<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
اخواني الاعزاء سوف تجدون هنا تفسير القراءن
السورة الاولى ( البقرة)
ذكر ما ورد فيه فضلها
أولاً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أو رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبوراً فإن البيت الذي تقرأ في سورة البقرة لا يدخله الشيطان".
ثانياً: عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ لكل شيءٍ سناماً، وإنَّ سنان القرآن البقرة، وإن من قرأها في بيته ليلة لم يدخله الشيطان ثلاث ليال".
ثالثاً: عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذي كانوا يعملون به، وتَقْدُمهم سورة البقرة وآل عمران".
بسم الله الرحمن الرحيم
[الم] اختلف المفسرون في الحروف المقطعة التـي في أوائل السور، فمنهم من قال: هي مما استأثر الله بعلمه فردوا علمها إلى اله ولم يفسرهوها حكاه القرطبي في تفسيرة، ومنهم من فسرها واختلف هؤلاء في معناها فقال بعضهم: هي أسماء السور، وقال الزمخشري: وعلى إطباق الأكثر، وقيل: هي اسم من أسماء الله تعالة يفتتح بها السور، فكل حرف منها دل على اسم من أسمائه وصفةٍ من صفاته، فالألف مفتاح اسم (الله) واللام مفتاح اسمه (لطيف) والميم مفتاح اسمه (مجيد)، وقال آخرون، إنما ذكرت هذه الحروف في أوائل السور التـي ذكرت فيها بياناً لـ (إعجاز القرآن) وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله.
قال الزمخشري: ولم ترد كلها مجموعة في أول القرآن، وإنما كررت ليكون أبلغ في التحدي والتبكيت، كما كررت قصص كثيرة، وكرر التحدي الصريح في أماكن، وجاء منها على حرف واحد مثل [ص] وحرفين مثل [حم] وثلاثة مثل [الم] وأربعة مثل [المص] وخمسة مثل [كهيعص].
قال ابن كثير: ولهذا كل سورة افتتحت بالحروف فلا بد أن يذكر فيها الانتصار للقرآن، وبينا إعجازه وعظمته.
ذلكَ الكتبُ لا ريبَ فيهِ هدىً للمتُقين
[ذلك الكتاب] قال ابن عباس: أي هذا الكتاب. والكتاب: القرآن، ومن قال: إن المراد بذلك الإشارة إلى التوراة والإنجيل فقد أبعد النجعة، وأغرق في النزع، وتكلف ما لا علم له به. والريب: الشك: لا شك فيه، روي ذلك عن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال ابن أبي حاتم: لا أعلم في هذا خلافاً.
والمعنى: إن هذا الكتاب (القرآن) لا شك فيه أنزل عن عند الله، أي لا ترتابوا فيه. وخصت الهداية للمتقين كما قال تعالى: [قلْ هو للذين آمنوا هدى وشفاء] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اختصاص المؤمنين بالنفع بالقرآن، لأنه هو في نفسه هدى، ولكن لا يناله إلا الأبرار. قال السدي: [هدى للمتقين] يعني نوراً للمتقين، وعن ابن عباس: المتقون هم المؤمنون الذي يتقون الشرك ويعملون بطاقة الله.
ويطلق الهدى ويراد به ما يقر في القلب من الإيمان، وهذا لا يقدر على خلقه في قلوب العباد إلا الله عزّ وجلّ.
الذين يُؤمنونَ بالغيبِ ويُقيمونَ الصلوةَ ومَّما رزقنهم يُنقيون
الإيمان في اللغة: يطلق على التصديق المخص كما قال تعالى: [يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين]، وكذلك إذا استعمل مقروناً مع الأعمال: [إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات]. فأما إذا استعمل مطلقاً فالإيمان المطلوب لا يكون إلا اعتقاداً وقولاً وعملاً، هكذا ذهب أكثر الأئمة وحكاه الشافعي وأحمد إجماعاً: أن الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.
وأما الغيب المراد ههنا فقد اختلفت عبارات السلف فيه، عن ابن عباس وابن مسعود: الغيب ما غاب عن العباد من أمر الجنة وأمر النار وما ذكر في القرآن. وقال عطاء: من آمن بالله فقد آمن بالغيب. فكل هذه متقاربة ف معنى واحد والجميع مراد.
روى أحمد عن ابن محيريز قال: قلت لأبي جمعة حدثنا حديثاً سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نعم أحدثك حديثاً جيداً: "تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن الجراح فقال يا رسول الله: هل أحد خير منا؟ أسلمنا معك وجاهدنا معك، قال: نعم قومٌ من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني".
وقوله تعالى: [ويقيمون الصلاة] قال ابن عباس إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع والإقبال عليها فيها. وقال قتادة: إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها، وركوعها وسجودها.
[ومما رزقناهم ينفقون] قال ابن عباس: زكاة أموالهم. وقال ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نفقةُ الرجل على أهله، وهذا قبل أن تنزل الزكاة. قال ابن كثير: كثيراً ما يقرن الله تعالى بين الصلاة والإنفاق من الأموال، فإن الصلاة حق الله وعبادته وهي مشتملة على توحيده والثناء عليه، وتمجيده والابتهال إليه، ودعائه والتوكل عليه، والإنفاق هو الإحسان إلى المخلوقين بالنفع المعتدي إليهم.
والذينَ يُؤمنونَ بما أُنزلَ إليكَ وما أُنزلَ من قبلك وبالآخرة هُم يُوقنونَ
قال ابن عباس: أي يصدّقون بما جئت به من الله وما جاء به من قبلك من المرسلين، لا يفرقون بينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من ربهم [وبالآخرة هم يوقنون] أي بالبعث والقيامة، والجنة والنار، والحساب والميزان وإنما سميت (الآخرة) لأنها بعد الدنيا. وقد اختلف المفسرون في الموصوفين هنا.
والظاهر قول مجاهد: أربع آيات من سورة البقرة في نعت المؤمنين،
وآيتان في نعت الكافرين،
وثلاث عشرة في المنافقين
فهذه الآيات الأربع في كل مؤمن اتصف بها من عربي وعجمي وكتابي، من إنسي وجني، وليس تصح واحدة من هذه الصفات بدون الأخرى، بل كل واحدة مستلزمة للأخرى وشرط معها، فلا يصح الإيمان بالغيب إلا مع الإيمان بما جاء به الرسول، وما جاء به من قبله من الرسل، والإيقان بالآخرة، كما أن هذا لا يصح إلا بذاك، وقد أمر الله المؤمنين بذلك.
أولئكَ على هُدىً من ربِّهم وأولئكَ هُم المفلحون
يقول تعالى: [أولئك] أي المتصفون بما تقدم من الإيمان بالغيب، [على هدى] أي على نور وبيان وبصيرة من الله، [أولئك هم المفلحون] أي في الدنيا والآخرة، وقال ابن عباس [على هدى من ربهم] أي على نورٍ من ربهم واستقامة على ما جاءهم به [أولئك هم المفلحون] أي الذي أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شر ما هربوا.
إن الذينَ كفروا سواءٌ عليهم ءأنذرتهم أم لم تُنذرهُم لا يؤمنون
يقول تعالى: [إن الذين كفروا] أي غطوا الحق وستروه، سواء عليهم إنذارك وعدمه، فإنهم لا يؤمنون بما جئتهم به، وعن ابن عباس في قوله [إن الذين كفروا..] الآية قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبق له من الله السعادة في الذكر والأول، ولا يضل إلا من سبق من الله الشقاء في الذكر الأول.
وقوله تعالى: [لا يؤمنون] جملة مؤكدة للتي قبلها أي هم كفار في كلا الحالتين.
ختمَ اللهُ على قُلوبهم وعلى سمعهِم وعلى أبصرهِم غشاوةٌ ولهم عذاب عظيم
[ختم الله] أي طبع على قلوبهم وعلى سمعهم [وعلى أبصارهم غشاوة] فلا يبصرون هدى، ولا يسمعون ولا يفقهون ولا يعقلون. قال مجاهد: الختم: الطبعُ، ثبتت الذنوب على القلب فحفَت به من كل نواحيه حتى تلتقي عليه، فالتقاؤها عليه الطبع.
قال ابن جرير: وقال بعضهم: إن معنى قوله تعالى: [ختم الله على قلوبهم] إخبار من الله عن تكبرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دُعوا إليه من الحق.
ومنَ الناسِ من يقولُ أمنَّا باللهِ وباليومِ الآخرِ وماهم بمُؤمنين يخدعون الله والذين امنوا وما يخدعونَ إلا أنفسهم وما يشعرون
لما تقدم وصف المؤمنين في صدر السورة بأربع آيات، ثم عرف حال الكافرين بآيتين، شرع تعالى في بيان حال المنافقين، الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، ولما كان أمرهم يشتبه على كثير من الناس، أطنب في ذكرهم بصفات متعددة، كل منها نفاق، كما أنزل سورة "براءة" وسورة "المنافقين"
تعريف النفاق: هو إظهار الخير وإسرار الشر، وهو أنواع:
اعتقادي وهو الذي يخلد صاحبه في النار
عملي: وهو من أكبر الذنوب، لأن المنافق يخالف قوله فعله، وسرَّه وعلانيته، وإنما نزلت صفات المنافقين في السور المدنية لأن مكة لم يكن فها نفاق بل كان خلافه،
فقال تعالى: [ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر] أي يقولون ذلك إذا جاءوك فقط لا في نفس الأمر، وليس الأمر كذلك، كما كذبهم الله في شهادتهم بقوله: [والله يشهد إن المنافقين لكاذبون] وفي اعتقادهم بقوله: [وما هم بمؤمنين].
وقوله تعالى: [يخادعون الله والذين آمنوا] أي بإظهار ما أظهروه من الإيمان مع إسرارهم الكفر، يعتقدون ـ بجهلهم ـ أنهم يخدعون الله بذلك وأن ذلك نافعهم عنده، ولهذا قابلهم على اعتقادهم ذلك بقوله: [وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون] أي ما يغّرون بصنيعهم هذا إلا أنفسهم، وما يشعرون بذلك في أنفسهم، ومن القراء من قرأ: (وما يخادعون) وكلا القراءتين يرجع إلى معنى واحد.
في قلوبهم مرضٌ فزادهمُ اللهُ مرضاً ولهم عذابٌ أليمُ بما كانوا يكذبون
[في قلوبهم مرض] أي شك [فزادهم الله مرضاً] شكاً، وعن ابن عباس [مرض] نفاق [فزادهم الله مرضاً] نفاقاً، وهذا كالأول. [ولهم عذابٌ أليم بما كانوا يكذبون] وقرئ (يَكْذبون) و(يُكذبون) وقد كانوا متصفين بهذا وهذا، فإنهم كانوا كذبة ويكذبون بالغيب، يجمعون بين هذا وهذا، وحكمه كفه عليه الصلاة والسلام عن قتل المنافقين، مع علمه بأعيان بعضهم ما ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه: "أكره أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه"، ومعنى هذا خشيته عليه السلام أن يقع بسبب ذلك تغير لكثير من الأعراب عن الدخول في الإسلام، ولا يعلمون حكمة قتله لهم، وان قتله إياهم إنما هو على الكفر، فإنهم إنما يأخذونه بمجرد ما يظهر لهم فيقولون: إن محمداً يقتل أصحابه.
ومعنى هذا أن قالها جرت عليه أحكام الإسلام ظاهراً، فإن كان يعتقدها وجد ثواب ذلك في الآخرة، وإن لم يعتقدها لم ينفعه جريان الحكم عليه في الدنيا: [ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله].