بدأت أيام شهر رمضان وكعادتها التى لم تتغير ما ان تحط رحالها ويظهر هلالها، حتى تلملم ساعاتها وترحل. وحتى لا تكون مختلفة عن أى لحظات حلوة ها هى ايام رمضان تنفرط يوما بعد يوم .
لذا دعونا نتسائل.
هل تشعرين انكِ اختلفتِ فى رمضان عن قبله؟
هل تشعرين بلذة الطاعات والعبادات والقرب من الله؟
هل هناك همة وثابة ونفس مقبلة على الله وعلى العبادات والطاعات؟
باختصار .. باختصار .. ترى هل وجدتِ قلبكِ فى رمضان بعد أن مر أسبوع من أيامه؟؟
لمن تكون اجابتها "نعم" هنيئا لكِ اكملي واستمير، ولا تنسى أن شهر رمضان ليس سوى محطة للتزود، ولكنه أبدا ليس خط النهاية فلا زال أمامك طريق سفر طويل على مدار العام حتى تجدي محطة رمضانية أخرى فى العام المقبل إن قدر لكِ الحياة. تذكري جيدا أن العبادة ليست هدف فى حد ذاتها ، وإلا فإنكِ بعد أن تكون قد حققت هدفكِ فى خلال الأسبوع الماضى فستفتر عزيمتكِ، صلاة... قد صليتِ، قرآن .. قد قرأتِ ، قيام .. قمتِ ودعاء دعوتِ، ما الجديد إذا لتستمر الهمة فى الأيام المقبلة؟؟
الجديد أن العبادات كلها هى وسيلة وليست غاية، وسيلة لأتقرب من الله كل يوم شبرا وأرتقىِ إليه سلما ... وسيلة لنول رضا الله وحبه. تزودي جيدا من هذه المحطة بزاد يعينكِ على تحمل السفر ويضمن لك طول البقاء.
أما من كانت إجابتها "لا" لم أجد قلبى بعد، وقلبها ينفطر على انقضاء أيام رمضان، وعينها تكاد تدمع وهى ترى ساعاته ترحل مسرعة وهي لا تستطيع أن تمد يدها لتنهل بنصيبها منها . ومعنوياتها منهارة وهي ترى المتسابقات قد شدَوا الرحال وانطلقوا منذ زمن، وهي لم تعد تلمح منهم إلا خيالا وسرابات لطول المسافة الفارقة بينها وبينهن.
لكِ أنتِ يا من لم تجدي قلبك بعد .. لكِ أنتِ اخيتى .. لكى أنتى أخيتى...
لا عليكِ هوني عليكِ، حقا قد فاتك خير كبير فقد مضت ساعات وأيام من شهرنا العظيم، ولكن لا بأس. ليس هذا وقت العتاب والحساب، أبدا ليس هذا وقت البحث عن الأسباب التى أخرت انطلاقتك وتحركاتك.
المهم الآن أن تنطلقي وتتحركي .. ابدئي فورا .. اشحذي همتكِ .. أصدقِ نيتكِ .. قوى عزيمتكِ.
انطلقي .. انطلقي ، لا تجعلي من المسافة الفارقة بينك وبين المتسابقان سببا فى تأخر مزيدا من الوقت، لا تبكى على اللبن المسكوب فى أيام قد مضت من شهر رمضان، لا تجعلي الاحباط معولا يقضى على أكثر من ثلثى رمضان مازال متبقيا، لا تجعلي الحزن يمزق صفحات الخير المفتوحة تتنتظرك وتمد أيديها إليك، لا تجعلي دموع الحسرة تعميك عن رؤية ليلة القدر ببهائها وضياءها وهى تنادى عليكِ.
قمِ الآن .. الآن .. انفضي عنكِ ذاك الهم والحزن، رمضانك سيبدأ الآن. رمضانك لم تنقضى منه ساعات فى غفلة وبعد. رمضانك لا زال طويلا ولا زال به خير عميم وفضل كريم.
تقدمي وانطلقي ... تأكيدا ستحلقين الركب إن لم تسبقيهن، كني صاحبة النفس الأطول، فكثيرون هناك قد ركنوا لطاعاتهم فى الايام الماضية واغتروا بها فحطوا رحالهم ليستريحوا.
تقدمي وانطلقي فلقد سبقت السلحفاة الأرنب، وانتِ أقدر على ان تسابق وتفوزين بنفسكِ الجديدة النقية وقلبك المطمئن التواق والمشتاق لله.
تقدمي وانطلقي... دعينى امسك بيدك .. انهضي معى .. انفضي عنك هذا التراب الذى أصاب روحك من كثرة الرقود على الأرض ... هيا بنا نتحرك:
1- جددي النية والعزم على حسن التوجه إلى الله واخلاص العمل والعبادة له، نية صادقة مخلصة برغبة حقيقية ملحة أن تتسابقي فى شهر رمضان لتنال من الله رحمته ورضاه ومغفرته والعتق من النار.
2- لا زلت لا تجدي قلبك، رغم نيتك الصادقة ... قمِ فورا فورا .. اذهبي .. توضئي .. صلى ركعتين .. أطيلي السجود ..
لا تعلمي ما تقولين؟؟
تكلمي بما فى نفسك بوضوح .. خاطبي ربك ... ليس المهم لغة عربية او عبارات رنانة جزلة .. ربك أكرم من ذلك، كلمه بوضوح وصراحة، حدثيه حديثا ربما لا تحدثي به إلا نفسك ولا يعلمه أحد عنك .. أقري بين يديه بذنوبك .. اسأليه رحمة ومنة .. توسلي إليه أن يرزقك قلبا فقد غاب قلبك ... تضرعي وتذلل إليه وقد صعبت عليك نفسك وأنتِ ترى الناس فرحين برمضان وأنت مفتقدة للذته .. غائبة عن بهجته تضرع تذلل " ياكريم يا رب العالمين أنت أدرى بحالى وتعلم سؤالى .. يا كريم قد سبق المتسابقات وبقيت وحدى أتجرع ذل معصيتى وتفريطى.. يا كريم، الناس كل الناس تنعم برمضان ولذته وانا اعيش وحيدة حبيسة ذنبى وتفريطى... يا كريم مُن علَى بتوبة ورحمة .. افتح لى بابا إليك يا فتاح .. وارزقنى عبادة تذل بها نفسى إليك فيكون بها سعادتى.. ومُن علَى بدمعة من خشيتك اُطهر بها صحيفتى وأغسل بها حوْبتى ...."
اتركي الكلمات تنسال من لسانك كما تخرج، آن الأوان أن تشكى همومك وتحكى غمومك لخالقك، اعترفي بجراحا لطالما تكتمتِ عليها فى قلبك وداخلك.
كني على ثقة فالكريم يسمعك، وسيجيبك.
3- هيا تقدمي وابدئي الحركة .. حتى وان كنتي بعد لا تجدي قلبك..
"الله اكبر الله أكبر" .... تحركي فورا للمسجد والصلاة .. صلى السنة .. اقرأ قرآنا .. ادع بحرقة
"قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة" ... أدِى الفريضة ... واصلي الدعاء فأنت الآن فى اتصال حى مباشر مع الرحيم الرحمان .. تذكري أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
امسكي مصحفكي ... اقرأ قول الله تعالى "
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69
، نعم اقرئي قوله تعالى "
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53
اقرئي وتدبري
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ }البقرة186
اقرئي وتشجعي
{قَالَ هُمْ أُولَاء عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى }طه84
ابحث عن أبيك .. عن امك .. قَبِلي يديهما وتذللي لديهما وقلِ رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا.
ارفعي سماعة الهاتف اتصلي بقريب واصلي رحمك، باركي لهم بقدوم الشهر الكريم ... لا تعجبي نعم هنئيهم بالشهر الكريم فللتو قد بدأ شهرك.
ضع يديكي فى جيوبك .. جدي ولو بقروش بسيطة
ابحثي عن الخير أينما كان الخير وافعليه ... أجيبي النداء السماوى وهو يهتف ويهيب بك " يا باغى الخير أقبل .. يا باغى الخير أقبل"
4- ابحث عمن هي مثلك قد تنكب الطريق وضلت الاتجاه، خذي بيدها معك ساعديها وعرفيها وكوني لها قائدا لطريق الله، عسى الله أن يرى همتك ويعلم صدقك وحاجتك، فيمن على كلاكما بقلب وقبول.
ما الأخبار الآن ... هل تشعرين بذلك التغير... نعم صحيح .. الأمر حقيقى وواقع .. قد بدأت تروس قلبك فى الحركة.. وبدأ الشراع يملأه الهواء وتتحرك السفنية تجاه واحة من رحمات الله، إذا لا تتركِ التجديف فقد عرفتِ وجهتك، وبان لكِ هدفك وغايتك .. إياكِ إياكِ أن تتكاسلي أو ترتاحي ... تذكري فقد فات ثلث شهرك وما بقى وعد على أن لا أضيعه.
هيا أبحري فى بحر الإيمان والتوبة والرحمات والقرآن .. ، احرصي على ما بقى لك من شهر رمضان فهو سفينتك للوصول إلى بر الأمان.