<div align="center">بسم الله الرحمن الرحيم</div>
<div align="center">العمل للإسلام</div>
<div align="center">الشيخ عبدالعزيز السدحان</div>
إن الانتماء إلى الإسلام من أعظم أنواع التميز في هذه البشرية ؛ ذلك لأنه الدين الذي ارتضاه الله للناس وجعله أعظم نعمة وأتمها عليهم : [ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ]
ويزداد شرف الانتماء إلى هذا الدين كلما كان المسلم أكثر احتراماً وتمثلاً لأحكامه وتعاليمه وآدابه .
فتعاليم الإسلام وآدابه تكسب حاملها سعادة ومهابة ووقاراً، وكيف لا يكون كذلك وتلك التعاليم الأحكام تهذب العقول والجوارح والأفئدة؟
بل تتسع دائرة النفع حتى يكون نفعاً متعدياً، فتسود المحبة والوئام بين أفراد المجتمع المسلم وتتآلف قلوبهم . فيصدق عليهم بذاك الوصف النبوي " المؤمنون كالجسد الواحد" .
إن المتأمل في مجتمع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وتكاتفهم فيما بينهم، واستشعار كل فرد منهم بمسئوليته تجاه مجتمعه وأمته ، يرى في أولئك البررة خير مثال يحتذي في علو همتهم وصادق عزيمتهم ، كانوا من خير المجتمعات وأزكاها، تمثلوا أخلاق الإسلام وتعاليمه وآدابه في جميع شئونهم.
كان العمل للإسلام يخالط شغاف قلوبهم ، يترجم ذلك أقوالهم وأفعالهم مع خاصة أهليهم وأفراد مجتمعهم، يؤثر الواحد منهم أخاه ولا يستأثر لنفسه، يطوي لأحدهم جائعاً حتى يشبع أخوه، يشتركون في الآمال والآلام، وكان من نتيجة ذلك أن تهيأ لهم من التكاتف والترابط ما يندر وجودة في سائر المجتمعات، فنعموا بالحياة الطيبة، وقويت هيبتهم في نفوس أعدائهم .
وكان من أعظم الأسباب في ذلك - بعد فضل الله تعالى - أنهم استشعروا مسؤليتهم تجاه مجتمعهم وأمتهم، فبذلوا الغالي والنفيس وآثروا ولم يستأثروا ، فأعلى الله شأنهم ورفع مكانتهم وقدرهم .
إن من أسباب الضعف التي تنخر في أساس المجتمع: تهرب كثير من الناس من مسئولياتهم تجاه الإسلام والمسلمين، والاستظلال بظل التوكل والتسويف؛ حتى تعطل من جرّاء ذلك خير كثير، والعجب أن هذا الخلل يقل أو ينعدم عند غير المسلمين، فبنظرة إلى تكاتف أهل الديانات الباطلة والمذاهب المنحرفة يرى المرء عجباً من قوة تكاتفهم وشدة ترابطهم في سبيل نشر مبادئهم مع اختلافهم المتباين في المكان والزمان والحال ، إلا أن العمل لمصلحة مبادئهم هو المحور والمرتكز الذي يؤمه الجميع .
شاهد المقال: أنهم مع فساد عقائدهم ومذاهبهم إلا أن قوة دعوتهم لها قولاً وعملاً ودعماً مكن لهم وزاد من شوكتهم .
إن استشعار الفرد المسلم مسئوليته تجاه أفراد مجتمعه من أعظم خطوات البناء في تقوية أساس المجتمع .
وعلى هذا فليجعل كل مسلم على نفسه مسئولية العمل للإسلام بكل ما يستطيع من الوسائل والسبل فإن الجهود إذا تظافرت وتكاتفت؛ أينعت ثمارها وآتت أكلها .
وعلى هذا فليجعل كل واحد منا نفسه على ثغر من ثغور الإسلام : فالمعلم يمثل القدوة الحسنة في أخلاقه وسمته ووقاره، والموظف بإنجازه لمعاملات الناس بأحسن أداء وأسرعه والتاجر بصدقه وأمانته في بيعه وشرائه ودعمه لمشاريع الخير، وهكذا كلٌ يتمثل خلق الإسلام في شخصه ومنطقه.
وليس العمل للإسلام مقصوراٌ على موقع الشخص الوظيفي، أو في مكان معين أو في زمان معين، بل يجعل المسلم عمله للإسلام منهجاٌ له في جميع حياته فيقدم ما يستطيع من نفع للمسلمين، كأمر بمعروف، ونهي عن منكر، وشفاعة لمحتاج، وغير ذلك من أعمال الخير والبر.
عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( على كل مسلم صدقة ) قالوا: فإن لم يجد؟ قال ( فيعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق). قالوا: فإن لم يستطع أولم يفعل؟ قال (فيعين ذا الحاجة الملهوف) قالوا: فإن لم يفعل؟ قال ( فليأمر بالخير_ أو قال :بالمعروف_ ) قالوا: فإن لم يفعل، قال ( فليمسك عن الشر فإنه له صدقة) أخرجه البخاري ، وفي لفظ عن أحمد والنسائي ( تهدي الأعمى وتسمع الأصم والأبكم حتى يفقه، وتدل المستدل على حاجة له قد علمت مكانها، وتسعى بشدة ساقيك إلى اللهفان المستغيث، وترفع بشدة ذراعيك مع الضعيف، كل ذلك من أبواب الصدقة منك على نفسك ) .
وعن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة ) أخرجه الترمذي. فأبواب الخير كثيرة ومتنوعة .
وإن من أسباب التقاعس احتقار الجهد إن كان يسيرا. وهذا من تلبيس إبليس [ فلا تحقرن من المعروف شيئا ]. فالجهود اليسيرة إذا تكاثرت كانت عظيمة النفع والأثر.
ومن أسباب التقاعس أيضا : ذكر مصاب الأمة والتثريب على أفرادها وهذا مما يزيد المجتمع وهنا إلى وهن .
شاهد المقال : أن على المسلم أن يحذر من دخول اليأس، والتقاعس عن القيام بما يستطيعه من تقديم الخير للمسلمين، ويتأكد هذا في حق الدعاة والمصلحين، فعليهم أن يحذروا من دخول اليأس إلى قلوبهم في حال عدم قبول دعوتهم .
فوظيفة الداعية أن يبلغ رسالته، وليس من شروط ذلك أن يرى ثمارها.
على المرء أن يسعى إلى الخير جهده
وليس عليه أن تتم المقاصد
وخير من قول الشاعر قول النبي صلى الله عليه وسلم :" عرضت علي الأمم ، فرأيت النبي ومعه الرهط ، والنبي ومعه الرجلان ، والنبي وليس معه أحد " أخرجه الشيخان.
فإذا كانت دعوة النبي قد لا يستجيب لها أحد ، فأين مقام النبي من مقام الداعية ؟!
ثم يقال أيضاً : إن الإصلاح لابد أن يكون منطلقاً من النصوص الشرعية الصحيحة . وفي المقابل الحذر من ابتداع واستحسان طرق دعوية ما أنزل الله بها من سلطان ، فخير الهدي هدي محمد r ، ولو كان ما يبتدع خيراً لسبقونا إليه .
بكل حال فعلى الداعية أن يكون على علم صحيح ومنهج سليم ، والذي يضمن ذلك له - بعد توفيق الله تعالى - طلب العلم ، وقراءة سيرة السلف ، ومجالسة العلماء وسؤالهم عما يشكل .
فبذا وذاك يصح أمره وأمر دعوته .
نسأل الله أن يجعلنا مفاتيح للخير ومغاليق للشر. اللهم أصلح أحوال المسلمين وارزقهم البصيرة فيما يصلح شئونهم . اللهم اجعلنا ممن يعمل للإسلام وينفع الله به المسلمين .
المصدر مجلة الملتقى