بسم الله الرحمن الرحيم
ـ هذه هي الديمقراطية فهل أنتم منتهون ـ
إلى الذين لا يزالون يعتبرون الاختلاف على الديمقراطية هو اختلاف في الوسائل والفرعيات التي لا تمس الأصول والاعتقاد .. !!
إلى دعاة الترقيع ، والتقميش ، والتوفيق .. !!
إلى الذين لا يزالون يتذرعون بجهل حقيقة الديمقراطية .. !!
إلى الذين يُلبسون الديمقراطية ـ زوراً وبهتاناً ـ ثوب الشورى والإسلام ..!!
إلى الذين يرون في الديمقراطية الحل الأمثل لمشكلات الإسلام والمسلمين .. !!
إلى الذين يروجون للديمقراطية ، ويدعون لها ، ثم يزعمون بعد ذلك أ نهم مسلمون .. !
إلى هؤلاء وغيرهم نقول : الديمقراطية تعني حكم الشعب ، واختيار الشعب ، والاحتكام إلى الشعب ؛ فلا تعلو سيادة الشعب سيادة ، ولا إرادته إرادة بما في ذلك إرادة الله ، التي لا اعتبار لها وليست لها أيَّة قيمة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين ..
الديمقراطية تعني أن مصدر التشريع والتحليل والتحريم هو الشعب وليس الله ، ويتم ذلك عن طريق اختياره لممثلين ينوبون عنه في مهمة التشريع وسن القوانين ..
وهذا يعني أن المألوه المعبود المطاع ـ من جهة التشريع ـ هو الإنسان وليس الله جلَّ في علاه .. وهذا مغاير ومناقض لأصول الدين والتوحيد ، يدل على ذلك قوله تعالى : ( إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه ) . وقوله تعالى : ( ولا يشرك في حكمه أحدا ) . وقوله تعالى : ( أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين مالم يأذن به الله ) . وقوله تعالى و إن أطعتموهم إنكم لمشركون ) . أي لأن عبدتموهم من جهة طاعتكم إياهم في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله ، فإنكم لعابدون لهم من دون الله ؛ لأن الشرك لا يطلق في القرآن أو السنة إلا لنوع عبادة تصرف لغير الله عز وجل .
وكذلك قوله تعالى : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) ، فهم أرباب من دون الله لماَّ اعترفوا لهم بحق التشريع والتحليل والتحريم وسن القوانين من دون الله تعالى .
الديمقراطية تعني رد أي نزاع أو اختلاف بين الحاكم والمحكوم إلى الشعب ، وليس إلى الله والرسول .. وهذا مغاير ومناقض لقوله تعالى : ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ، بينما الديمقراطية تقول : فحكمه إلى الشعب ، وليس غير الشعب .. !
وقال تعالى : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) ، فجعل الله عز وجل من لوازم الإيمان رد النزاع ـ أي نزاع ـ إلى الله والرسول ؛ أي إلى الكتاب والسنة ..
الديمقراطية تعني مبدأ حرية الاعتقاد والتدين ؛ فللمرء ـ في حكم الديمقراطية ـ أن يعتقد ما يشاء ، ويتدين بالدين الذي يشاء ، ووقت يشاء ، ولو أراد أن يرتد من الإيمان إلى الكفر والإلحاد فلا راد له ولا مُعيب عليه ..
أما حكم الإسلام فهو على نقيض ذلك ، وهويتمثل في قوله صلى الله عليه وسلم : " من بدل دينه فاقتلوه " ، وليس فاتركوه . وقوله صلى الله عليه وسلم : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة .. " ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بين يدي الساعة بالسيف ، حتى يُعبد الله تعالى وحده لا شريك له .. " .
ومعلوم أن الإسلام انتهى حكمه في أهل الكتاب إلى إحدى ثلاث : إما الإسلام ، وإما الجزية وهم صاغرون ، وإما القتل والقتال . أما عبدة الأوثان من مشركي العرب وغيرهم فليس لهم إلا الإسلام أو القتل والقتال ..
وكذلك يوم نزول عيسى عليه السلام ـ كما دلت على ذلك السنة ـ فإنه يكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ويسقط الجزية ، ولا يقبل من مخالفيه ـ بما فيهم أهل الكتاب ـ إلا الإسلام ، أو القتل والقتال ..
على ضوء هذه الحقائق والنصوص ، وغيرها من النصوص الشرعية ذات العلاقة بالمسألة يجب أن يفهم قوله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) …
الديمقراطية تعني مبدأ حرية التعبير والإفصاح ، أيَّاً كانت صفة هذا التعبير ؛ ولو كان شتماً لله ولرسوله ، وطعناً في الدين ، إذ لايوجد في الديمقراطية شيء مقدس يحرم الخوض فيه أو التطاول عليه بقبيح القول .. وأي إنكار على ذلك يعني إنكار على النظام الديمقراطي برمته ، ويعني تحجيم الحريات المقدسة في نظر الديمقراطية والديمقراطيين ..
وهذا عين الكفر في دين الله ؛ إذ لا حرية في الإسلام لكلمة الكفر والشرك ، للكلمة التي تفسد ولا تصلح ، وتدمر ولا تبني ، وتفرق ولا توحد ..
قال تعالى : ( لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم ) .
وقال تعالى قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون . لاتعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم).
وهذه آيات نزلت في نفرٍ قالوا وهم في طريقهم إلى غزوة تبوك عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ، ولا أكذب ألسناً ، ولا أجبن عند اللقاء .. فكفروا بذلك بعد أن كانوا مؤمنين .
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأساً يهوي بها سبعين خريفاً في النار " .
وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال : قلت يارسول الله ما أخوف ما تخاف علي ؟ فأخذ بلسان نفسه ، ثم قال : " هذا " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من وقاه الله شر ما بين لحييه وشر ما بين فخذيه دخل الجنة "
وقال صلى الله عليه وسلم : " وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم"
فأين الديمقراطية من هذا الأدب الرفيع الذي جاء به ديننا الحنيف .. ؟
الديمقراطية ـ يا قوم ـ تعني العلمانية بكل أبعادها ؛ حيث تقوم على مبدأ فصل الدين ـ أي دين ـ عن الدولة والحياة ، فالله تعالى ليس له في نظر الديمقراطية سوى الزوايا ، والمساجد ، والكنائس والمعابد شريطة أن لا يكره أحد على دخول هذه الأماكن ، وما سوى ذلك من جوانب الحياة السياسية والاقتصادية ، والاجتماعية وغيرها فهي ليست من خصوصياته ، وإنما هي من خصوصيات الشعب وحده .. وللشعب كذلك صلاحيات التدخل في شؤون والمساجد لو اقتضت الضرورة ذلك ..
( فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون ) .
وقال تعالى : ( ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقاً وأعتدنا للكافرين عذاباً أليما ) .
( أولئك هم الكافرون حقاً ) هو حكم كل ديمقراطي علماني يفصل الدين عن الدولة والسياسة ، وشؤون الحياة .. وإن زعم بلسانه ـ ألف مرة ـ أنه من المسلمين المؤمنين .
الديمقراطية تعني مبدأ الحرية الشخصية للفرد ، فالمرء له ـ في ظل الديمقراطية ـ أن يفعل ما يشاء ، من الموبقات والفواحش والمنكرات .. من غير حسيب ولا رقيب !
والإباحية التي عرفت بها فرق الزندقة عبر التاريخ ، ماذا تعني غير ذلك .. ؟!
الديمقراطية تعني أن الذي يختاره الشعب هو الذي يحكم البلاد والعباد ، ولو كان المختار كافراً زنديقاً مرتداً عن دين الله ..
وهذا مناقض لقوله تعالى : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً ) .
وهو كذلك مناقض لإجماع الأمة على أن الكافر لاتجوز له ولاية على المسلمين ولا على بلادهم ..
الديمقراطية تعني مساواة الناس جميعاً في الحقوق والواجبات ، بغض النظر عن انتمائهم العقدي الديني ، وسيرتهم الذاتية الأخلاقية ؛ حيث أن أكفر وأفجر وأجهل الناس يتساوى مع أتقى وأعلم وأصلح الناس في تقرير أهم القضايا وأخطرها ، وهي من يحكم البلاد والعباد .. !
وهذا مناقض لقوله تعالى : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) .
وقال تعالى : ( أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون ) .
وقال تعالى : ( هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون ) . في دين الله لا يستوون ، بينما في دين الديمقراطية نعم يستوون .. !!
الديمقراطية تقوم على مبدأ حرية تشكيل التكتلات والأحزاب السياسية وغير السياسية ، أيَّاً كانت عقيدة وأفكار ومناهج هذه الأحزاب ، ومهما كثر تعدادها ، ولها تمام الحرية في نشر كفرها وباطلها وفسادها بين البلاد والعباد ..
وهذا يعني ـ من منظور الشرع ـ الإقرار طواعية بشرعية وحرية الكفر والشرك ، والارتداد والإفساد .. وهو مناقض لما يجب القيام به نحو الكفر والمنكر من تغيير وإنكار ، كما قال تعالى : ( وقاتلوهم حتى لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله ) .
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " . أي لا مناص من إنكار المنكر وتغييره ولو في القلب عند حصول العجز عن إنكاره باليد أو اللسان ، أما أن يمتد التعامل مع المنكر إلى حد الرضى به أو المطالبة فهو عين الكفر البواح ، وهذا الذي يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : " فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل " . أي ليس وراء إنكار القلب سوى الرضى ، والرضى بالكفر كفر ينفي مطلق الإيمان عن صاحبه .
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث السفينة ، كما في صحيح البخاري وغيره ، وفيه : " فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " .
وهذا مثل الديمقراطية ، فهي تقول ـ بكل وقاحة ووضوح ـ : دع للأحزاب حريتها أن تخرق السفينة ليغرقوها بمن فيها من الأنفس والحرمات ، بمعاولهم الهدامة ..
ثم إذا كان مجرد ترك الأحزاب الباطلة ـ المنكر الأكبر ـ من دون أن ننكر عليها أو نأخذ على أيديها بالزجر والإنكار والمنع مؤداه إلى هلاك المجتمعات بما فيها من المسلمين ، فما يكون القول فيما لو اعترفنا طوعاً بشرعيتها وحريتها في أن تفعل ما تشاء وتريد .. ؟!
وهو ـ أي الاعتراف بشرعية الأحزاب الباطلة ـ كذلك فإن مؤداه إلى تفريق الأمة ، وإضعاف شوكتها ، وتشتيت ولاءاتها وانتماءاتها في أحزاب شيطانية متناحرة متباغضة ، متنافرة ما أنزل الله بها من سلطان ..
وهذا مناقض لقوله تعالى : ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) . ولقوله صلى الله عليه وسلم : " عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة ، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أ بعد ، من أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة " .
الديمقراطية تقوم على مبدأ اعتبار وإقرار موقف ورأي الأكثرية ، مهما كان نوع هذه الأكثرية ، وأيَّاً كان موقف هذه الأكثرية ، هل وافقت الحق أم لا ، فالحق في نظر الديمقراطية والديمقراطيين هو ما تجتمع عليه الأكثرية ولو اجتمعت على الباطل أو الكفر الصريح ..!
بينما الحق المطلق ـ في نظر الإسلام ـ الذي يجب التزامه والعض عليه بالنواجذ ـ ولو فارقك جماهير الناس ـ هو الحق المسطور في الكتاب والسنة . فالحق ما وافق وطابق ما في الكتاب والسنة وإن اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك ، والباطل ما حكم عليه الكتاب والسنة بالبطلان ولو اجتمعت جماهير الناس على خلاف ذلك . فالحكم لله وحده ، وليس للبشر أو الأكثرية .
قال تعالى : ( وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون ) .
وفي الحديث فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن من الأنبياء من لم يصدقه من أمته إلا رجل واحد " . فأين موقع هذا النبي ومعه الرجل الواحد في ميزان أكثرية الديمقراطية ..؟!
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لعمرو بن ميمون : جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة ، والجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك .
وقال ابن القيم في أعلام الموقعين : اعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده ، وإن خالفه أهل الأرض . انتهى .
يتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـبع