.
.
.
نهض أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أمير أعظم دولة فى ذاك الزمان
وسار مجللاً بالهيبة والوقار بوجه يعلوه الإيمان وجسم فارع الطول عليه
جبة قديمة بها 12 رقعة !! سار خلفه عدد من الصحابة ، أخذوا ينظرون
إلى جبته القديمة ، وقال بعضهم لبعض : ما رأيكم فى زهد هذا الرجل ؟
لقد فتح الله على يديه بلاد كسرى وقيصر وطرفى المشرق والمغرب
وتأتى إليه وفود العرب والعجم من كل مكان فيستقبلهم وعليه هذه الجبة
القديمة ذات الرقع الكثيرة
اقترح بعضهم أن يتقدم إليه بعض كبار الصحابة الذين جاهدوا مع رسول
الله صلى الله عليه وسلم ويحاولوا إقناعه بأن يستبدل هذه الجبة القديمة
بثوب جميل وأن يقدَّم له جفنة الطعام فى الصبح والمساء . قال البعض الآخر :
لا يجرؤ أحد على أن يتحدث إليه فى هذا الأمر إلا على بن أبى طالب أو ابنته حفصة
فهى ذات مكانة عالية فى نفسه لأنها زوجة
الرسول صلى الله عليه وسلم إحدى أمهات المؤمنين
ذهبوا إلى علىّ بن أبى طالب رضى الله عنه وعرضوا الأمر عليه فقال
لن أفعل هذا ، ولكن عليكم بأزواج النبى صلى الله عليه وسلم فإنهن :
أمهات المؤمنين ويستطعن عرض الأمر عليه ، فلما سمعوا رأى الإمام
علىّ بحثوا فى الأمر أ واستقر الرأى على أن تقوم كل من أم المؤمنين
عائشة وحفصة رضى الله عنهما بتلك المهمة ، فدخلت عائشة وحفصة
على أمير المؤمنين عمر ، فقربهما وأحسن استقبالهما ، فبدأت عائشة
بالحديث قائلة : يا أمير المؤمنين ، هل تأذن لى بالكلام ؟ قال ك تكلمى
يا أم المؤمنين ، فقالت ما معناه : لقد مضى رسول الله إلى سبيله إلى
جنته ورضوانه ، لم يرد الدنيا ولم ترده ، وكذلك مضى أبو بكر من بعده
وقد فتح الله على يديك كنوز كسرى وقيصر وديارهما وحمل إليك
أموالهما ، وخضعت لك أطراف المشرق والمغرب ، ونرجو من الله
المزيد وفى الإسلام التأييد ، وقد أصبح العجم يبعثون إليك رسلهم
ووفود العرب تأتى إليك من كل مكان وأنت تستقبلهم بتلك الجبة القديمة التى
رقعتها ب 12 رقعة ، فلو غيَّرتها بثوب ليِّن يُهاب فيه منظرك ، وأيضاً
يأتونك بجفنة طعام فى أول النهار وأخرى فى آخر النهار تأكل منها أنت
ومن حضر معك من المهاجرين
تأثر أمير المؤمنين تأثراً بالغاً حتى بكى بكاءً شديداً ، سأل أم المؤمنين
عائشة قائلاً : هل تعلمين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شبع من خبز
قمح عشرة أيام أو خمسة أيام أو ثلاثة أيام أو جمع فى يوم بين عشاء
وغداء حتى لحق بربه ؟ قالت : لا . استمر عمر رضى الله عنه فى
حديثه لهما قائلاً : أنتما زوجتا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكما حق
على المؤمنين عامة وعلىَّ خاصة ، ولكنكما أتيتمانى ترغباننى فى الدنيا
وإنى أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس جبَّة من صوف وربما
حكَّ جلده من خشونته ، هل تعلمان ذلك ؟ قالتا : نعم . ثم قال أمير
المؤمنين لعائشة : ألا تعلمين أن رسول الله كان يرقد على عباءة تكون
له بالنهار بساطاً وبالليل فِراشاً ، فندخل عليه ونرى أثر الحصير فى
جنبه ؟ ثم قال لحفصة : ألا تذكرين يا حفصة حين قلتِ لى أنك ثنيتِ
الفِراش للنبى ذات ليلة فشعر بلينه فرقد ولم يستيقظ بالليل إلا حينما سمع
آذان بلال ، فقال لكِ النبى : يا حفصة ، ماذا صنعتِ ؟ أثنيتِ المِهاد حتى
ذهب بى النوم إلى الصباح ؟ مالى ومال الدنيا ومالى شغلتمونى بلين
الفِراش !! وفى النهاية قال لابنته : يا حفصة ، إن رسول الله صلى الله
عليه وسلم كان مغفور له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر ، ومع ذلك فقد أمسى
جائعاً ورقد ساجداً ولم يزل راكعاً وساجداً وباكياً ومتضرعاً أناء الليل
والنهار إلى أن قبضه الله برحمته ورضوانه ، ثم قال : لا أكل عُمَر طيباً
ولا لبس ليناً ، بل سيكون له فى صاحبيه أسوة وقدوة ، وقطع عُمَر عهداً
على نفسه ألا يجمع بين طعامين فى وقت واحد سوى الملح والزيت ولا
يأكل لحماً إلا مرة كل شهر ، فخرجت عائشة وحفصة وأخبرتا الصحابة
بما حدث ، وظل عمر ماضياً فى طريقه إلى أن لقى ربه شهيداً سعيداً
غفر الله لك يا عُمَر وأسكنك جنة عرضها كعرض السموات والأرض
أعدت للمتقين وجعلنا من رفقائك ورفقاء الرسول والصدِّيق والمهاجرين والأنصار إن شاء الله تعالى