أنت أخي .. وأنا أخوك !!
؟
بهذا اللفظ الجميل استقبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حذيفة بن اليمان – رضي الله عنهما– العائد لتوه من ( المدائن ) التي عين والياً عليها من قبل أمير المؤمنين ..
فاستقبله عمر .. وحين رآه على حاله التي كان عليها قبل الإمارة ، لم تغير الدنيا هيئته، ولم تفسد الإمارة شأنه ، ولم تعكر روحه ، أو تعدوعلى إيمانه ، رياح التغيير ، ومراكب الإمارة ، فتتغير بها الثوابت ، وتتبدل المواقف .. أمام هذه الصورة الجليلة البهية ، لم يجد عمر – رضي الله عنه – من عبارات التكريم والتبجيل ، في الترحيب والاحترام ، إلا أن يقول له : أنت أخي وأنا أخوك ..
نعم .. أنت أخي وأنا أخوك ..
وفي هذا الترحيب دلالة على عظمة رابطة الإخوة ، في نفوس الصحابة الكرام ، بله في نفس كل الذين يفهمون حقيقة هذا الدين ، فهذا الإمام حسن البنا – رحمه الله – يتلقى ملاحظة من أحد إخوانه ، صدرها بقوله : فضيلة الأستاذ الأخ حسن البنا ، فما كان من الإمام إلا أن أجرى قلمه ، فشطب ما سبق اسمه ، إلا ( الأخ ) وقال : هذه تكفي ، وهي أعظم ما يخاطب به الإخوان ..
فأنت أخي ، وأنا أخوك ..
تأكيد على الرابطة ، وتذكير بها ، إذ هي محطة فخر واعتزاز بين المؤمنين .. فهي النعمة العظيمة .. ( فأصبحتم بنعمته إخواناً ) .. وهي الرابطة الربانية .. والهبة الكبرى .. ( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ، ولكن الله ألف بينهم ) ..
أنت أخي ، وأنا أخوك ..
دمك دمي ، وعرضك عرضي ، ومالك مالي ، ومالي مالك ، وفرحك فرحي ، وحزنك يؤلمني ، أنا بك ، وأنت بي ، وبعضنا لبعض كالبنيان المرصوص .. يشد بعضه بعضاً ، إن أصبت شددت على يديك مؤيداً ، وإن أخطأت شددت على يديك محذراً ومنبهاً ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تفرحني طاعتك .. فأبتهج بها ، وتزيدني قرباً من مولاي .. أدعو لك بالثبات على الطاعة ، والدوام في فعل الخيرات .. أسعد لحظاتي ، هي تلك اللحظات التي يلهج بها لساني لك بالدعاء في ظهر الغيب .. إنه لحظات مستجابة الدعاء ، عظيمة العطاء ، تستحق من المولى كل الثناء .. فيأتي جمع الملائك مؤمناً ، قائلاً : ولك مثل ذلك ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تحزنني معصيتك ، وتؤلمني غفلتك ، ويوجعني تقصيرك ، ويزلزل فؤادي نكوصك على عقبيك ، غيابك عن مجالس الخير يقلقني ، وكم أرق جمع الأصحاب غياب واحد عن صلاة أو واجب .. فارفق بنا .. وشد للطاعة مئزرك ..
إن الأخوة الصادقة توجب الحزن الشديد .. حين يقترف الأخ معصية ، أو تلم به غفلة.. على عكس حال الكثيرين في أيامنا هذه ، الذين يدعون الأخوة ، وما عرفوا منها غير الرسم ، وشيئاً من الاسم .. حين يصرمون الود ، ويقطعون الوصل ، ويحل الجفاء .. إن ظفروا بمعصية الأخ وغفلته ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
تتوثق عراها ، وتزداد جذوتها ، وترتقي درجاتها ، وتعظم مكانتها .. بالطاعات وحسن الالتزام ، وصدق الانتماء للصف المسلم .. وهذه الطاعات جعلت أمير المؤمنين يؤكدها في هذا الموقف بالذات ..
ولا تؤتى الأخوة إلا من قبل الذين يضعف التزامهم ، ويتلون انتماؤهم ، وتتبدل في المقامات المختلفة أحوالهم .. وتتغير في هذه الأحوال نبراتهم ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
أخوة عقيدة عظيمة ، أعظم من أخوة الدم ، وإن قالوا في أخوة الدم يوماً : الدم لا يصبح ماءً .. فمن الأولى أن لا تصبح العقيدة .. التي تفدى بالدم ، ويقدم الدم مهراً رخيصاً في سبيلها .. أن لا تصبح هينة رخيصة .. أمام ذنب صغير ، أو تجاوز ، أو حاجة ما .. فأنت أخي وأنا أخوك .. رغم العثرات ، والسقطات ، والجهالات .. لا مناص من أخوتك .. مادمت على الدرب الإيمان ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
وإن تباينت المراتب ، واختلفت الرتب الدنيوية ، ومواقع المسؤولية ، فأنا خليفة وأنت موظف صغير في خلافتي .. لكن هذا لا يغير من حقيقة الأخوة شيئاً ، فأنت أخي وأنا أخوك .. درس عميق ، ما أجمل أن يقف عنده السائرون إلى الله طويلاً ، فلا تكون الأخوة شيئاً عابراً في حياتهم ، وحدثاًَ طارئاً في مسيرتهم ، بل أصل أكيد ، وحقيقة ثابتة ، وأولوية كبيرة .. لا يغيرها موقع ، ولا يبدلها موقف ، ولا تعدو عليها عادية ، وإن عظمت ..
أنت أخي وأنا أخوك ..
ارفعه شعاراً قوياً .. واضحاً في معالمه ، صادقاً في رفعه ، مخلصاً في التزامه .. مع كل العاملين في ميدان الدعوة إلى الله ، وإن اختلفت الوسائل ، أو تباينت المناهج والرؤى .. فتذكر هذه الأخوة العظيمة .. وعش طيب النفس ، سامي الروح في ظلال هذه القاعدة العظيمة.
أنت أخي .. وأنا أخوك !!
.