الله يعينه على مقارعة اليهود
"الله يعينه على مقارعة اليهود" قالها جدُّه لوالده عندما بشَّره بميلاد حفيده محمود يوم ميلاد محمود أبو هنود في 1-7-1967م، ولم يمضِ في ذلك الوقت على احتلال الضفة الغربية من قبل اليهود إلا خمسة وعشرون يومًا.وعندما سمع الأب هذه العبارة من أبيه انطلق مهرولاً نحو زوجته وأخبرها بما دار، وهو لا يستطيع منع عقله من التساؤل: هل أصيب والدي في عقله؟ كيف يقول هذا الكلام ومحمود ما زال عمره ساعات؟ .. لكن الأيام أثبتت فراسة الجد وبصيرة شيبته في الإسلام، أصبح محمود من أشد "المقارعين" للاحتلال.. بل ذاق الاحتلال على يديه الكثير من الويلات.
طفولة بنكهة البطولة
لم يكن محمود طفلاً عاديًّا، بل تميز كثيرًا عن رفاقه، لم يمارس ألعاب الأطفال العادية.. كان دائمًا يقود المعارك، وينظم رفاقه في الشارع، تعوَّد على القيادة وملك خصالها، كان يصنع أهدافًا من خامات البيئة البسيطة من حوله، ويصوِّب نحوها فيصيبها بكل دقة، يفعل ذلك وهو لا يعلم أن القدر يهيئه ليكون قائدًا في كتائب "الشهيد عزّ الدِّين القسَّام".
كان محمود منذ بواكير صباه متعلقًا بالمساجد دائم الصلة بها، يشهد له المقربون أنه منذ بلوغه السابعة من عمره وهو حريص على صلاة الفجر في المسجد مع والده، ويضيفون: "لم ينقطع عنها طوال ما عرفناه"، يصف أهل قريته أحوال قريتهم قبل أن يثب فيهم البطل ويؤجج حبهم لله قائلين: "كان الجميع نائمًا فأيقظ محمود "عصيرة الشمالية".. وبدأ مع أطفالها وأشبالها يعقد لهم الجلسات الدينية في حفظ القرآن الكريم، والحديث عن أمور الدين حتى ربَّى أجيالاً من المسلمين تعتز بهم عصيرة الشمالية وما حولها.
شغب صبياني.. في الحق دومًا
لا يزال أهله يذكرون كيف كانت تأتيهم الشكاوى من مدرس التاريخ في مدرسته الثانوية، عندما كان مدرس التاريخ يطرد محمود من حصَّته عندما كان يتحدث عن تاريخ الدولة العثمانية والسلطان عبد الحميد، وكيف كان - حسب المنهج - تاريخًا أسود على الأمة، فكان محمود يقف له ليدافع عن هذا التاريخ، وينعت المنهج المدرسي بأنه "تاريخ مزور وغير حقيقي"، لم يكن هذا الأمر يروق للمدرس، فيطرده من الحصة، ويرسل بالشكاوى إلى والده، ويأبى محمود أن يقبل الظلم والكذب.
أول أجزائه السابقة للجنة.. بعض رئتيه وكبده
يقول شقيقه مصطفى: كنت على علاقة قوية جدًّا به، فكنا دومًا معًا، وذات يوم في عام 1988م كنت أنا وهو عائدين من المزرعة، وعند البلد قالوا: هناك مواجهات مع قوات الاحتلال، فوجدت "محمود" ينطلق كالريح ليشترك في المواجهات، فما كان من أحد الجنود إلا أن أطلق عليه النار فأصابه إصابات بالغة في الكبد والطحال والرئتين، ومنع جنود الاحتلال سيارة الإسعاف من نقله، وتقدم نحوه جندي وداس بقدمه على رأسه، وقال: "لازم تموت"، فرد محمود: "إذا كان لي عمر سوف أعيش رغمًا عن أنفك"، ثم بصق في وجه الجندي ودفعه جانبًا.يقول صديقه الدكتور عبد الوهاب صديق: عندما زرته في المستشفى، وقلت له: "الحمد لله على السلامة"، أجابني بحزن شديد "ليتها كانت شهادة".لم يتركه اليهود بعد شفائه من الإصابة، فقد جاء اليهود بعد شهر تمامًا من الإصابة واعتقلوه، واعتقلوا معه عشرين طفلاً صغيرًا كل ما يربطهم به أنه كان يحفظهم القرآن الكريم، ويشرح لهم أمور دينهم في مسجد "أبو خليل"، واستمر اعتقاله ستة أشهر.