن يوما لقيهن فيه، فوعظهن وأمرهن"، هكذا شرع الإسلام تعليم البنات بدون اختلاط.
يفاخر نائب جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية للشئون الخارجية بالعاصمة الأمريكية قائلاً:
"أن أجواء حرية الحركة واختلاط الجنسين داخل الجامعة، تشبه جيوباً من ضواحي المدن الأمريكية"، وعلى ذكر فتنته بـ"ماما" أمريكا أكدت دراسة أمريكية أنَّ البنات اللاتي يدرسن في مدارس غير مختلطة؛ يتميزن بأداء أكاديمي واجتماعي ممتاز، وأفضل بكثير من أداء الدارسات في مدارس مختلطة، وذكرت المنظمة الأمريكية النسائية للجامعات في تقرير لها حول التعليم المختلط: أنَّ مدارس البنات غير المختلطة تقلّ فيها المشاكل الاجتماعية، وتتزايد فيها معدلات التحصيل العلمي، وتسودها الأجواء الودية.
وفي مقالتها: سراب الأخلاقيات العصرية في التعليم المختلط تتحدث د. سيس مود من فرنسا عن إشكاليات التعليم المختلط في فرنسا وأثره السلبي على العملية التعليمية خاصة في تقليل نسبة الذكاء ونسب النجاح لدى الطالبات والطلبة، ترى أن التعليم في السعودية يحقق نجاحات تنمو باطراد بسبب عدم الاختلاط في التعليم.
وتضيف د. سيس مود :"نظام التعليم السعودي يعطي قيمة للتعليم يحترم التوازنات الطبيعية للمجتمع ويكره كسرها، وإذا كان للمرأة أن تعمل فيجب ألا يتعارض هذا العمل مع واجباتها الأسرية، وهذا الإحراج تعلمه جيدا المرأة في الغرب التي يُطلب منها أن تفعل كل شيء ، عليها أن تنافس الرجال في العمل وتكون في الوقت نفسه أما وزوجة مثالية".
وقد قال احد المفكرين الغربيين ( إن الاختلاط يألفه الرجال، ولهذا تعودت المرأة ما يخالف فطرتها، وعلى قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنا)، باختصار عاد الكثيرون إلى قناعة بجدوى التراجع عن تجربة التعليم المشترك أو المختلط.
ولكن مكابرة التيار العلماني والليبرالي وأدعياء الحداثة والخوف من الاتهام بالرجعية ومخالفة روح العصر، كل ذلك جعل الكثيرين يقفون مكتوفي الأيدي أمام هذا الطوفان الأعمى القادم من الغرب، هذا الغرب الذي اعترف أخيراً بأن ربط التقدم والرقي بالاختلاط مصيبة ليس بعدها شيء.
من هنا نعتقد أن الاختلاط في بلاد الحرمين ومهد النبوة سينتج مشاكل أكثر مما ينتجها في البلاد الغربية، ذلك لأن التربية في بلادنا قائمة حتى الآن على القيم الإسلامية ومبادئ الحلال والحرام، فضلا عما تمثله بلادنا من قيمة دينية للعالمين العربي والإسلامي.
وفي الوقت الذي يجاهد فيه رعاة الأسرة تربية أبنائهم، تقوم الفضائيات المتأمركة بضرب هذه التربية في مقتل عن طريق نشر الميوعة وتسطيح الثقافة والفكر والجهل وعدم الاهتمام بتطوير الذات، حينها سيجد الشاب والشابة في التعليم المختلط متنفساً للتعبير عن هذه الازدواجية في المعايير، وتكون المعادلة كالتالي : بيت يبني وفضائيات تهدم وجامعة مختلطة تصدق كل هذا أو تكذبه، ولسان حالها يقول: جرب أيها الشاب ولن تخسر شيئاً ،جرب وأنت الحكم!!
وإلى الله المشتكى !