قصة عزيزة تثلج قلوب المسلمين في أيام أحزانهم الطويلة
قصة من واقع الحياة, عاصرها كل من ولدوا خلال ربع القرن الأخير من القرن العشرين
مثلها مثل كل قصص المسلمين وتاريخهم وسيرة الصالحين فيهم
تعتمد على الواقع والرؤية العينية والشهود, لذا فهي دائماً تخترق العقول والقلوب بصدقها
قصة إسلام الشيخ العزيز الراحل إبراهيم خليل, رحمه الله رحمة واسعة وأدخله فسيح جناته.
حصل على دبلوم كلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة عام 1948، ثم ماجستير في الفلسفة واللاهوت من جامعة "برنستون" بالولايات المتحدة الأمريكية عام 1952.
ثم عاد إلي مصر مكلفاً بالعمل راعياً بالكنيسة الإنجيلية وأستاذاً للعقائد واللاهوت بكلية اللاهوت بمدينة أسيوط جنوب مصر, حتى عام 1953.
ثم ترقى إلى منصب سكرتيراً عاماً للإرسالية الألمانية السويسرية بمدينة أسوان ، ومنصراً بين المسلمين في المنطقة المحصورة بين محافظتي أسيوط وأسوان حتى عام 1955.
و يتحدث "إبراهيم خليل أحمد" عن قصة دخوله الإسلام فيقول :
" في إحدى الأمسيات من عام 1955 , سمعت القرآن مذاعاً بالمذياع، وسمعت قوله تعالى: ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً) (الجـن: 1 ،2)
كانت هاتان الآيتان, بمثابة الشعلة المقدسة التي أضاءت ذهني وقلبي للبحث عن الحقيقة.
في تلك الأمسية, عكفت على قراءة القرآن حتى أشرقت شمس النهار، وكأن آيات القرآن نورٌ يتلألأ، وكأنني أعيش في هالة من النور, ثم قرأت القرآن مرة ثانية فثالثة فرابعة حتى وجدت قوله تعالى: ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ أصره وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (لأعراف:157) من هذه الآية, قررت أن أقوم بدراسة متحررة للكتاب المقدس، ولأكون صادقاً مع نفسي وواجداً الوقت الكافي لدراستي وتحرير ما علق في ذهني بالإنجيل من شبهات, فقررت الاستقالة من عملي كقسيس ومن عملي كسكرتير عاماً للإرساليتين الأمريكية والألمانية بأسوان .
ولما نفذت قراري, وبدأت بوادر نور الحق تسطع في عقلي, تآمر عليّ مجموعة من الأطباء المكلفين من الكنيسة التي أتبعها, وكانت ترعاني وأرعاها منذ أيام قليلة, وأتولى شئون المئات من شعبها, وأشاعوا أنني مختل العقل، فصبرت وصمدت بكل ثقة في الله، وسافرت إلى القاهرة حيث عملت بشركة للأدوات المكتبية والهندسية، وفي أثناء عملي بها, طلب مني مدير الشركة, النصراني العقيدة, طبع تفسير جزء عم باللغة الإنجليزية كعمل تجاري، فتعهدت له بإنجاز هذا العمل، وكان يظنني مسلماً، وحمدت الله أنه لم يفطن لنصرانيتي ، فكان هذا التكليف بالنسبة لي, دراسة إسلامية, متحررة من ثياب الدبلوماسية, حتى شرح الله صدري للإسلام، ووجدت أنه لابد من الاستقالة من العمل كخطوة أولى لإعلان إسلامي ، وفعلاً قدمت استقالتي في عام 1959, وأنشأت مكتباً تجارياً خاصاً في نفس تخصص عملي بالأدوات المكتبية والمدرسية والهندسية, ونجحت في عملي الجديد والحمد لله.
فلما استقرت أموري وأحسست بصدق تحولي من الشرك إلى التوحيد, وتمكنت من ديني الجديد وتمكن هو مني, فأرسلت برقية في 25 ديسمبر عام 1959 للإرسالية الأمريكية التي كنت أتبعها بمصر الجديدة, وأخطرتها بأنني آمنت بالله الواحد الأحد وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، ثم قدمت طلباً إلى المحافظة للسير في الإجراءات الرسمية لإشهار إسلامي, وتم تغيير اسمي من "إبراهيم خليل فيلبس" إلى "إبراهيم خليل أحمد"، وتضمن القرار تغيير أسماء أولادي على النحو التالي : إسحاق إلى أسامة، وصموائيل إلى جمال، وماجدة إلى نجوى.
ثم يستطرد الشيخ قائلاً: " فارقتني على الفور زوجتي, بعد أن استنكرت عليّ وعلى أولادي أن نعتنق الإسلام ونعلن الإيمان بالتوحيد، كما قررت البيوتات الأجنبية التي تتعامل في الأدوات المكتبية ومهمات المكاتب عدم التعامل معي, إذ كانت كلها ملكاً لنصارى أجانب أو مصريين، ومن ثم أغلقت مكتبي التجاري، واشتغلت كاتباً في شركة براتب شهري 15 جنيهاً شهرياً, وكان دخلي من قبل لا يقل عن 80 جنيهاً.
وفي هذه الأثناء, درست السيرة النبوية، وكانت دراستها لي عزاء ورحمة, إذ أن الحرب أعلنتها الإرسالية المنتشرة بنفوذها في كل مكان من أنحاء القطر المصري, وتم فصلي من هذه الوظيفة المتواضعة، فقد استطاع العملاء الأمريكان أن يوغروا صدر القائم على الشركة ضدي حتى فصلني، وظللت بعدها ثلاثة أشهر بلا عمل, حتى عينت في المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وذلك إثر محاضرة قد ألقيتها, وكان عنوانها: لماذا أسلمت؟
ثم يضحك ابراهيم خليل أحمد بمرارة شديدة وسخرية أشد, وهو يقول: أتاح لي عملي الجديد, الفرصة الكبيرة لخدمة ديني الجديد والزود عنه وفضح ما عليه ديني السابق من وثنية وشرك وضلال وإضلال,وقمت بإلقاء عشرات من المحاضرات العلمية المدعمة بالأسانيد الشرعية والأكاديمية في علم الأديان المقارن, متجولاً بمساجد الله في الإسكندرية والمحلة الكبرى وأسيوط وأسوان وغيرهم من محافظات ومدن مصر, مكفراً عن ذنوبي السابقة, أواصل الليل بالنهار داعياً في سبيل الله، فاهتزت أركان الكنيسة من حولي لهذه المحاضرات, بعد أن علمت أن كثيراً من الشباب النصراني قد اعتنق عن قناعة بدين الإسلام.
وعلى الفور تولت الكنيسة إثارة الجهات المسئولة ضدي، حتى أن وزارتي الأوقاف والداخلية طلبتا مني أن أكف عن إلقاء المحاضرات, وإلا تعرضت لتطبيق قانون الوحدة الوطنية, متهماً بإثارة الشغب وإثارة الفتنة.
ثم يصمت في أسى ليقول بعدها: هذا الاختناق دفعني دفعاً إلى أن أقرر الهجرة إلى المملكة العربية السعودية, حيث أضع كل خبراتي في خدمة كلية الدعوة وأصول الدين هناك.
ثم يعود مستدركاً وموضحاً لما سبق أن أشار إليه عن أسباب اعتناقه للإسلام، فيقول: " إن الإيمان لابد أن ينبع من القلب أولاً، والواقع أن إيماني بالإسلام تسلل إلى قلبي خلال فترات طويلة كنت دائماً أقرأ فيها القرآن الكريم, وأقرأ تاريخ الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم, وأحاول أن أجد أساساً واحداً يمكن أن يقنعني أن محمداً, هذا الإنسان الأمي الفقير البسيط يستطيع وحده أن يحدث كل تلك الثورة التي غيرت تاريخ العالم ولا تزال.
استوقفني كثيراً نظام التوحيد في الإسلام, وهو من أبرز معالم الإسلام: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )(الشورى: من الآية11) ، ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ٌاللَّهُ الصَّمَدُ) (الإخلاص: 1 ،2)
ويرفع الشيخ رأسه متأملاً في السماء ويقول:
نعم, التوحيد يجعلني عبداً لله وحده، ولست عبداً لأي إنسان, التوحيد هنا يحرر الإنسان ويجعله غير خاضع لأي إنسان، وتلك هي الحرية الحقيقية ، فلا عبودية إلا لله وحده .. عظيم جداً نظام الغفران في الإسلام ، فالقاعدة الأساسية للإيمان تقوم على الصلة المباشرة بين العبد وربه ، فالإنسان في الإسلام يتوب إلى الله وحده، لا وجود لوسطاء، ولا لصكوك الغفران أو كرسي الاعتراف؛ لأن العلاقة مباشرة بين الإنسان وربه.
و يختتم كلامه وقد انسابت تعابيره رقراقةً: " لقد شعرت براحة نفسية عميقة وأنا أقرأ القرآن الكريم, فأقف طويلاً عند الآية الكريمة: { لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )(الحشر: من الآية21)
كذا الآية الكريمة: { لتجدنَّ أشد الناس عداوةً للذين آمنوا )لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ . وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة: 82 ، 83 )
لذلك كله اتخذت قراري بإشهار إسلامي، بل وعليّ القيام بالدعوة لدين الإسلام الذي كنت من أشد أعدائه، يكفي أنني لم أدرس الإسلام في البداية إلا لكي أعرف كيف أطعنه وأحاربه، ولكن النتيجة كانت عكسية, فبدأ موقفي يهتز, وبدأت أشعر بصراع داخلي بيني وبين نفسي, واكتشفت أن ما كنت أنصر به وأقوله للناس, كله زيف وكذب وخيال.
قال تعالى إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ . وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً . فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً) (النصر:3)
فسبحان الله وبحمده نستغفره ونتوب إليه .
بتصرف من أحد المنتديات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته