لم يهدأ له بال .. ولم يرقأ له جفن
عبثا ُ يحاول أن ينام .. فهل ينام مَن ْ يتقلب على الجمر ؟
كيف ينام عمر الفاروق رضي الله عنه وحذيفة بن اليمان يحمل بين جنبيه سرا ً هو لا يعرفه ؟
بات يشعر أن حياته ومصيره قد توقفا على هذا السر
كان حذيفة أعلمَ أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بالمنافقين . وكان عينا ً له عليهم : يرصد تحركاتِهم . وينقل أخبارَهم .
ولأنه الرسول المصطفى فقد كان يعرف كفاءاتِ أصحابه ومواهبَهم , فيوجهها ويوظفها في الميدان الذي تبْرعُ فيه وتُنتج .
فكان أن أسرَّ عليه الصلاة والسلام بأسمائهم إلى حذبفة ( يقال أنهم 17 منافقاً ) , وقال له ألا يخبر أحدا . فصار حذيفة أمينَ سر رسول الله .
وقد جاهد نفسه ليمسك لسانه , وظل أمينا ً على أسمائهم التزاما ً بالوصية النبوية ,
إلا شخص واحد . ماكان إلى الفكاك منه من سبيل
إنه عمر الفاروق رضي الله عنه
ظل عمر في حالة من القلق والتوتر حرمته حتى القعود .. فكرةٌ واحدة تلح عليه : ماذا لوكان اسمه ذُكِرَ مع أسماء المنافقين ؟
سأل حذيفة فلم يجبه !
حدثته نفسُه : خسئتَ يا عمر لوكنت َ منهم !! ليت أم عمر لم تلد عمرا !!
سبحااااااااااااااااااااااان الله !
عمر الفاروق المبشر بالجنة : يخشى أن يكون منافقا !
الفاروق الذي كان يتصدق بنصف ماله ثم يقول : اللهم إني بخيل ٌ فسخّني !
كان إذا سلك فجا ً سلك الشيطان فجا ً آخر , ومع ذلك يقول : اللهم إني ضعيف ٌ فقوّني
عمر العظيم .. الكبير .. التقي ..
عمر العابد الزاهد
عمر الذي خط ّ البكاء على خديه خطين أسودين ....
يخشى النفاق !!!!!!!!
أين ستهرب يا حذيفة من عمر ؟
لا مهرب ولا مفر لك ,,, فانت محاصر ٌ من أشد الناس إيمانا ً ويقينا .
جاءه يطرق بابه ليلا ً ....... يستعطفه ... يسأله برجاء وقلق أن يجيبه : هل أنا منهم ؟ هل ذكرني رسول الله ؟
وأخيرا ً ناشده : أأنا من المنافقين ؟ رق ّ له قلب ُ خذيفة . قفال : لا !! ولا أزكّي أحدا ً بعدك .
الآن هدأت نفس عمر واستكان فؤاده .
ظل عمر يخاف من النفاق والمنافقين . حتى أنه كان لا يصلي على أحد لم يصل ِ عليه حذيفة .
والسؤال :
هل كان عمر بن الخطاب رقيق الإيمان ؟ هل كان ضعيف النفس ؟ هل كان هزيل اليقين ؟
لم َ كل هذا الخوف يا أمير َ المؤمنين ؟
ويأتي الجواب سريعا ً :
أنه : كلما ارتقى الإنسان في سلم الإيمان واليقين , كلما ازداد اتهامه لنفسه .
فخشية عمر من النفاق لم تكن شكا ً في نفسه .. بل لأنه كان يتربع على عرش الإيمان واليقين .
أين أنت َ يا عمر ُ *************** إنا إليك َ نفتقِرُ
والمفارقة العجيبة : أن الفاروق يتهم نفسه ........ أما نحن فَ بعيدون عن الاتهام تماما ً .
النفاق كَ تعريف : أن تُظهرَ مالا تُبطِن
إنه مرض ٌ عضال .. ينخر قلبَ الفرد . ثم ينخر في المجتمع .
ولقد أصاب معظمَ الناس إلا من رحم ربُك .
تُرى !! كم واحدة منا تتهم نفسها بالنفاق ؟ أو تخشى أن تكون منافقة ؟
أو: كم واحدة منا عندها الجرأة والشجاعة لتعترف أنها تعاني من النفاق ؟
البعض أجبن من أن يظهر ما بداخله .. إما لأن داخله بلغ درجة من السوء فيستحيي أن يطلع عليه الناس ..
وإما لأنه تعود أن يداهن ويمالئ .. فيركب سفينة الإمّعة والكثرة : يندد إذا نددوا .. ويغضبُ إذا غضبوا
هو مع الناس كيفما داروا واستداروا .. يدور في فلكهم .. ويتكلم من وحي أقوالهم .. أفعاله لا تتجاوز أن تكون مجرد صدى لأفعالهم .
لقد تعودنا التعامل بالأقنعة :
لن أقول رأيي بصراحة .... حتى لا تغضبَ فلانة , ولأنني أريد أن أكسب ودها فَ أقول كذا !
ولن أفعل َ كذا حتى لا أجُرَّ على نفسي غضب زيد ٍ أو عبيْد .. بل أفعل كيت َ وكيْت .
وهكذا نعيش في داخلنا حالة ً تغاير ظواهرنا
تعودنا على النفاق السياسي , والاجتماعي , والعملي , ونسأل الله أن يحمينا من النفاق العقيدي .
النفاق عند بعض الفِرَق هو سمةُ عقيدتها . به تقعد , وبه تقوم ,, به يكون التفاضل , وبه يكون الدين : فمن لا تقية له لا دين له .
في حال ضعفهم دينهم التقية .. يتلصصون بالخفاء .. وينفثون سمومهم من وراء أقنعتهم .
هي مجرد إشارة ٍ فقط , لأن نفاق العقيدة ليس موضوعنا هنا .
بل موضوعنا هو نفاق العمل .
لا يقتصر الأمرُ على عدم اتهامنا لأنفسنا , بل يتعداه إلى عدم قبولنا من أحد ٍ أي ّ اتهام .
نحن أعلى ,, وأرفع ,, وأكبر ,, وأعظم من أن نُتَّهَم .
وكلما نافقنا كلما ازداد استنكارنا لأي اتهام .
لو أننا نافقنا لخوف ٍ لكان لنا بعض العذر .. فالإنسان ضعيف ٌ خوّاف ..
ولكن المصيبة أننا استمرأنا المرض حتى صار سمة ً لنا
لقد استوطن َالنفاقُ قلوبَنا حتى عشعش فيها وباض وفرّخ !
لو خصصوا يوما ً عالميا ً للصدق والصراحة ل َخربت بيوتٌ . وتقطعت علاقات ٌ , وانتشرت فضايح .
ف َاللف والدوران والمراوغة صارت صفاتنا الرئيسية ..
وليس الصدق والصراحة والتناصح ..
لم تتعود إحدانا أن تقول لزميلتها : قفي ! فأنت ِ مخطئة .
وما تعودت إحدانا أن تسمع نقدا ً من أحد . أو تصويبا ً من أحد .
قتلتنا المجاملة الكاذبة .... والتدليس الخادع .
نقف يوميا ً امام المرآة : نتجمّل ونتزيّن
فهل وقفنا مرة ً أمام مرآة القلوب حتى نزيّن القلوب الفاسدة ونجمّلها ؟
إنها دعوة لنقف عراةً من القشور الزائفة حتى نرى أنفسَنا على طبيعتها
إنها دعوة لي ولك أخي واختي
استعرضي قلبك بقوة ٍ وشجاعة ٍ وصدق ٍ وإخلاص .. مع نية ٍ أكيدة ٍ بالإصلاح . ورغبة ملحة بالتغيير نحو الأفضل .
إذا وجدتيه خاليا ً من النفاق وباقي الأمراض : فاعلمي أنك فريدةٌ في هذا الزمان ..
فاحمدي الله تعالى واشكريه على نعمائه , واسأليه الثبات , ودوام العافية .
وإذا وجدت ِ نفسك مريضةً فاحمدي الله أن فتح يصيرتك لتعرفي نفسك . وتضعي يدك على الجرح
إسأليه سبحانه أن يمدك بالقوة والشجاعة لتتغلّبي على دائك .
وإذا صدقت ِ فإن رب العزة لن يتخلّى عنك : والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا ( سورة العنكبوت 69 )
أما إن وجدت ِ نفسك مريضة .. وأبيتي الاعتراف , والتصديق بوجدود خلل ..
وكابرت ِ ... ثم كابرت ِ
فاعلمي أنك على خطر ٍ عظيم .
أسأل الله السلامة للجميع .
كتبته الاخت الفاضله بدور ---