د. عبد الكريم بكار
خلق الله تعالى الدنيا، وجعلها ميدان اختيار وابتلاء، فوفر فيها كل شروط الابتلاء؛ ولهذا فنحن نتقلب في أنواع من المشاق والصعوبات، ويمكن لنا أن نقول ابتداء: إن الواحد منا يواجه نوعين من المشكلات والتحديات:
1- تحديات خارجية، وهذه تتمثل في الآتي:
- بيئة متخلفة متحجرة بعيدة عن هدي الإسلام وعن مواكبة العصر، وهذه ذات تأثير سلبي جدًّا؛ لأنها تغذّي وعي من يعيش فيها بالصور السوداء وذكريات المحاولات الفاشلة.
- عدم وجود فرص كافية للعمل؛ مما يجعل الإنسان يشعر بأن كل ما لديه من معرفة وخبرة ومهارة بات أشبه بعملة غير قابلة للتداول.
- مشكلات داخل الأسرة، وهذه تتمثل في تسلط الآباء وفي النزاعات والمشاكسات التي تقع بين الزوجين.
- فساد مالي وإداري عام يجعل استقامة المستقيم عقوبة له، ويسهِّل الحركة أمام الفاسدين والمفسدين.
- وجود الكثير من المحترفين للتخذيل والتوبيخ عند أي انتكاسة يتعرض لها الإنسان.
- مرض يُقعد الإنسان عن ممارسة أنشطته، وعن العيش على نحو طبيعي.
هذه التحديات موجود بنسب مختلفة في كل زمان ومكان، وهي أدوات ابتلاء لبني الإنسان، لكن الذي ثبت أن كل ما هو خارجي -أي غير نابع من الذات- يظل هامشيًّا وقد يكون له دور إيجابي إذ يستنفر فينا القوى الكامنة، ويحرّض لدينا روح المقاومة والممانعة، وإن المتتبع لآيات الذكر الحكيم يجد أن هلاك الأمم السابقة لم يكن بسبب القصور في التعامل مع المعطيات البيئية أو بسبب مكائد الأعداء وسطوة المنافسين، وإنما كان بسبب زيغهم عن الحق، وهزائمهم الداخلية أمام رغباتهم وشهواتهم.
2- تحديات فكرية ونفسية تتمثل في الآتي:
- احتقار الذات والنظر إلى الإمكانات الذاتية على أنها أقل من أن تمكِّن صاحبها من الحصول على أي شيء ذي قيمة، وهذا كثيرًا ما يعود إلى سوء التربية في البيوت وقصور التعليم في المدارس.
- اليأس والإحباط بسبب الدخول في عدد من المحاولات الفاشلة، كمن يُقدِم على امتحان الثانوية العامة مرات عديدة، دون التمكن من اجتيازه.
- الخوف من المبادرة والانخراط في مشروعات كبيرة، والميل إلى البقاء في الساقة أو المؤخرة، وهذا يجعل الإنسان يعيش على هامش الحياة، ويتقوت من فتات الموائد.
- الخوف من التخطيط للحياة الشخصية، وهذا شأن أكثر من (95%) من الناس؛ وذلك بسبب الخشية من الالتزام ببذل جهود إضافية جديدة، وبسبب الخشية من الحرمان من بعض اللذات والمشتهيات وتغيير بعض العادات.
- جلد الذات وتوبيخها على نحو مبالغ فيه على كل خطأ أو تقصير.
ما العمل ؟
1- إن الناظر في تاريخ الأمم والمجموعات والأفراد يجد شيئًا مهمًّا، هو أن المشكلة التي ظلت تواجه البشرية لا تكمن في قلة الموارد وشح الطاقات والقدرات، وإنما تكمن في شيئين أساسيين، هما: ضعف الإرادة وسوء إدارة المعطيات الناجزة، وإن الإرادات يمكن تصليبها بشيء من المجاهدة في ذات الله تعالى، ونحن نعرف أشخاصًا كثيرين تخلصوا من كثير من عاداتهم السيئة، ووضعوا برامج جيدة للتحكم في أوقاتهم، فتحولوا من أشخاص أقل من عاديين إلى أشخاص ممتازين. كذلك نعرف مؤسسات كثيرة كانت على شفا الانهيار، وحين حظيت بإدارة جيدة انقلب وضعها رأسًا على عقب، وصارت من المؤسسات الرابحة والناجحة. ولهذا فإن الطريق إلى التحسن دائمًا مفتوح، لكن ليس هناك شيء مجاني.
2- حين نجد أنفسنا يائسين ومحبطين ومرتبكين، فلنراجع علاقتنا بالله ولنحاول إحياء تلك العلاقة من خلال الإكثار من القربات والطاعات ولنحسن الظن بالله تعالى ونفوض أمورنا إليه؛ حيث ثبت أن الإفلاس الروحي كثيرًا ما يُوقع المسلم في الحيرة، ويجعله يشعر بالعجز.
3 - من المهم أن نوقن أن لدى كل واحد منا فرصة للارتقاء ولتجويد العمل حتى في أكثر الظروف صعوبة وحرجًا. هناك إمكانية للتحسن، بشرط أن نعتمد مبدأ يقول: شيء خير من لا شيء، ومبدأ يقول: ما يُغلق باب حتى يُفتَح باب آخر، لكن قصورنا التربوي والثقافي يجعلنا ننشغل بالباب الذي أُغلقِِ عن الباب الذي فُتح.
4- ليس هناك شخص ضعيف، لكن هناك شخص لا يعرف نقاط قوته، وهذه حقيقة متألقة، وعلى كل واحد منا أن يبحث عن نقطة القوة التي لديه، ويحاول تنميتها، والتركيز عليها والعمل على استثمارها، وسيجد تقدمًا مذهلاً في وضعيته العامة.
5- الإنسان تابع لأفكاره ورؤاه، وكلما كانت رؤاه أكثر رحابه، وكانت أفكاره أكثر نضجًا ودقة، وجد سبيله إلى التحسن لاحبة وفسيحة، وكلما ظن أنه عاجز وضعيف وأن المجالات أمامه ضيقة ومزدحمة ووعرة، فإنه سيقعد عن طلب المكرمات، ويشعر بانسداد الآفاق وقلة الحيلة.
6- على المرء أن يحذر من عدوى الأرواح، ولهذا فإن على كل واحد منا الابتعاد عن مصاحبة اليائسين والمأزومين وأصحاب الرؤى السوداوية، وأن يدخل إلى عالم الناجحين؛ ليقبس من أرواحهم، ويتعرف على أسرار نجاحاتهم، ولله الأمر من قبل ومن بعد.