إرتِقـاءُ الأَسـَــدْ
600 مليون دولار _ وأحسـبها بلغت
(تريليونا) فمـا خفي أعظم _ تكبَّدت أمريكا لتبلـغ تكلفة الرصاصة التي تشرفت بملامسة جبهة الأسد أسامة بن لادن رحمه الله ، ليجبـرَ عدوَّه وعدوَّ الإسلام على كتابة المشهد الأخير المشرِّف لحياة مليئة بعـزِّة الجهـاد ،
.
نعـم .. ليجبـرَ هـو عدوَّه ليكتب المشهد الأخير كما يريده أسامـة أن يُكتب ، وكما أراده طيلة حيـاته : شهيد في معركـة مشرّفة طويلـة ، كبـَّد فيها أسامـة عدوَّه كـلَّ الخسائر التي تخطـر على البال .
.
ثم رحـل الأسـد .. والعالـم بأسـره يقـف فـي مقـام الهيبة والإجـلال ، وحتى عامّـة أعدائـه ، باتوا يحتـرمون إخلاصه لمبادئه ، وصدقه في خدمـتها ، ويعترفون له بذلك .
لا كما حاول دجَّالـو البيت الأبيض أن يُشيعوه من روايات مضحكة لايصدِّقها حتى المجانين ، روايـات سرعان ما تلاشـت أمام المشهد المهيب الذي أبهـر العالم لصورة مناضل للحريـَّة كـرَّس حياتـَه لمقاومـة الظلم العالمي بقيادة الغرب المتغطرس ، ثم مات شهـيدا مخلصا لقضيته ،
ثم إنَّ تلك الروايات السخيفة لاقيمة لها ، بعدما أكد مقاتلو أسـامة في المعلومات الأوَّلية التي خرجت من أرض المعركـة _ والفضل ما شهدت به الأعـداء _ أنـَّه قاتل بشراسة بسلاحه ، حتى استشهد برصاصة في رأسه ، كما يموت الأبطـال في معاركهم .
كان 600 مليون دولار ثمـن تلك الرصاصة التاريخية ، وكان ثمـن الحذاء الذي ضُـرب به وجه بوش الذي أعلن الحرب الصليبية على الإسلام ، _ جاعلا أسامة رمز المعسكر الإسلامي في هذه الحـرب _ لايساوي 10 دولارات ! بعد حياة مليئة بالفشـل ، ثـمَّ لم يكترث أحـد بذهابه إلى مزبلة التاريخ ، إثـر مرحـلة انتهت بإنهيـار أمريكا على المستوى السياسي ، والإقتصادي ، والعسكري ، والمعنـوي ، وإلى الأبـد بإذن الله تعالى .
إنهما المشهدان الأخيران الدائمان لنفس القصة ، قصة الصراع بين الإسلام ، والصليبية ، الإسلام دائما ينجح في النهاية ، بعـد مسيرة إنجازات مشرّفـة ، وحياة مليئة بشرف الحـرب والخصومة ، وأبطال نبلاء صادقين يموتون شهداء ، والصلييية دائما تفشل في النهاية ، بعد مسيرة مليئة بالفشـل ، وحياة مليئة بالخسَّـة والدناءه ، وأقزامٍ سَقـَطٍ ، كذبـة ، يعيشون حياة الجبناء.
لله درُّ القائل : بيننـا وبينكم يوم الجنائز ،
ولقد تفكَّرت في هذا القـول كثيـرا .. تـرى ماهـو السـرِّ ؟! .. لماذا لحظـة مـوت الأبطـال في الإسلام ، يتلاشى كـلُّ ماكان يقوله أعداؤهم فيهم من الأكاذيب ، وتطيشُ كلُّ محاولات تشويه السمعة ، ثـم تُقبـل على الأبطـال القلـوبُ ، وتشهدُ لهم الألسنة بالخيـر ، ويتَعطَّـرُ الفضاء بالمـدح ،
.
بل يتوارى أولئك الأعداء خجـلا ، ويضيع صوتُ نباحهم بين ألحـان التغنـي بالثنـاء لأولئك العظـماء ؟!
ثم فهمـتها .. إنها نفحـات من آثـار حفاوة السماء بأبطال الإسلام وهم يعرجون إلى خالقهـم ، ليستقبلهم ، ويُطيَّبـون بالطيب قبل الدخـول عليه ، بعد حيـاة التفاني في الخدمـة ، والنصرة ، يُطيَّبون بالطِّيـب في أكفان الجنـّة ،
فتتقاطـر إلى الأرض تلك النفحـات على قلوب الناس ، فتنتعش بالإعجـاب ، وتنطـق ألسنتهـم بأجمـل العبارات ، مُترجمَـةً عمَّـا تستقبلهم السموات به من أحسن الأسماء التي كانوا يُسمَّون بها في الدنيـا ، كما صح في الحـديث.
إنّ العظماء في هذه الأمـّة ثلاث درجات ، عظماء يُسهمون في قيادتها أثنـاء مسيرتهـا الحضارية في نصرة رسالة المرسلين ، وعظماء يقودون مشروعا في هذه المسيرة ، وعظماء يتحوَّلون إلى رموز للمسيرة .
والرمز هو عظيم ارتبطت قيـمُ الرسالة الحضارية بإسمه ، بحيث إذا ذُكـر إسمُـه ، اختزل ذكـرُه تلك القيـم بمجـرَّد ذكـره !
وأسامة كان من هذا النوع من العظماء ، فإذا ذُكـر إسمه ، انبجست منه قيمُنا العليـا في مشهد صراع الحق الذي نحمله ، بالباطل الذي يقوده شياطين الإنس والجن :
فإنبجس منه مفهـوم الجهاد بجميع أنواعه ، جهاد النفس ، والمال ، والقول ، و العمل ، والجهاد بالمعركة ، وبالكـرّ ، والفـرّ ، بالتخفـّي عن العـدوّ ، كما تخفى نبيُّنا صلى الله عليه وسلم في غار ثور ، وبالتحريض ، وبالتنظيـم ..إلخ .
وانبجس منه التضحية بكلِّ ما تحمل هذه الكلمة من معنى ، فقد ضحَّى بثروة هائلة من أجل نصرة الإسلام ، وضحى كثيراً في أثناء مواجهة العالم الغربي بأسره ، وما يحمله من قدرات ضخمة إعلامية لتشويه سمعته ، وعسكرية لمطاردته ، وإستخباراته للتجسس عليه وإبقائه في حالة تخفِّ دائم بما يقارن هذا من التوجُّس ، والتحفـُّز ، المستمرّين مما لايكاد يطيقه أحـدٌ إلاَّ من استعملهم الله تعالى لنصرة دينه .
وانبجس منه الثبات ، والصبر ، و المثابرة على الطريق ، مهما طال الزمن ، وعظمـت الصعاب ، وتكالب الأعداء ، وتخاذل الأقربـاء ، واشتدَّت المحـن.
وانبجس منـه روعـة التحـدِّي للأعداء ، رغم ضآلة الإمكانات في مقابل قـوِّة العدوِّ .
وشـدّة العزيمة في إدارة هذا التحـدّي ، والصلابـة التي لاتلين في جميـع المراحـل ، وإلى نهاية المطـاف .
والإخلاص لله تعالى في نصرة الدين ، فلم يكن يهتم بإسترضاء أحـدٍ إلاّ الله ، وقد كان يقف الموقف الحـقَّ الذي يتطلَّبـه دينه ، ولو اجتمع عليـه الناسُ كلُّهم ، ولهذا كثيـراً ما كان يردد الحديث : ( واعلم أنَّ الأمة لو اجتمعت على أن يضرُّوك بشيء لم يضروك إلاّ بشيء قد كتبه الله عليك ) ، وكان يخرج من أعماق قلبه ، لايرتاب في ذلك سامعه.
لقد كان أسامة رحمه الله قليل الكلام ، غير أنـَّه إذا تكلَّم سمـع كلامه العالم أجمـع ، واستعـد لما بعده !
وكان أسامـة هادىء الطبـاع ، غيـر أنه إذا زأر للإسلام اهتزت الأرض من تحت اقدام الغـرب ، وتزلـزلت الدول العظمـى ، وارتدعت من تداعيات ذلك الهـدوء الصارم المدمّـر !
ومع ذلك .. لقد كان زوجا محبـِّا رفيقـا ، وأبـا حنونا ، وأخـا لإخوانه قريبا من قلوبهـم ، وقائدا فـذَّا يبني قيادته على إقناع جنوده ليفدوه بأنفسهم ، لا على حبِّ الزعامة .
لقد كان رجلاً صالحـاً كثيـرَ الصمت ، شغوفـاً بتلاوة القرآن ، والعبـادة ، محبـَّا للإنفاق ، ينفق من ماله في سبيل الله حتى يُلام فلا يلتفت إلى لوم لائمِه ، ويعطي عطاء من لايخشى الفقـر ، عطاء موقن بأنَّ الرزق في السماء ،
.
وكان يجالس الفقراء ، ويؤاكلهم ، ويعيش بين أنصاره في تواضع حتَّى يحُرجهـم ، وفي تحـابِّ يؤلـِّف بينهم .
هذا .. وكل من يتأمَّـل سيرته ، يعلم أنها سيرة من يستعملهم الله .
ألـم تروا أن الله تعالى من لطفه به _ كعادته في لطفه بمن يستعملهم _ لم يقبض روحه حتـى أتـمَّ لـه ما كان يريد من نشر الجهاد ، وإعلاء فكرته ، وتوسيع دائرته في الأمـِّة ، وبثـِّه في نفوسها .
ثم تأمَّلـوا أنّ الله تعالى أخزى بوش الذي توعَّـد أسامه ، ووعد بقتله ، ولم يكتب لأسامة الشهادة إلاَّ بعد هذه المرحلة .
ثـمَّ بعدمـا ( طيب الله خاطر المسلمين ) بالثورات على الطغاة ، واستروحت نفوسهم لهذا النصر العظيم ، وأعاد إلى الأمـّة ثقتهـا فـي نفسها _ التي كان أسامة يجهـد لزرعها فيها _ وامتلأت عواصم الإسلام بهتافـات العـزَّة ، و الجهاد ، والحرية ، وإسقاط الطغـاة ،
فلما (طابت خواطر المسلمين ) ، وارتاحت نفوسهم ، أخذ الله تعالى الشهيد ، فصار وقـع ذلك هيِّنـا على أهل الإسلام ، ولـم يُفـتن فيه أحـدٌ بحمد الله تعالى .
لقد أتـمَّ أسامة رسالته إذن ، وسلَّم الأمـَّة نهاية مهمِّته بنجاح باهـر ، وضرب لهم مثلاً بنفسه ، فقدَّم روحـه بعد ماله ، لنهضـة الأمّـة ، وعزِّهـا.
فلما بدأت نهضـتها وأقـرَّ الله عينَه بذلك ، ورأى ما كان يتمنـَّاه طيلة حياتـه ، رحـل وهو يبتسـم .
إبتسامة الشهيد ، وإبتسـامه النجـاح .
إنها قصـة النجـاح في أروع صورهـا .
ولئن سألتني عن عبارة تختصر إنجازه العظيم ، فسأقول :
صنع صرح العزّة في زمن القهر ، والذل ، والإنهـزام ، وعرَّى أعداء الإسلام ، وكشف ضعفهم ، وزيفهم ، وكذبهم ، ونفاقهـم ، وأعاد للأمـة ثقتها بنفسها .
واخيـراً ، فانـظروا كيف وفقه الله إلى أن يستشهد بهذه الأبـيات في الإصدار الذي سجّله قبل أسبوع من إستشهاده ، وصدر اليوم :
فقول الحقِّ للطّاغي
هو العـزُّ هو البشرى
هو الدرب إلى الدنيا
هـو الدرب إلى الأخرى
فإن شئت فمت عبداً ،
وإن شئت فمت حرَّا
وجوابا على ما قاله ، ولروحه الطاهـرة أقول :
صدقت القول يا داعي
أنرت العقلَ والفِكـرا
صنعـتَ العـزَّ في زمنٍ
يعيشُ الذلَّ والقهـْرا
فما مات الذي فينا
أفـاقَ النهضة الكبرى
اللهم ارحـم أخانا الشيخ أسامة بن لادن برحمتـك الواسعة ، وأسكنه فسيح جناتك ، وارفع درجته في المهديين ، من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ،
واستعملنا في نصر أمّتنا، واجعلنا من جنود الإسلام ، وثبتنا على طريق الجهـاد ، واختـم لنا بالشهادة في سبيلك آميـن .
حامد بن عبدالله العلي