الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
من المسائل التي قد لا ينتبه إليه أكثر الناس عند دفنهم لموتاهم ، مسألة أن يحثي الحضور على القبر ثلاث حثيات .
وترك هذا العمل ناتج غالبا عن الجهل به ، لهذا آثرتُ أن أقدم قول العلماء في هذه المسألة على النحو التالي :
في المسألة قولان للعلماء :
الأول وهو الأصح:
يستحب لكل مَـنْ على القبر أن يحثي عليه ثلاث حثياث تراب بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، وهذا الحثي باليدين جميعا .
وبهذا قال الشافعي ، وابن حبيب المالكي ، وهو مشهور مذهب أحمد.
والقول الثاني :
لمالك رحمه الله .
فقال : لا أعرف حثيات التراب في القبر ثلاثا ، ولا أقل ، ولا أكثر ، ولا سمعت من أمر به ، والذين يلون دفنها يلون رد التراب عليها .
انظر مواهب الجليل شرح مختصر خليل [ج2 -ص228]
حجة القول باستحباب تلك الحثيات :
احتج أصحاب القول الأول بحديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفيه
: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ، ثُمَّ أَتَى قَبْرَ الْمَيِّتِ، فَحَثَى عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ ثَلاثًا»
رواه ابن ماجة [1565] وغيره.
وإسناده : ظاهر الصحة ، فصححه البوصيري في زوائد ابن ماجة ، كما حكم عليه بالصحة ابن حجر في تلخيص الحبير [ج2- ص264]
ونقل ابن حجر تصحيح ابن أبي داود له أيضا ، كما صححه الألباني في الإرواء [751] كما قال عنه النووي في المجموع [ج5 - ص257] أنه جيد الإسناد.
والعلة التي ذكرت في الحديث : كما أخبر ابن حجر في التلخيص ، هي قول أبي حاتم هن الحديث ، بأنه باطل ، مع قول ابن حجر عنه بأنه ظاهر الصحة ، فقال : بان مثل أبي حاتم لا يقول مثل ذلك إلى بدليل عنده.
وقد أجاب الألباني على قول أبي حاتم هذا إجابة شافيه ، وذكر طرقا أخرى للحديث هناك ، مما يظهر منه أن الحديث إن شاء الله صحيحا.
ويؤيد القول بصحة الثلاث حثيات ، ما جاء عن السلف وفعلهم لهذا الأمر.
فقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ، قال «كَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَلْحَدُونَ لِمَوْتَاهُمْ، وَيَنْصِبُونَ اللَّبِنَ عَلَى اللَّحْدِ نَصْبًا، ثُمَّ يَحْثُونَ عَلَيْهِمُ التُّرَابَ» وَبِهِ نَأْخُذُ.
وذكر ذلك عبد الرزاق ، عن ابن عباس وعلي بن أبي طالب.
واستحب أصحاب الشافعي أن يقول في الحثية الأولى (منها خلقناكم) وفي الثانية (وفيها نعيدكم) وفي الثالثة (ومنها نخرجكم تارة أخرى) جاء هذا في حديث عند أحمد وفي إسناده ضعف.
ولفظ الحديث :
عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: لَمَّا وُضِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ ابْنَةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَبْرِ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ، وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى) [طه: 55] .
قَالَ: ثُمَّ لا أَدْرِي أَقَالَ: بِسْمِ اللهِ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ؟ أَمْ لا، فَلَمَّا بَنَى عَلَيْهَا لَحْدَهَا طَفِقَ يَطْرَحُ لَهُمُ الْجَبُوبَ وَيَقُولُ: سُدُّوا خِلالَ اللَّبِنِ . ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَلَكِنَّهُ يَطِيبُ بِنَفْسِ الْحَيِّ . أحمد في المسند [22187] والحاكم في المستدرك [3433]
وعلة السند : عبيد الله بن زحر ، وعلي بن يزيد ، فكلاهما ضعيف.
أما قول : بسم الله وعلى ملة رسول الله عند الدفن ، فصحيح ثابت :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( إِذَا وَضَعْتُمْ مَوْتَاكُمْ فِي الْقُبُورِ، فَقُولُوا : بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
أحمد [22187] الترمذي [1046] والحديث صححه الألباني والأرناؤوط.
هذا والله أعلم.