الخطرة
منها تتولد الإرادات والهمم والعزائم ، فمن راعى خطرا ته ملك زمام نفسه وقهر هواه ، ومن استهان بالخطرات قادته قهرا إلى الهلكات .
قال تعالى ( كسراب بقيعة يحسبه الضمان ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيء ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب )
إن شرف النفس وذكاؤها ، وطهارتها وعلوها بأن ينفي عنها كل خطرة لا حقيقة لها ، وأعلم أن الخطرات أقسام تدور على أربعة أصول :
خطرات يستجلب بها منافع دنياه
وخطرات يستدفع بها مضار دنياه
وخطرات يستجلب بها مصالح آخرته
وخطرات يستدفع بها مضار أخرته .
فليحصر العبد خطرا ته وأفكاره وهمومه في هذه الأقسام الأربعة ، وإذا تزاحمت عليه الخطرات قدم الأهم فالمهم ؛ فخطرات العاقل وفكره لا يجاوز ذلك ، وأ على الفكر وأجلها وأنفعها : ما كان لله والدار الأخرة .
وأعلم أن وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة ، وهو يمر أسرع من السحاب ، فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره ، وغير ذلك ليس محسوبا من حياته وإن عاش فيه عاش عيش البهائم قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة ، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته .
وما عدا هذه الأقسام من الخطرات والفكر ، فإما وساوس شيطانية ، وإما أماني باطلة ، وخدع كاذبة.
وأعلم أن ورود الخاطر لا يضر ، وإنما يضر استدعاؤه ومحادثته ، والقلب لوح فارغ ، والخواطر نقوش تنقش فيه ، فكيف يليق بالعاقل أن تكون نقوش لوحه ما بين كذب وغرور وخدع ، وأماني باطلة ، وسراب لا حقيقة له ؟ فالخواطر النافعة لا تستقر إلا في محل فارغ
وكما قيل :
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى / فصادف قلبا ً فارغا ً فتمكنا
م ن ق و ل