( وأشرق الأمل في قلبي .. من جديد )[move]
هي الدنيا تلهو بأصحابها .. تلهيهم بملذاتها .. فيفرط الإنسان في جنب الله .. ويسرف على نفسه .. وينسى موعده القادم لا محالة .. أمام الله عز وجل .. ولكن إذا ما محي الران عن القلب وزالت الغشاوة عن العين .. أبصر دربه من جديد .. وأناب إلى رب السماوات و الأرض طالبا منه المغفرة والعون .. فيجيء المدد من رحيم كريم .. " قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون " .
ما زلت أتذكر وأنا طفل صغير .. أنني أُدخلت المستشفى لمدة أسبوع من جراء برد أصابني .. وعند خروجي سمعت الطبيب يخبر والدي بأن صحتي جيدة ولكن قد يكون لهذا المرض تأثير في المستقبل .
مضت سنون طويلة .. أصبحت شاباً ثم أباً .. أحياناً أشعر بالتعب والإرهاق من أقل مجهود أبذله .. ذهبت للمستشفى لإجراء فحوصات كاملة .. تبين أن لديّ ضعف في صمامات القلب .. وأحتاج إلى عملية في القلب .. وأن هذا الضعف من جراء برد أصابني في فترات سابقة أدى إلى روماتيزم في القلب .. حاولت أن أقنع الطبيب بعلاج أو راحة تغني عن العملية .. ولكنه أخبرني ..( إن حاجتك إلى العملية ستكون بعد عدة شهور ) ..
وستتأكد من ذلك بنفسك .. وفعلاً بعد عدو شهور .. بدأ الضعف ينتابني والإرهاق يبدو عليّ .. وقررت الرضا بقضاء الله وقدره وان أسلم أمري إلى الله .. بعد إجراء فحص شامل وما يتبعه من إجراءات .. تم أخذ موعد لكي أحضر للمستشفى للإقامة وذلك قبل موعد إجراء العملية بيوم .. وكان ذلك .
بدأت زيارة الأقارب في اليوم الأول .. كنت مرتاح البال مطمئن الخاطر .. جلست مدة تزيد عن ساعة مع الطبيب الجراح الذي سيقوم بإجراء العملية .
في الليلة التي سبقت موعد العملية نمت نوماً هادئاً لم أفكر في شيء .. مطلقاً .. ومع أذان الفجر استيقظت .. سمعت الأذان .. وسمعت صداه في داخلي .. هز كياني .. طرقني هاجس .. تغير هدوئي .. لا أعرف ماذا جرى لي.. العملية صعبة .
ربما هذه آخر أيامك في هذه الحياة .. ربما هذا آخر أذان تسمعه في حياتك .. وأخذت تتجاذبني الهواجس من كل جانب .. أين كنت فيما مضى ؟! سؤال جعل الدمع ينهمر من عيني .. مرت حياتي الماضية كحلم .. أين أنا عن الآخرة .. ها هو ذا الموت قد اقترب .. وحين رفعت بصري فإذا بالممرض يقف على رأسي .. ما بك ؟! لم أجبه .. ليس لدي جواب .. لكنه لاحظ اضطرابي وقلقي .. وربما يتوقع ذلك فقد كان يحمل بيده إبرة منومة .. سلمت يدي .. وأنا أعلم أنني سأسلم قلبي للجراح .. وقبل ذلك كله .. سلمت أمري لله .. سيُفتح صدري .. وسيتوقف قلبي عن النبض طوال العملية .. وعند الانتهاء من العملية .
سترسل شحنة كهربائية لتنشيط القلب وإعادته مرة أخرى للنبض ..وفي حالة عدم الاستجابة .. ستكرر الصدمة الكهربائية مرة ثانية .. بعدها سأُحمل على الأعناق .. معرفتي بكل التفاصيل هي التي جعلتني أرى الحياة هينة ورخيصة ..
كيف أنني فرطت في عمري .. غفوت بعد لحظات من أخذ الإبرة .. علمت فيما بعد .. أن الجراح عمل في قلبي لمدة ثماني ساعات متواصلة .. حمدت الله أن قلبي استجاب للصدمة الكهربائية الأولى .. بعد خروجي من المستشفى .. كل يوم آخذ في مراجعة أيامي .. أتذكر تلك اللحظة التي انهمر الدمع فيها وأنا على سرير الموت .. كيف سأواجه الله ؟! وبماذا ؟؟ وكلما تذكرت تلك اللحظة ازددت طاعةً وقرباً من الله .. وكلما جذبتني نفسي للتقصير والكسل .. تذكرت ذلك الموقف .. حمدت الله أنني عدت للحياة من جديد . [/size]