دراسة الشخصيات في السورة
17
ط ــ حلمه:
الحلم منقبة لايستطيع التحلي بها كل الناس، ولهذا فقد كان يضرب الحلم في نفرقليل من الناس([1]) لأن الحلم لايتأنى إلا ممن له قوة يستطيع بها ان يكبح جماح الإنتقام ممن أساء إليه أوظلمه ، ولا يوجد مانع يمنعه من القصاص والإنتقام إلامن داخل نفسه بعون من الله تعالى ــ لاخوفاً ولكن حلماً .
والحلم :الأناة . وقد حلم باالضم .. تكلف الحلم ، وتحالم : أرى من نفسه ذلك وليس به ([2])وقد برزت هذه الصفة في شخص يوسف عليه السلام ولا غرو فإن صفات القوة لاتفارق الأنبياء ومن تتوافر فيهم صفاة القيادة من قادة الرأي العام- منظمومة الدعاة إلى الخير - ويتبين أن الحلم يتلازم مع صفة عدم الحقد،ولقدتجلت هذه الصفة عندما أصبح أخوته في متناول عقابه وهم الذين تسببوا في متاعبه الطوال ومـــع هـــذا فـــقـــد قـــال لـــهــــــم ــ كـــمـــا حـــكـــى الـــلـــه تـعـــالى ذلـك بقو له تعالى (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(92 )
لم يكتف بالعفو عنهم - فقط - ولكنه زاد على ذلك بأن أحب لهم العفو والغفران من الله لينالوا بذلك السعادة في الدنيا وفي الأخرة ، لقد آواهم وأهلهم أجمعين مكافأة لفعلهم ، وهذه هي الصفة التي ينبغي للقائمين على وسائل التربية والإعلام أن يتصفوا بها ويلجموا النفس " بلجام الحلم وكفها عن الإستجابة لثورة الغضب أو دواعي الإنفعال والحرص على دفع السيئة بالحســـنة بـــل بــــالـــتي هـــي أحسن .. فيحيل هذا السلوك الجمــــيل الــعدو إلى صديق .."([4]) قال تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ(34)( )[5]
إن أصـــحـــاب الـــنـــفـــوس الـــوفـــيـــّة والـــضــــمـــائـــر الـــحـــيـــة عـــــنـــدمــــا تـــلــــقـــى الـــصـــفـــح مـــمن أســـاءت إلــــيه يـــأســــرهـــا ذلـــك قال تعالى (قَالُوا أَئِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ(90)
" مفاجأة ؟! مفاجأة عجيبة !! يعلنها لهم يوسف ويذكرهم في إجمال بما فعلوه بيوسف وأخيه في دفعة الجهالة ولايزيد .. سوى أن يذكر منة الله عليه وعلى أخيه ،معللا هذه المنة بالتقوى والصبر وعدل الله في الجزاء ، أما هم فتتـــمثل لعيـــونهم وقلبـــهم صورة مافــــعلوا بيوسف ويجللـهم الخزي والخجل وهم يواجهونه محسناً إليهم وقد أساءوا حليماً بهم ؛ وقد جهلوا كريما معهم ؛ وقد وقفوا معه موقفاً غير كريم " ([7])ومع هذايقول لهم " لامؤاخذة لكم ولاتأنيب اليوم فقدانتهى الامرمن نفسي ولم تعدله جذور يتولاكم الله باالمغفرة " ([8])ولايخفي على متدبر مايكون لهذا الموقف الكريم من أثرفي نفوس المسيئين ومن بلغ هذا ومن شاهده إن هذا لمدلول الإعلامي لايخفى وإنه ليؤثرعلى الرأي العام ويهدي الى الحق الذي يدعواليه المحسن، " وهذا الأسلوب يقوم على رعا يه المداخل الطبيعيه لنفوس المخاطبين ومكانته في التأثيرعلى الرأي العام مقررة معلومة وهويظهر الرحمه بالمخاطبين واظهار العطف عليهم والحرص على سلامتهم ونجا تهم وسعادتهم ([9])
" لقد أ هتم ألا علا ميو ن با لبلا د ا لإ سلا مية با لدر اسا ت الغربية حول العملية الإعلامية ، ونسوا الدراسات القرآنية والإسلامية جهلاً - منهم - بما يكمن في كتاب الله وسنة رسول الله وجهود السلف الصالح حتى أضحى المتخصصون وغيرهم من المبتدئين إذا سمع عن الدراسات الإعلامية لايتبادر إلى ذهنه غير الدراسات الغربية ، ونحن لانرفض مايفيد ولايعارض مبادءنا لكن أن ننسى " أن الإسلام لم يهتم بدراسة القاتم بالإتصال -مثلاً- من جانب واحد أووفق نظريات تتضارب بعضهامع بعض ، ولكن من جوانبه المتعددةمن اصطفاء واختيارواعدادفالمولىسبحانه وتعالى كان يتخيرمن الناس رسلايصطفيهم ويريهم على عينه حتى يكونوانوراوهاية للناس وكانوا أحسن الناس خلقا وأصدقهم قولاً .. وعني النبي بتربيةأصحابه عنايةمعلومةوبناء رجال الدعوةوالأعلام ([10]) فكانوا منارهدى أوصلوا رسالةالإسلام إلى كل مكان بما عندهم من وسائل محدودة،ووصل الإسلام إلى أنحاء كثيرةبالقدوة الحسنة،وهذا يدل على خصوصية النصوص الإسلامية التي تصيغ رجل الاعلام بل والعملية الاعلاميةبوجه عام صياغةمنقطعة النظير .
إن القائم بالإتصال قدركزالقرآن الكريم على اختياره وأبرزصفات وضوابط كثيرة لاختياره .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] - الأنبياء والمرسلين وممن اشتهر من العرب في هذا : الأحنف ابن قيس
[2] - الرازي مختار الصحاح مادة " حلم "
[3] - سورة يوسف
[4] - د.يوسف القرضاوي - الصبر في القرآن الكريم [ بيروت -مؤسسة الرسالة -بدون طبعة -1411-هـ 1991-م ص55-56.
[5] - سورة فصلت
[6] سورة يوسف.
[7] - سيد قطب - في ظلال القرآن ، مرجع سابق 4/2027.
[8] - نفس المصدر السابق ونفس الصفحة .
[9] - سيد محمد ساداتي - مفاهيم إعلامية .. ، مرجع سابق ص 64 بتصرف .
[10] - د. طه عبد الفتاح مقلد - كيف نبني مؤسسات الإعلام على أُسس إسلامية [ الرياض -دار العلم - إصدار الندوة العالمية للشباب الإسلامي - الثالثة - بدون- ضمن أبحاث الندوة تحت عنوان : الإعلام الإسلامي والعلاقات الإنسانية]ص453-437 .