بقلم د. الشيخ عبدالسلام الحصين
كانت النساء قبل الإسلام يعشن فترة تبرج الجاهلية، فالمرأة تخرج من بيتها قد بدا شعرها ونحرها وصدرها وذراعاها، لا تتحاشى من شيء.
فلما جاء الإسلام، ونزل الحجاب بادرن إلى التستر، فانتقلن من التبرج إلى الستر، ولا شك أنها مرحلة صعبة؛ لأنها تستلزم تكاليف جديدة.
تحكي عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سرعة استجابت المؤمنات لهذا الأمر فتقول: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ؛ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رواه البخاري.
وهذه أم سَلَمَةَ شاهدة أخرى على ما وقع من نساء المؤمنين، فتقول: لَمَّا نَزَلَتْ {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الْأَكْسِيَةِ. رواه أبو داود بإسناد جيد.
إني أتعجب الآن، كيف تنتقل نساء المؤمنين من الستر، إلى شيء من التبرج، وهو في الحقيقة مقدمة لتبرج أكبر منه؛ لأن الشيء يبدأ صغيرًا، ثم يكبر، ولا يمكن أن يقع دفعة واحدة، ومن يقرأ قصة نزع الحجاب في بعض الدول العربية يرى ذلك بوضوح.
ما الذي يحمل المرأة على أن تضع مكياجًا كاملاً على وجهها؟ حتى يخيل إليك أنها ذاهبة إلى عرس، مع أنها في مكان عمل.
ما الذي يحملها على إظهار شعرها، وشيء من نحرها؟!
ما الذي يحملها على لبس ملابس تستر اللون، وتبرز الحجم؟!
ما الذي يحملها على لبس عباءة لو خلعتها، وبقيت بملابسها لكان ذلك أستر لها؟!
لماذا تنتقل من حال الستر إلى التبرج، الذي نهاهن الله عن فعله، بقوله: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}؟!
كنت يومًا واقفًا عند شباك تدقيق الجوازات في إحدى الدول الخليجية، وكانت الموظفة قد سفرت عن وجهها، ووضعت به من المكياج ما أعرف وما لا أعرف، وأظهرت ثلث شعرها، بطريقة ملفتة للانتباه.
حدثتني نفسي أن أكلمها، أقرأ عليها آية من كتاب الله تنفعها، إن النصيحة دين ندين الله به، وهو حق من حقوق المسلم على أخيه.
ظللت في صراع نفسي، حتى تغلبت على هاجس الخوف، فقلت:
يا أخيه، يقول الله تعالى: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن, ولا يبدين زينتهن..}، ويقول الله تعالى {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن...}.
فقالت: أنا حرة.
فقلت: ها أنت قد أسكتني بهذا الجواب، وليس المكان محلاً للحوار، ولكن هل ينفعك هذا الجواب أمام الله؟