وظائف المسلم في يوم الجمعة
د. مهران ماهر عثمان
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛
فهذه جملة من الوظائف حري بالمسلم أن يُعنى بها يوم الجمعة، وهي:
قراءة السجدة والإنسان في فجر الجمعة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ {ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةُ، وَ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [ابن ماجة]
غسل الجمعة:
عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» [البخاري ومسلم]
وعن عَبْدِ اللَّهِ بن عمر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِىَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ»[البخاري ومسلم].
وفي سنن أبي داود أنّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بينا هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل، فقال عمر: أتحتبسون عن الصلاة؟ فقال الرجل: ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت. فقال عمر: والوضوءَ أيضاً!؟ أو لم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل».
التبكير إلى المسجد:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ في الساعةِ الأولى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» [أخرجه البخاري ومسلم].
وعن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من غسل يوم الجمعة واغتسل، وبكَّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها» [رواه أحمد وأبو داود والترمذي].
لبس أحسن الثياب:
قال الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]. والزينة: الثياب.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن سَلامٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ -عَلَى الْمِنْبَرِ- :«مَا عَلَى أحدِكم لو اشترى ثَوْبَيْنِ لِيَومِ الْجُمُعَةِ، سِوى ثَوْبَيِ الْمِهْنَةِ» [أبو داود وابن ماجة].
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى حُلَّةً سِيَرَاءَ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا لِلنَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ فِى الآخِرَةِ » [أخرجه البخاري].
وإنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم نوع الثياب، ولم ينكر أن يلبس الإنسان أفضل ما عنده يوم الجمعة.
السواك:
عن أبي سعيد الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ، وَسِوَاكٌ، وَيَمَسُّ مِنَ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ» [البخاري ومسلم].
التنظف والتطيب والإنصات للإمام:
عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ، وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ، ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ، ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى» [أخرجه البخاري].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من توضأ يوم الجمعة فأحسن الوضوء [وفي رواية: من اغتسل]، ثم أتى الجمعة، فدنا واستمع و أنصت، غفر له ما بينه و بين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام» [رواه أحمد].
والفرق بين الاستماع والإنصات أن الاستماع: الإصغاء، والإنصات: السكوت.
وفي مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «يحضر الجمعة ثلاثة نفر: رجل حضرها يلغو وهو حظه منها، ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله عز و جل إن شاء أعطاه وإن شاء منعه، ورجل حضرها بإنصات وسكون ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحداً فهو كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام، وذلك بأن الله يقول : {من جاء بالحسنة فله عشر أمثاله}» .
قراءة سورة الكهف:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» [أخرجه النسائي والبيهقي والحاكم].
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ؛ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ». قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمْتَ؟ فقالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ» [سنن أبي داود].
صلاة الجمعة:
قال تعالى :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة الجمعة، الآية: 9]
ويوضح قتادة رحمه الله المراد بالسعي بقوله: أن تسعى بقلبك وعملك، وهو المضيّ إليها
وأما السعي الذي هو العَدْو فقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَأْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا، وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا » [أخرجه البخاري ومسلم].
وعَنْ حَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» [النسائي].
القراءة في صلاة الجمعة:
والسنة أن يقرأ الجمعة والمنافقون، أو: سبح والغاشية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بهما كما رواه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو يقرأ في الأولى بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، وفي الثانية بـ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية}.
الدعاء:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم :«إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ» وَقَالَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا [البخاري ومسلم].
فعلى المسلم أن يجتهد يوم الجمعة بالدعاء في ساعتين:
الأولى: آخر ساعة من العصر:
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِصلى الله عليه وسلم:«خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ ... وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا» قَالَ كَعْبٌ : ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ ؟ فَقُلْتُ : بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ . قَالَ : فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَأَخْبِرْنِي بِهَا. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ . فَقُلْتُ : كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي»، وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا ؟! فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ»؟ قَالَ: فَقُلْتُ: بَلَى. قَالَ: هُوَ ذَاكَ [أبو داود والترمذي]، وفي رواية :«فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر» [رواه أبو داود والنسائي والحاكم].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد صلاة العصر إلى غيبوبة الشمس» [رواه الترمذي].
والثانية: ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة:
فعن أبي بردة بن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة؟ قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن تقضى الصلاة » [رواه مسلم].
النافلة البعدية لصلاة الجمعة:
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلي ركعتين [أخرجه أبو داود].
وله أن يصلي أربعاً؛ لحديث أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: « مَنْ كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا» [أخرجه مسلم].
وقد قيل: إن صلى في المسجد صلى أربعا وإن صلى في بيته صلى ركعتين.
والصحيح أنه إذا صلّى ركعتين أو أربعاً في البيت أو المسجد فقد أصاب السنة، والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،،،
اللهم صلي على محمد وعلي آل محمد كما صليت
على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد