سأصطف.. أنا الكذّاب!!
الدكتور عماد عطا البياتي
أرسل إلي صديقي العزيز المقرّب بل أخي الحبيب الوفي الذي قضيت بصحبته أيام طويلة وجميلة رسالة بعنوان "اصطفّوا يا كذّابين"!!!، عن طريق البريد الألكتروني وأرسل في نفس الوقت نسخاً منها إلى أصدقاء آخرون يعيشون في بلاد متفرّقة بعد أن شتّتهم السعي للدنيا وطلباً للسلامة من الحروب والقتل والظلم والقهر والحياة الشاقّة؛ وأرسل نسخة منها كذلك إلى نفسه.. أي إلى بريده الألكتروني الشخصي وهو ما زال يعيش في أرض الوطن رغم مقدرته على العيش في بلاد الغربة أيضاً.
عنوان الرسالة وقصّتها الرئيسية تدور حول رجل صالح دعا تلاميذه إلى الصلاة فقال لهم: "اصطفّوا يا كذّابين" بهدف تربيتهم وتعليمهم ومساعدتهم في كشف حقيقة ما في نفوسهم أمام أعينهم ولينزع عنهم ثوب التقوى والصلاح الكذّاب ليعينهم ذلك على التشخيص والنقد الذاتي والمجاهدة والتقويم، كما فهمت من مغزى القصّة.
والرسالة فيها عتب شديد من هذا الأخ والصديق الحبيب عليّ وعلى الأصدقاء الآخرين وعلى النّفس كوننا لم نصطفّ في باحة مدرسة إنقاذ الإيمان كما كنّا ندّعي ونزعم ونبدي الاستعداد والجندية العالية المنضبطة للعمل لله ومع الله وبعون الله، وعلى خلاف ظنّ الأستاذ وهذا الصديق بنا.
[IMG]http://up2.m5zn.com/p***o/2009/2/22/05/rykma6l5h.jpg/jpg[/IMG]
فأنا وخلال سنوات مضت حاولت أن أوازن بين الدنيا وبين الإصطفاف واخترت دوراً بسيطاً متواضعاً لي على قدر طاقتي وقابليتي من خلال التفكّر في حالي وفي نفسي وبعد مناقشات ومشاورات مع صديقي الحبيب المقرّب الوفي وذلك بالبحث والتجميع وكتابة المواضيع الإيمانية التفكّرية ومحاولة استشعار وتذوّق ما أكتب؛ ورضي بهذا الدّور المتواضع أستاذ مدرسة إنقاذ الإيمان وشجّعني عليه أملا في التقدّم والتطوّر والنموّ المثمر. ولكن وعلى خلاف الظن وبعد ضغوط دنيوية قاهرة اخترت طريق الهجرة كباقي الأصدقاء فخيبت بذلك أمل الأستاذ والصديق المقرّب كما هو واضح وظاهر بل أني كنت أعلم بأن هذا ما سيحدث حق العلم!!!، أي جريمة مع سبق الأصرار والترصّد والتربّص والعناد!!.
انبرى هذا الصديق المقرّب الذكي بإرسال هذه الرسالة "اصطفّوا أيها الكذّابين" ليساعدني على كشف نفسي أمامي، نفسي المحبّة للدنيا والسلامة والرّاحة.. المدّعية لحب الله ورسوله ودينه ومدرسة إنقاذ الإيمان... أستاذها وتلميذها وخادمها.
كانت هذه الرسالة بالنسبة لي بمثابة صفعة رحمانية أو درّة عمرية!!!، أثّرت فيّ كثيراً.. أحزنتني وأفرحتني وأربكتني وحيّرتني وأذهلتني!!.
تفكّرت كثيراً في حالي ومآلي.. حاولت التشخيص والتقييم والتقويم والترتيب والتخطيط حسب واقع الحال، لكن لم أقوى على التغيير الجذري النفسي الشامل والثورة العسكرية الإنقلابية الذاتية!!.
لم أعرف بماذا أجيب الصديق المقرّب وماذا أقول له.
هذه القصّة تنطبق عليّ بصورة عجيبة وغريبة جداً.. أين وجدها؟ وكيف أرسلها؟!!.. ماذا أقول؟ وماذا أفعل؟!!.
أحسست بأنّ محاولاتي البسيطة ومساهماتي المتواضعة لدعم نشاطات مدرسة إنقاذ الإيمان كلّها كذب ودجل وخداع.. فأنا اصطففت ولكنني كذّاب لأنني لم أصطف بالصورة الذكيّة الفعّالة الحضارية اللائقة؛ وأنا أحب الدنيا، وهاجرت لأجل الدنيا والأهل والأولاد والسلامة والأمان.
ورحت أتفكّر في أعمالي الظاهرية الطيبة السابقة، فإذا بي أحسّ بأنّ الكذب يلقي ظلاله الكئيبة عليها.
شعرت بيأس شديد وكمد عنيد ورحت أبحث عن بعض الأعمال الثابتة الصادقة في حياتي علّني أجد فيها الرّاحة والأمل والتوازن.
نعم.. أنا أؤمن بالله الخالق تعالى وأحبّه وأحب قرآنه الكريم المعجز، وأتفكّر دائماً بالمعاني والآيات الإيمانية التي توصلني إليه سبحانه وأحاول استشعارها بصدق ويقين لأرقى بها وأسعد.
نعم.. أنا أحب الرسول محمّد صلى الله عليه وسلّم.. هو قرّة عيني.. وأذكر عندما زرته ووقفت أمامه في روضته الشريفة كيف سلّمت عليه وبكيت في حضرته المباركة ودعوت الله أن ألتقي به يوم القيامة ليشفع لي علّني أنجو وأفلح.
نعم.. أنا أحب الصحابة الكرام وآل البيت الأطهار رضي الله عنهم والأولياء الصالحين الأتقياء الأنقياء.
إنّ هذا ليس كذباً.. لا.. لا.. إنها حقيقة.. هذا أكيد.. ثم عاد بعض الأمل.. وبدأت تباشير الإرتياح والتوازن..
لكن..
لكن.. أعمالي وعباداتي ضعيفة جداً ولا تعبّر عن هذا الإيمان وهذا الحبّ!!.. نعم هو إيمان ضعيف شاحب، وهو حبّ مشوّش يشوبه حبّ الدنيا والسّعي لها.
أين العبادات الصادقة؟.. أين الصلوات الخاشعة؟.. إين التسبيحات والأدعية والمناجات الحارة المحترقة؟!!.. أين بذل المال والجهد والنّفس لله؟.. أين.. أين.. أين؟.
لا أعرف ماذا أقول لصديقي الحبيب المقرّب.. لكنّي سأحاول الإصطفاف أكثر للمساهمة في بعض من نشاطات مدرسة إنقاذ الإيمان والتواصل الفكري والقلبي معهم..
نعم.. سأصطفّ.. أنا الكذّاب!!!.