الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
أهل السنة يؤمنون بالصراط، وأن الناس يمرون عليه يوم القيامة على قدر أعمالهم، هذا عقيدة أهل السنة والجماعة. يؤمنون بالصراط وهو صراط حسي، ينصب على متن جهنم (على ظهر جهنم)، يمر الناس عليه يوم القيامة على قدر أعمالهم، والنار أسفل، والجنة أعلى، فهو منصوب، فمن تجاوز الصراط وصعد صعد إلى الجنة، تجاوز الصراط وصعد إلى الجنة، ومن سقط سقط في النار، وهذا الصراط عليه كلاليب تخطف من أمرت بخطفه، فناج مسلم، ومكربس على وجهه في النار، نعوذ بالله.
ثبت في الأحاديث الصحيحة أن الناس يمرون عليه على قدر أعمالهم، وأن أول زمرة تمر على الصراط كالبرق، وجوههم كالقمر، ثم تمر الطائفة الثانية التي بعدها كالريح، كأضوء كوكب دري وجوههم، ثم تأتي الزمرة التي بعدها كالطير، ثم كأجاود كالخيل، ثم الرجل يعدوا عدوا، ثم الرجل يمشي مشيا، ثم الرجل يزحف زحفا، وعلى الصراط كلاليب تخطف من أمرت بخطفه، على حسب الأعمال المرور، على حسب الأعمال، هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل البدع الذين أنكروا الصراط الحسي، وقالوا أنه ليس الصراط الحسي، وإنما يراد به العدل.
وهذا الصراط الحسي يمر عليه ويسلم من استقام على الصراط المعنوي في الدنيا، الصراط المعنوي هو الصراط المستقيم، هو دين الله وهو القرآن، وهو ما جاء به النبي، وما جاء في القرآن الكريم وما جاء في السنة المطهرة، فمن استقام على دين الإسلام واستقام على الصراط المستقيم في الدنيا، فإنه يعبر على الصراط الحسي يوم القيامة وينجو، ومن تنكب الصراط المستقيم في الدنيا وانحرف عن الجادة، ولم يعمل بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يعبر الصراط يوم القيامة، هما صراطان: صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة. فمن استقام على الصراط المستقيم في الدنيا، نجا وعبر الصراط الحسي يوم القيامة، وتجاوز النار إلى الجنة، ومن تنكب الصراط المستقيم في الدنيا، فإنه لا يمر على الصراط، ويسقط في النار الصراط الحسي..
فهناك صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، والصراط في الدنيا هو دين الله، وهو حبل الله، وما جاء في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وهو العلم والعمل، يتعلم دين الله، ثم يعمل به، من كان كذلك فهو على الصراط المستقيم، وهو الذي أمر الله في كل ركعة من ركعات الصلاة أن نسأله أن يهدينا إياه: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فالصراط المستقيم فسر: صراط الذين أنعمت عليهم، والذين أنعم الله عليهم بالعلم والعمل هؤلاء هم أهل الصراط المستقيم، وهم أربع طوائف:
الطائفة الأولى: الأنبياء.
والطائفة الثانية: الصديقون.
والطائفة الثالثة: الشهداء.
والطائفة الرابعة: الصالحون. كما قال الله تعالى وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا فأنت في كل ركعة من ركعات الصلاة تسأل الله أن يهديك الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم، وتسأل الله أن يجنبك طريق المغضوب عليهم، وهم الذين يعلمون ولا يعملون، عندهم علم ولكن ما يعملون، وتسأل الله أن يجنبك طريق الضالين، وهم الذين يعملون بدون علم، طائفتان منحرفتان الطائفة الأولى: من يعلم ولا يعمل، وهذا هم المغضوب عليهم، هم أمة الغضب ويدخل في ذلك دخولا أوليا اليهود، ومن فسد من علماء هذه الأمة دخل فيهم.
والطائفة الثانية: الضالون، وهم الذين يعملون بدون علم، ويدخل في ذلك دخولا أوليا النصارى، وكل ما فسد من عبّاد هذه الأمة دخل في ذلك، أنفع دعاء وأعظم دعاء هو هذا الدعاء، حاجة الإنسان إلى هذا الدعاء أحوج من حاجته إلى الطعام والشراب، أشد من حاجته إلى الطعام والشراب، بل أشد من حاجته إلى النفس الذي يتردد بين جنبي الإنسان، لأن الإنسان إذا فقد الطعام والشراب وفقد الأنفاس مات، والموت لا بد منه، ولا يضر الإنسان الموت إذا كان مستقيما على طاعة الله، وإذا فقد الصراط المستقيم، إذا فقد العلم والعمل، مات، ماتت روحه وقلبه، وصار إلى النار، والعياذ بالله، ولو كان هناك دعاء أنفع من هذا الدعاء لأمر الله به، دعاء ندعو الله به في كل ركعة من ركعات الصلاة، سبع عشرة مرة في كل يوم وليلة في الفرائض، أو في النوافل: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ليس هناك شيء أنفع من هذا الدعاء ولا أحوج، ولا أشد ضرورة للعبد إليه، هذا الصراط المستقيم في الدنيا من استقام عليه، نجا وتجاوز الصراط الحسي الذي يوضع على متن جهنم، ومن تنكب الصراط المستقيم في الدنيا، فإنه لا يعبر الصراط الحسي يوم القيامة، بل يسقط في النار، نعوذ بالله، صراطان: صراط في الدنيا هذا الصراط المعنوي، من استقام عليه نجا من الصراط الحسي يوم القيامة.