يطالعنا الإعلام الغربي والأمريكي على وجه الخصوص بين الفينة والأخرىببعض التقارير المغلوطة عن بلادنا، ولعل من آخر هذه التقارير ما نشرته مجلةNewsweek الأمريكية بتاريخ 3/6/2008، بعنوان (الملك في مقابل الراديكاليين)، وقبلالشروع في الحديث عن هذا التقرير وما يعج به، فقد يكون من المعقول القول إن من بينأسباب غياب الموضوعية والمنهجية عن مثل هذه التقارير، الجهل العام بالمجتمعالسعودي، والاعتماد على مصادر محددة ذات توجه مخالف لما عليه المجتمع، سواءً كانتهذه المصادر محلية أو أجنبية، أشخاصا أو مؤسسات. وتنبع أهمية تتبع مثل هذه التقاريروالاهتمام بها مما يلي:
أن هذه التقارير (في الجملة) وسيلة لمعرفة حقيقة النظرة الغربية لمجتمعنا.
أنها وسيلة لمعرفة ما يسعى بعض الغربيين إلى تحقيقه، أو على الأقل ما يتمنونتحقيقه.
أنها وسيلة لمعرفة نقاط الالتقاء بين النظرة الغربية ونظرة بعض التياراتالمحلية.
بما أن أكثر هذه التقارير تحفل بالكثير من المغالطات والأكاذيب، فإنه منالمهم السعي لتفنيدها، وذلك لإزالة اللبس وتصحيح الصورة، ويأتي هذا المقال في هذاالسياق، حيث سأحاول بقدر المستطاع مناقشة التقرير الذي أشرت إليه آنفاً، خاصة وأنهلم يبق حبيسا لصفحات النسخة العربية من موقع الصحيفة، بل تم تداوله عبر بعضالمنتديات!
وباختصار، فموضوع هذا التقرير، الذي أعده زفيكا كريغر، وكما هو واضح منالعنوان، يتحدث عما يعتبره حرباً بين الملك والعلماء، أو من يسميهمبـ(الراديكاليين)، و كذلك عن كيفية استخدام شركة أرامكو كحليف أساسي في هذه الحرب،وأن الهدف من إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم و التقنية، كما يقول هو (محاولةالملك انتزاع السيطرة على بلاده من أيدي رجال الدين المتشددين)!
وفي الحقيقة، فإن هذا التقرير لا يختلف عن كثير من أمثاله، من حيث افتقارهللمصداقية والمهنية، وينم كذلك عن جهل مركب بواقع الحال في بلادنا، بل يمكن اعتبارأكثر ما جاء فيه أمنيات أكثر منها تعبيرا عن الواقع.
وقد بدأ التقرير، وانطلاقا من النظرة الغربية المستعلية، بالسخرية منالمواطن السعودي، حيث يقول: (إن أرامكو تبدو عالما مختلفا تماما عن الرياض أو المدنالسعودية الأخرى، حيث يتسكع الرجال الذين يرتدون الدشاديش البيضاء والكوفياتالتقليدية بلا هدف)، وفي موضع آخر نتحدث عن بلد حيث لا يزال الناس لا يؤمنونبالتطور أو بأننا وصلنا إلى القمر).
وتتجلى أكبر المغالطات حين يقول فمنذ اعتلاء الملك عبدالله العرش قبل ثلاثسنوات، تطبق حكومته شيئا فشيئا إصلاحات تقدمية للتصدي للعقيدة الوهابية المتشددةالتي يُحمّلها كثيرون مسؤولية ترويج الإرهاب في الداخل والخارج وكبح الابتكار).
ويبدو جليا التقاء هذا التقرير مع أفكار بعض التيارات المحلية في مواضع عدة،فمن ذلك قوله: "وقد عزز الملك فهد قبضة رجال الدين بعد سيطرة الأصوليين على المسجدالكبير عام 1979"، فهذه المقولة هي عين ما يلمح إليها بعض المنتمين إلى أحدالتيارات، وقد يصرحون بها ويزعمون أن الدولة تبنت فكر جهيمان العتيبي.
وكذلك حين يقول: (يأمل الليبراليون أن يروج مشروع الجامعة الجديدة قضيتهم فيالبلاد بشكل عام)، فهذا بالضبط ما ذكره احدهم عشية الاحتفال بوضع حجر الأساس لهذهالجامعة، حيث قال: (إنها ثقل تحرري يعتمد نجاحها على الكم الذي ستلعبه في جذب بقيةالمجتمع السعودي )، وأيضاً حين يقول: (إن تكليف أرامكو بناء الجامعة يعني أنها لنتدار من شخصيات رجعية اجتماعيا تنتمي إلى المؤسسة الوهابية، وأن الطلاب لن يمضواوقتهم في دراسة حواشي القرآن)، فهذا يشبه كثيرا ما كتبه أحدهم عن هذه الجامعة، حيثيقول: (قبل أن نخطط لمثل هذه المشاريع العملاقة ـ وبالتوازي معها ـ لا بد من القيامبثورة ثقافية تمهد لها، وتنظيم انقلاب على القيم الرجعية).
وحين يتساءل البعض قائلاً: (وأمر آخر وهو قضية المرأة (أم القضايا فيالسعودية)، كيف سيكون وضعها في هذه الجامعة؟ هل هي جامعة مختلطة؟ كيف سيكون الاتصالبين القسمين النسائي والرجالي، سواء بالنسبة للطلبة أو الأكاديميين والعلماء؟)، نجدأن هذا التقرير يحاول استباق الأحداث، ويقرر الإجابة بقوله: (سيدرس الرجال والنساءجنبا إلى جنب وعلى يد أساتذة من الجنسين، وهذه سابقة في السعودية).
كذلك حين يتساءل (كيف سنتعامل مع نظرية امتنعت جامعاتنا طويلا عن تدريسها، معأنها حجر الزاوية في معظم الأبحاث العلمية والطبية والحيوية في العالم الغربي مثلنظرية النشوء والارتقاء لدارون؟)، نجد كذلك هذا التقرير يجيب بالقول: (وسوف يضعمستشارون غربيون وليس السلطات الدينية، المنهاج الدراسي)، وفي الحقيقة أن كل مايثيره هذا التقرير، وما يلتقي معه من أفكار التيار المشار إليه، فهل هذه الجامعه لبنة بناء ام معول هدم؟